من أقصى الشرق في الصين إلى أقصى الغرب في نيويورك، قطع الرئيس عبدالفتاح السيسي أكثر من 17 ألف كيلو مترًا خلال هذا الشهر، حاملاً معه آمال وطموحات الشعب المصري في استعادة ريادته للمنطقة العربية، بعدما أصبحت مصر القوة الفاعلة الوحيدة في الشرق الأوسط والقادرة على وضع الحلول للأزمات التي تمر بها المنطقة، بعدما استطاعت القيادة المصرية أن تعيد الدور المصري الحقيقي عربياً وأيضاً إفريقياً.
كما يحمل الرئيس أيضاً آلام وهموم العديد من دول المنطقة التي تعاني من الانقسامات الطائفية والعرفية وأعمال العنف والإرهاب الأسود، مخاطباً المجتمع الدولي بضرورة وضع حد لأزمات المنطقة العربية خاصة في ليبيا وسوريا واليمن، وتحقيق التنمية المستدامة في الدول الإفريقية، والحد من عمليات الهجرة غير الشرعية، والقضاء على الإرهاب العابر للحدود، بجانب القضية الفلسطينية، والتي أعلن صراحةً ضرورة الحفاظ على هويتها وحدودها وعاصمتها القدس الشرقية.
عندما يتحدث رئيس أكبر دولة عربية بل وإفريقية أمام العالم في اجتماعات الدورة 73 للأمم المتحدة، مصارحاً الجميع في تساؤلٍ بالغ التأثير عن كيف نُلام عربيًا، يتساءل عن مصداقية الأمم المتحدة وما تمثله من قيم في وقت تواجه فيه منطقته مخاطر التفكك وانهيار الدولة الوطنية لمصلحة مواجهات إرهابية وصراعات طائفية ومذهبية تستنزف مقدرات الشعوب العربية.
ثم يتوجه سيادته في كلمته نحو الشأن والمواطن الإفريقي، حيث يتساءل عما إذا كان هذا الإنسان مغالياً إن شكى من انعدام فاعلية النظام العالمي، بينما تعاني قارته نظاماً اقتصادياً يكرس الفقر والتفاوت ويعيد إنتاج الأزمات الاجتماعية والسياسية ولا يتيح آفاقاً للتطور أو التقدم.
ولم يترك الرئيس تلك النقاط التي طرحها على المجتمع الدولي بدون وضع استراتيجية أو رؤى لحلها أو على الأقل التصدي للبعض منها، بل قام بوضع ثلاث مبادئ يمكن الاستناد إليها دولياً إذا كانت هناك رغبة حقيقية لدى المجتمع الدولي لخلق مصداقية له لدى الدول التي تعاني من تلك المشكلات التي أشرنا إليها، حيث يتعين على هذا المجتمع ومنظماته الدولية الحفاظ على وحدة الدولة الوطنية القائمة على مفاهيم المواطنة والديمقراطية والمساواة.
ثم يأتي المبدأ الثاني وهو يتعلق بإيجاد حلول سلمية مستدامة للنزاعات الإقليمية والدولية، والتي تعد من أولويات نشأة الأمم المتحدة، كذلك الحال فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، حيث طالب سيادته بضرورة إيجاد حلٍ عادلٍ لها يحقق طموح الشعب الفلسطيني في العيش بسلام في دولة تكون عاصمتها القدس الشرقية.
ثم جاء المبدأ الثالث والمتمثل في الالتزام بتحقيق التنمية المستدامة والشاملة بحسبانها الشرط الضروري لنظام عالمي مستقر كوسيلة للوقاية من النزاعات المسلحة والأزمات الإنسانية.
ثم توالت لقاءات الرئيس مع كبار قادة العالم والتي وصل عددها 19 لقاءً ثنائياً، كما أنصت العالم لسيادته وهو يتحدث في 4 قمم عالمية خلال 4 أيام، وهي الدورة 73 للجمعية العامة للأمم المتحدة، وقمة نيلسون مانديلا للسلام، وقمة مواجهة تغيرات المناخ، وقمة مجموعة دول الـ77 والصين، وكان في جميع تلك اللقاءات يناقش ويحاور الجميع ويعرض عليهم النجاحات المصرية في مواجهة الإرهاب، والتصاعد الإيجابي للمؤشرات الاقتصادية، وكذلك نجاح التجربة المصرية في مواجهة مرض فيروس c، ثم يتحدث عن مشاكل المنطقة العربية والإفريقية وكأنه يحمل همومها معه فى كل هذه اللقاءات لعل المجتمع الدولي والدول الكبرى تشعر بما تعانيه شعوب تلك المناطق ويتجاوبون معه فى وضع حد لتلك المعاناة.
ولكن كان هناك على الجانب الآخر، لقاءات أخرى تسير فى الاتجاه المعاكس، لما يقوم به الرئيس من محاولات مخلصة لإيجاد حلول لأزمات المنطقة، ففي ذات المبنى الذى يرتفع إلى نحو 34 طابقاً، كانت الولايات المتحدة الأمريكية تدعم الحكومة الإسرائيلية في مطالبتها المواطنين الفلسطينين أن يهدموا منازلهم فى قرية خان النار، وذلك لبناء مستوطناتٍ إسرائيليةٍ بدلاً منها، والتهديد باستخدام أساليب الترهيب والترغيب واللجوء إلى الفيتو فى حال إدانة أي تجاوزات إسرائيلية أو أمريكية فى حق أي دولة أو منظمة تعارض توجهاتهما.
ومن هنا جاءت لقاءات وكلمات الرئيس بمثابة درس وإنذار لما قد تشهده المنطقة من تصاعد أعمال العنف والإرهاب والهجرة غير الشرعية إذا لم تنهض الدول الكبرى والمنظمات الدولية المختلفة بمسئوليتها الإنسانية والاقتصادية بل والأمنية للتعامل مع أزمات دول المنطقة بالعدل والمساواة والضمير العالمي الذي على أساسه تم تأسيس تلك المنظمات.
تُرى هل استوعب زعماء العالم ما طرحه الرئيس عليهم من دروس....؟
وتحيا مصر.