هل حضرت جلسة عرفية من قبل؟، وما مدى معلوماتك عن (حق العرب) كما يسميه البع، ولماذا هذه الشهرة الواسعة للجلسات العرفية أو كما يختصرها البعض بكلمتي (حق عرب)، بالتأكيد لم تأتي شهرة حق عرب من فراغ بل هي نتاج تجارب عدة وتاريخ طويل لعملية حل المشكلات بالطريقة الفورية المختصرة والتي تؤدي في كل الأحوال للعدالة الناجزة (إن تم التعامل معها بما يرضي الله)
فالقضاء العرفي مصدره (العرف) ويقصد به الأمر الذي تعارف عليه الناس فأصبح من تراثهم الإنساني وهو أهم مصادر القانون الوضعي فتعارف الناس على شئ محدد دليل على كثرة تجربتهم له فقاموا بصقله وتهذيبه وتعديله على مر الزمان حتى أصبح شيئاً من وجدانهم وتعارفوا عليه فأصبح أمراً سائداً بينهم فالتزموا بتنفيذه على الكبير والصغير والغني والفقير دون تمييز مما جعل له الاستمرارية اكبر فترة ممكنة فأصبح دستوراً لأهل الريف والبادية
وحق العرب أو القضاء العرفي رغم أنه مما تعارف عليه الناس أي أنه نتاج للتعاملات بين الناس عبر الأزمنة إلا أنه يرتبط بالدين أو العقيدة أكثر حيث وجوب ألا تخالف أحكامه أوامر الله ونواهيه فليس من الطبيعي فيه أن تجد نصاً أو توجيهاً يحلل حراماً أو يحرم حلالاً فما خالف فيه شريعة الله كان باطلاً بلا نقاش وهذا ما أعطاه الاستمرارية في وجود الإسلام بأحكامه التي أوجبها الله سبحانه وتعالى
وكثيراً ما يلجأ إليه الناس في حل منازعاتهم وخاصة في المناطق العائلاتية والقبلية التي تحترم الأعراف والعادات والتقاليد فهناك التزاماً صارماً بتعاليم المجموعة فمن الصعب أن تجد شخصاً يخرج عن النسق العام للقبيلة أو العائلة المحترمة إلا في أضيق الحدود ويقابل بردع عائلي قد يصل إلى رفع الحصانة والطرد من العائلة أو القبيلة ككل لهذا كان للقضاء العرفي الكثير من أساليب الردع والحماية مما يجعله واجب النفاذ حتى لا يتعرض مخالفه إلى عواقب وخيمة
والقضاء العرفي مقسم أيضاً إلى درجات مثل المحاكم العادية ففيها المحاكم الابتدائية وكذلك الاستئنافية وصولاً إلى النقض وقد يستلزم الأمر الوصول للدستورية وكل هذه الدرجات القضائية موجودة وبشكل منسق رغم أنها غير مكتوبة إلا أنها محفوظة في صدور أصحابها ، ولكل درجة من درجات التقاضي سالفة الذكر قضاة متخصصون في الفصل في تلك القضايا
وهناك أيضاً القضاء المتخصص وله قضاة متخصصون في الأمور الهامة أو الخطيرة مثل العار (كل ما يخص الاعتداء على المرأة) أو حق الوجه ويسمى حق الشرف وهو يختص (بالكفالة) وتبسيطها أن يتكفل أو يضمن أحدهم تنفيذ الحكم أو سداد الدين أو سداد مخرجات التحكيم (أي عليه تنفيذ حكم القضاة) وخطورة هذا الأمر كبيرة جداً حيث أن عدم وفاء الكفيل بما التزم به يفرغ عملية التقاضي برمتها من مضمونها مما يترتب عليه أيضاً أحكام قاسية على من يتكفل بأمر ثم لا يقوم بتنفيذ تعهداته وكفالته التي تمثل شرفه وكرامته بين الناس
كما أن هناك قضاة متخصصون في (الدم) وهو ما يسمى (منقع الدم) وهو ما يختص بجرائم النفس بداية من الضرب وصولاً إلى الرقاب أو القتل، يعقب ذلك قضاة (المحارم) أو البيوت التي جعل الله لها حرمتها، كما يوجد تخصصات أخرى مثل الأمور المتعلقة بالزراعة أو (العرايش) وكذالك قضاء متخصص بالأراضي وحدود الجيرة (والسيل والميل) بالإضافة لأهل الأمانات والعار المهمول ويسبق هؤلاء جميعاً قضاة التحقيق أو ما يسمى (الضريبي) ثم يعقب الفصل في الأحكام ما يسمى (المالحين) وهم قضاة القياس الذين يرفعون المظالم التي قد تقع من بعض القضاة حال جورهم في الأحكام
ثم يأتي الدور على الحديث عن القاضي نفسه وما يجب أن يكون عليه فهذا أمر في غاية الأهمية، فالقضاء أمانة خطيرة لا يعيها كل شخص فقد يأتي الرجل يوم القيامة يتمنى على الله أنه لم يفصل بين اثنين في (تمرة) ولا يستطيع أي شخص أن يصبح قاضياً ولا تأتي محض الصدفة فهي تحتاج لمكون عقلي وجيني خاص فقد جعلها ربي تحتاج للفهم وليس للحفظ في قوله سبحانه (ففهمناها سليمان)
فأهم مقومات القاضي بعد تمتعه بالذكاء وسرعة البديهة أن يكون من أهل التقوى والورع وأن يكون عنده تجرد من الأهواء الشخصية فيستوي عنده (ابنه) مع خصمه ولا يخشى في الله لومه لائم فإن توافرت فيه تقوى الله سبحانه مع ما وهبه الله له من حكمة وذكاء فطري كانت أحكامه مرضية لجميع الخصوم فهو يضع نفسه نيابة عن الخصوم ويقيس الأحكام على نفسه أولاً وهو أيضاً من يتعامل مع حدود الله سبحانه التي أنزل فيها آيات محكمات بكل حكمة فيحاول الابتعاد عن حدود الله الواضحة الجلية فيصلح ما استطاع ما هو دونها
عزيزي القارئ المحترم كل ما سبق كان سرداً مبسطاً لما يسمى (حق العرب) أو القضاء العرفي صاحب العدالة الناجزة أرجو أن أكون وفقت فيه بقول يسهل فهمه دون الدخول في التفاصيل التي تحتاج إلى الكثير من التخصص الذي قد لا يحتاجه البعض.