الكرة الأرضية التي نحيا عليها هي غابة كبيرة أخطر كائناتها الإنسان، فهل هناك قانون يحكم هذه الغابة ؟؟؟
بداية: سنقدم وجهة نظر تتعلق بقوانين يفرضها ويتعامل من خلالها البشر، مع إيماننا الراسخ بأن قدرة خالق الكون فوق قدرات كل المخلوقات.. ولعله من ثوابت التاريخ أن العالم تحكمه قاعدة أساسية مضمونها "البقاء للأقوى"، وفي عصرنا الحديث، تسعى غالبية الدول لإقامة تحالفات لتعزيز قدراتها على فرض إرادتها وتحقيق مصالحها، ولعل النموذج على هذا: حلف الناتو الذي تأسس عام 1948، ويضم في عضويته حاليًا عدد 32 دولة، في مقدمتهم الولايات المتحدة الأمريكية، ورغم هذا التحالف القوي، فقد تتعارض المصالح في نطاقه وبين أعضائه.
وقد فاجأ الرئيس ترامب العالم كله بتصريحاته التي طالب فيها كندا الموافقة على أن تنضم للدولة الأمريكية وتصبح الولاية (51) فيها، وصرح أيضًا برغبته في شراء جزيرة غرينلاند، وإن لم تمتثل الدنمارك لرغبته فسيستخدم الخيار العسكري.. وغني عن البيان أن كلا من كندا والدنمارك أعضاء في حلف الناتو !!! ورغم اعتراض الدولتين المشار إليهما فقد ينجح ترامب في كسب أرباح طائلة أخرى لمجرد استبعاد الحل العسكري لمطلبيه آنفي الذكر.. نعم هي طريقة عدائية في التفاوض، ولكنها قد تحقق أهدافها أحيانا.وعطفًا على ما سبق، فإنه من المؤكد أن سياسة الهجمات المرعبة قد تواجه بهجمات مرتدة تستهدف المهاجم في شخصه؛ وتأتي من ذئب منفرد، أو من خلال إجراء قانوني رادع، وقد تستهدف مصالح الدولة الأمريكية بشكل مؤثر.. ويكاد يجمع المحللين الأمنيين على أن هذه السياسات ستؤدي لخسارة على المستوى الاستراتيجي.. فإن استخدم القوة لإنفاذه هدفيه المشار إليهما فسيترتب على هذا حل حلف الناتو، ومن يرى أن هذا الأمر لا يمثل خسارة للولايات المتحدة الأمريكية فهو صاحب فهم سطحي، وهو عن السياسة الحكيمة المرتبطة بمصلحته بعيد كل البعد، فخسارة أوروبا تمثل خسارة فادحة ولا يمكن للولايات المتحدة الأمريكية تحمل تبعاتها.. فبموجبها سيخسر أيضًا حربه الاقتصادية مع الصين.. التي ترد في الميادين التكنولوجية بمنتهى القوة، قوة سيترتب عليها خسائر فادحة للاقتصاد الأمريكي، يتضاءل بجانبها ملف تطبيق "تيك توك" الذي يناضل فيه الرئيس ترامب، فتخرج له الصين ماردًا جديدًا؛ حيث أعلنت شركة "ديب سيك "DeepSeek الصينية عن إطلاق تطبيق ذكاء اصطناعي متقدم، تؤكد إنه يتفوق على التطبيقات الرائدة في الولايات المتحدة، وذلك بتكلفة تطوير أقل بكثير، ويهدد هذا الابتكار بإحداث تغييرات جذرية في قطاع التكنولوجيا العالمي.
ولعله من المؤكد أيضًا أنه: في حالة غزو ترامب لغرينلاند عسكريًا، فإن الدنمارك وهي عضو في المحكمة الجنائية الدولية ستتقدم بشكوى للمحكمة ومن المؤكد أن الرئيس ترامب سيصبح على إثرها مطاردا من المحكمة الجنائية الدولية هو ووزير دفاعه، لارتكابهما جريمة عدوان وجرائم أخرى.. وفقا للنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، وسيسجل التاريخ لرئيس الولايات المتحدة ووزير دفاعه أن لهما قدم السبق كمتهمين أمام المحكمة الجنائية الدولية، وفي هذا الشأن وصمة عار لا يمحُها تدمير المحكمة بعمل عسكري. وليعذرني فخامة الرئيس ترامب لصراحتي في تحليل مواقفه.. فنحن كشعوب عربية نأمل أن يحقق هذا القائد السلام في ربوع الأرض، وأن يسجل التاريخ اسمه بأحرف من نور لمواقفه "العادلة" !!! رغم أنها تبدو حتى الآن بعيدة تمام البعد عن العدالة، خاصة في ظل التصريحات المشار إليها، هذا بجانب إعلان رغبته في تهجير الفلسطينيين إلى مصر والأردن !!!. وقد خصصنا للملف الأخير مقالا مطولاً بعنوان "رسائل للرئيس ترامب للخروج من دوامة الصرع الفلسطيني/الإسرائيلي".
