كتب أحد الذين يعملون في الصحافة مقالًا يلوم فيه على الأزهر بسبب تدريس بعض المناهج المنحرفة أو المتطرفة، ثم تابع أن هذه المواد كانت من خلال المستشار القانوني لفضيلة الإمام وذلك لوجود صلة بين المستشار القانوني وأحد قادة الجامعة، وزعم أن المستشار القانوني كان قد عقد مؤتمرًا بسبب توحيد المناهج، والحق أننا لم نسمع عن هذا المؤتمر الذي أقامه الرجل وفق تقرير الصحفي الذي جاب بمقاله بعض المواقع على الشبكة العنكبوتية.
بداية أذكرك بأمانة الكلمة؛ خاصة في مرحلة المخاض العسير الذي يمر له وطننا العزيز مصر؛ فالكلمة أمانة، وكل كلمة تصدر منا أمانة، قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ)سورة التوبة 119-.
وقد رسخ النبي صلى الله عليه وسلم الصدق وحث عليه فقال في الحديث الصحيح: عليكم بالصدق؛ فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدق، ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقًا، وإياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وما يزال الرجل يكذب، ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابًا.
الإعلام أمانة، والكلمة التي يتقول بها أو يكتبها الإعلامي قد يضر بها أمة بأكملها أو قد يفيد بها أمة، ورمي الناس بالباطل تهمة عصيبة حذر منها رب العالمين، فقال (﴿وَمَن يَكسِب خَطيئَةً أَو إِثمًا ثُمَّ يَرمِ بِهِ بَريئًا فَقَدِ احتَمَلَ بُهتانًا وَإِثمًا مُبينًا﴾.
فلو تناسينا الضمير المهني وأمانة الكلمة فلنعد لهذا الطائر الضعيف الهدهد الذي كان صادقًا في روايته وكان حريصًا على هداية أمة بأكملها، فعلينا أن تدارسها جيدًا حتى نتعلم آداب هذه المهنة السامية لمن أخذها بحقها. الذين تابعوا الهجمات على شخص الرجل الذي قدم كثيرًا للأزهر وأياديه البيضاء شاهد صدق- أذكرهم بما اقترفوه قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِين).
ومن حيث إن مسألة المناهج لا دخل للمشيخة بها أصلًا، حيث إن المسؤول عن المناهج جملة وتفصيلا الجامعة وما ينبثق عنها من لجان وفقًا لتوصيف المناهج، ولقد اجتمع بنا قبل عدة أشهر من بداية السنة الدراسية الجديدة أد نائب رئيس الجامعة لشؤون الطلاب والتعليم في فرع الزقازيق وتحديدًا في مدرج كلية اللغة العربية بالزقازيق وأفاد فضيلته قائلًا: "إن فكرة توحيد المناهج الجامعية جاءت إلي منذ فترة وأردت تطبيقها على الجامعة، وأُشهدُ الله تعالى أن المشيخة لا دخل لها بهذا الأمر، لكن رأيت أن تجتمع الكلمة على منهج بعينه وذلك للحد من المخالفات المنهجية، وليس هدفنا التربح من الكتاب الجامعي، ولكن هدفنا الارتقاء بالعملية التعليمية، وبعد ذلك ستصبح الكتب الإلكترونية دون مقابل".
أضف إلى هذا فإنه وبتاريخ ٢٠١٨/١١/١٩ جاءت عدة أوراق من مكتب أد نائب رئيس الجامعة فحواها إعداد تقرير عن كل مادة تدريسية من خلال عضو هيئة التدريس الذي يقوم بتدريس المقرر وبيان كون الكتاب يوافق المنهج الأزهري من عدمه وأيضًا يوافق التوصيف المنهجي أم لا وبيان كونه غير مقتبس وغير ذلك على أن يرسل التقرير في موعد أقصاه شهر.
فالأمر برمته موكول إلى الجامعة لاتخاذ الإجراءات القانونية نحو المخالف. والسؤال هنا الكتب لها عدة أشهر موجودة لماذا الآن يتم إلصاقها بالمستشار فور تركه للمشيخة؟! إننا كأبناء للأزهر نرفض النيل من هذا الشاب الأزهري الذي نال ثقة فضيلة الإمام وأثنى عليه القاصي والداني. هذا القاضي الشاب الأزهري الذي له يد على كل ازهري حر سيسطرها التاريخ في استقلال الأزهر الشريف، وفي كتابة دستورين متعاقبين حرص خلال هذه المشاركة أن يدافع عن الأزهر الشريف عن مادة استقلال الأزهر.
ليس في الأزهر الآن، قد ترك المكان ليعود لمنصة القضاء هذا الرجل له أياد ندية وما شهدنا إلا بما رأينا لم نر شابًا من شباب الأزهر كان يشارك في مؤتمرات دولية قبل ذلك حتى جاء هذا الشاب، الأمر كان مقتصرًا على الأساتذة الكبار، كان السفر في رمضان وغيره أيضًا للأساتذة الكبار وكان الشباب لا يمثلون ٠٪، بل النساء أيضًا لا يمثلون ٠٪ حتى جاء هذا الرجل، كان منصب شيخ الأزهر بالتعيين ولم يكن لعلمائه أي اختيار في ذلك، ولم يكن هناك ما يسمى بهيئة كبار العلماء حتى جاء هذا الرجل وبتوجيه من فضيلة الإمام تم تعديل المادة الخاصة بانتخاب شيخ الأزهر وإعادة إحياء هيئة كبار العلماء. وهو مع ذلك يوقر العلماء، كلما تحدث إليك قال: "أشرف أنني خادم للأزهر وشيخه، والحمد لله أن جعلني من أهل الأزهر".
يسُركَ أن تنظر إلى وجهه، طيب الخلق، خلوق المنطق، صاحب كرم، نزيه في عمله. هو صاحب فكرة إنشاء مرصد الأزهر باللغات الأجنبية للرد على الفرق والجماعات المتطرفة على منصات توازي منصاتهم، وكذلك هو هو صاحب فكرة إنشاء مركز الفتوى الإلكترونية.
من عظيم فضل الله عليه أن كان أول قاض في تاريخ مصر يشارك في صياغة دستورين. هو صاحب فكرة الزيارات الخارجية والتمثيل الدولي للأزهر وهو مهندس التقارب بين الشعوب. دفع بالشباب وقربهم من فضيلة الإمام، وأعطاهم فرصتهم، وتسبب هذا الأمر في حقد الأغلب من الكبار عليه وعليهم، وكان دائمًا يقول هذا حقهم وهم أكثر في العطاء من غيرهم.
هو كاتم سر فضيلة الإمام ومستشاره المؤتمن أذكر يومًا عرضت عليه حالة واحد من زملائنا فرفع الأمر لفضيلة الإمام وأعطاه أعطية كبيرة، ولما وجهت له الشكر قال لم أفعل أي شيء هذا حقه. هو الجندي الخفي الذي قال عنه فضيلة الإمام: يقف خلف كثير من النجاحات وتعرض للطعن فصبر واحتسب.
قلت له مرة الكل على الأزهر حتى بعض أولاده فقال يكفيك أن الله مع الأزهر. بمجرد أن سمع بعض من سُجنوا بتهمة ازدراء الأديان خبر تركه للمكان فرح وكتب منشورًا هذا أجمل خبر في نهاية ٢٠١٨ ، بعد أن كانوا مختبئين في جحورهم. إنه المستشار المؤتمن، والقاضي النزيه، والشاب الأزهري مفخرة مصر والأزهر، محمد عبدالسلام.