هذا ومن ناحية علاقة ترامب بإسرائيل الحليف الأقرب للولايات المتحدة الأمريكية، فهل سيستطيع تطبيق مبدأه "أمريكا أولاً" حتى لو تعارض تطبيقه برغبات ومصالح إسرائيل ؟؟؟ ولنتناول ملف إيران كنموذج لتعارض وجهتي النظر الأمريكية والإسرائيلية بشأنه، فالأخيرة ترغب من زمن في أن تقوم الولايات المتحدة الأمريكية باستهداف المشروع النووي الإيراني بالتدمير، وحال استمرار معارضة البيت الأبيض لهذه الرغبة، فقد تتآمر إسرائيل على حليفتها وتجبرها على توجيه ضربة انتقامية تحقق الهدف الإسرائيلي.. ولكن كيف يحدث هذا ؟؟؟
عطفًا على ما تقدم، فلعل أخطر القرارات التي اتخذها الرئيس ترامب – من وجهة نظري- هي ما يتعلق برفع الحماية الخاصة عن جون بولتون؛ مستشاره السابق للأمن القومي، وقد سبق لترامب أن فصله من منصبه، وخطورة هذا القرار تأتي من الفرضية الآتية: ماذا لو تم تصفية الرجل ؟؟؟ وهو مهدد من قبل إيران لأسباب معلومة للجميع.. فمن المؤكد أن الحادث سيتم تغطيته على نطاق واسع ومضلل على مواقع التواصل الاجتماعي خاصة في الولايات المتحدة وأوروبا، لدفع الرئيس ترامب إلى مهاجمة إيران بكامل القدرات العسكرية الأمريكية المدمرة.. ولنا هنا أن نتساءل: من أكبر المستفيدين وفقا لهذ الفرض ؟؟؟ خلاصة رسالتي لفخامة الرئيس ترامب: الكثير من قراراتك تهدد أمنك الشخصي.. والخطر الأكبر قد يأتي من أهم حلفائك بالشرق الأوسط، وسيكون بالطبع تحكمه نظرية المؤامرة، فصديقك... خائن بطبعه، وقد يجبرك على تنفيذ مخططاته.. لذا اسمح لي معالي الرئيس ترامب بأن اقترح عليكم: صدور توجيهاتكم بعودة تأمين الخدمة السرية لحراسة "جون بولتون" لاعتبارات سياسية وأمنية، أقول هذا رغم أنني اعتبره من أعداء الإنسانية.وختاما، دعوني أتساءل مع القراء الأعزاء: أليس من الغريب أن تستبعد الآن الغالبية العظمى من المنصات الإعلامية على المستوى الدولي وبما فيها السوشيال ميديا، الحديث عن التهديدات الإيرانية لإسرائيل ومشروع إيران النووي، ويُطرح على الطاولة فقط وبقوة ملف تهجير الفلسطينيين للأردن وسيناء، وكأن هناك من يوجه الإعلام حيث يشاء !!! فما السبب وراء تهميش الملف الإيراني، خاصة على مستوى اهتمام قادة أمريكا وإسرائيل ؟!!! ربما تكون الإجابة أن مهاجمة إيران تكلفتها الآن باهظة، ولا تتحملها إسرائيل ومن ورائها.. وهذا يدعو مصر إلى أن التفكر بجدية في اتخاذ كافة الإجراءات الردعية الوقائية الكافية.. لوأد أي فكرة لدى إسرائيل لتهجير الفلسطينيين لسيناء، خلاصة القول: "رب ضارة نافعة" فالقانون الرئيسي الذي يحكم غابتنا الأرضية هو " البقاء للأقوى".