دفع لقاء الرئيس التايوانى تساى إنغ-وين بكيفين مكارثى، ورئيس مجلس النواب الأمريكى، الرئيس الصينى، شى جين بينغ إلى الرد على هذه التحركات الدبلوماسية، حيث اختار طريقا وسطا مخيفا لكنه مألوف، فأمر بنشر عسكرى مشترك "جيش، وسلاح جوى، وبحرية"، والقيام بمحاكاة هجوم صاروخى لغزو لاحق للجزيرة التى تفصلها مسافة 80 كيلومترًا فقط عن البحر، ورتب بعض تجارب إطلاق النار، وطائرات مقاتلة تقوم بدوريات فى المجال الجوى التايوانى، وفرض حصار بحرى قصير، ولكن هذه المرة، قام بتضمين شريط فيديو مصور، يوضح كيف سيبدو القصف قبل الغزو البرمائى.
رد الفعل الصينى لم يستمر سوى 3 أيام مضايقات للجزيرة، إلا أنها كانت كفيلة بخلق حرب عالمية جديدة.
هجوم متوقع
وعلى ضوء ذلك قال الكاتب الصحفى، محمد العالم، المتخصص فى الشأن الأمريكى، إن من المتوقع وبشكل كبير وقوع هجوم صينى على تايوان، لكن هذا يحدده رد الفعل الصينى الذى حذرت منه الولايات المتحدة سابقا وهى تعتبر الحليف الأقوى لتايوان، وأعلنت من قبل استعدادها الكامل لخوض حرب دفاعا عن تايوان، وأنه لا يوجد فى عالم السياسة نقطة اللاعودة، وكل شيء من الممكن أن يتغير حسب تغير المعطيات والظروف، والصين حاليا هى من فى يدها عدم خوض حرب ضد تايوان أو تقليل تهديداتها لأمن تايوان، وهى على دراية كافية بأن هذا الهجوم سيكلفها الكثير وربما يعطى شرعية للولايات المتحدة فى التواجد بشكلٍ أكبر فى هذه المنطقة ومعها حلفاء الغرب.
وأضاف أنه لا يوجد تخطيطات لتدمير الجزيرة، لكن الأطماع السياسية وخطط التوسع كانت أحد أهم أسباب الحرب على مر التاريخ وهذا ما يحدث حاليا، فالصين ترى تايوان جزءا لا يتجزأ من أراضيها، وتايوان تصر على أن لها سيادتها ومن حقها الدفاع عنها ضد أى تدخل خارجى.
وأكد العالم أن واشنطن لديها الاستعداد الكامل لخوض حرب حال تعرضت تايوان لأى هجوم، والولايات المتحدة تستطيع تحجيم دور الصين العالمى إذا ما وقعت بكين فى فخ الحرب، وفيما يخص تكنولوجيا الرقائق الإلكترونية وهى الأهم، تم بدء تنفيذ نقل المصانع التايوانية إلى ولاية كاليفورنيا الأمريكية وأيضا نقل العلماء والعاملين بها لتأمين هذه الصناعة من السيطرة الصينية حال تدخلت الصين عسكريا.
وأشار إلى أن واشنطن تحاول جر بكين إلى هذا الصراع الذى قد يؤخرها كثيرا لكن القرار الأخير فى يد الصين، وهى من تستطيع العزوف عن هذا المخطط بعدم التورط فى حرب مع تايوان، ومسألة تأثر مصر بهذه الحرب تعتمد على العقوبات التى من الممكن أن تفرضها الولايات المتحدة والغرب معها على الصين وتجارتها ومدى تجاوب العالم معها، مؤكدا أنه إذا ما حدث هذا فربما تتأثر التجارة بين مصر والصين وهى مهمة للجانبين، وفى مسألة أوكرانيا مثال واضح على ذلك، حيث تعتبر الصين مصنع العالم الأكبر، ومعظم الشركات والمصانع الكبرى لها مقرات لها نظرا لجودة المنتج وانخفاض سعر العمالة بها، وبالتالى فانهيار اقتصاد الصين يؤثر على العالم أجمع ويدخله فى أزمة عالمية أخرى لا يُعلم مدى تأثيرها، وأيضا التقدم التكنولوجى الصينى يؤثر فى العالم بشكل كبير.
حقيقة الصراع
قال الدكتور جاد رعد خبير الشئون الصينية، إن الحروب وكل مظاهر القوى الفيزيائية من جيوش نظامية أو مليشيات، كلها تهدف إلى حماية مصالح سياسية، التى بدورها تهدف لحماية مصالح اقتصادية مالية، وبالتالى إذا أردنا أن نفهم حقيقة أى صراع، بما فى ذلك الصراع الأطول بتاريخ البشرية، أى الصراع الكنسى التاريخى فى أوروبا، علينا أن نتابع مجريات المال والاقتصاد، عندها نفهم حقيقة الصراع بين رأس الكنيسة الكاثوليكية فى الفاتيكان مع نظيره الأرثوذكسى فى موسكو.
يضاف إلى ذلك أن مصدر القوة فى اقتصاد تايوان، نصف المحولات، والرقاقات الإلكترونية بوجه الخصوص، مرتبط بالصين، لأن المواد الأولية الرئيسية، أى الرمال عالية الجودة والنادرة مصدرها الصين، وذلك يعنى أن حسابات الربح والخسارة فى الحرب اقتصاديا، غير مجدية، أما فى حسابات الموازين العسكرية، فإن تايوان لا تستطيع أن تصمد لساعة واحدة، بسبب الفارق فى حجم الجيوش، كما أن عموم الشعب فى تايوان لا يريد أن يحارب، ومنذ أغسطس الماضى، هناك تظاهرات يومية ضد التحالف مع الأميركيين.
وأشار إلى أن واشنطن تظن أن شد عصب الغرب ضد الصين، وهو ما يسمى بـ"سياسة احتواء الصين"، من شأنه أن يردع الصين مما يشرع الأبواب للأميركيين، لكن موازين الحرب، تظهر مثلا أن كل قطع الأسطول الأمريكى فى المنطقة نعرفها جيدا منذ حرب الخليج العربى، أما الصين فلديها قطع بحرية ضخمة دخلت الخدمة منذ أقل من سنة ولا تزال فى جعبتها كل عناصر المفاجأة.
وأضاف رعد أن الصين خرجت من نظام الملاحة العالمى وصار لديها بايدو، المتفوق بأضعاف مضاعفة ورأينا ذلك فى حال حادثة الغواصة النووية الأمريكية فى طريقها إلى غوام العام الماضى، وذلك يعنى تفوق الصين بمواجهة عسكرية أمر سهل لكن بكين ليست بحاجة إليه طالما ستؤمن الانتخابات القادمة التوحيد دون طلقة واحدة، وتابع لكن يحدق بالعالم أجمع، خطر أن تحث واشنطن على عمل أرعن يقوم به طرف تايوانى ليس لديه ما يخسره، وهكذا نستطيع فهم سيناريو المناورات الأخيرة لكوريا الديمقراطية، إذ كما أعلنت بيونغ يانغ، حاكت تلك المناورات سيناريو إغراق موانئ وأساطيل معادية عبر توليد موجات تسونامى من غواصات نووية صغيرة مسيرة.
وقال إن احتمال حصول مواجهة عسكرية مرتبط حصرا بإقدام تايوان فى ظل تحريض غربى على تنفيذ أعمال عدائية، وإن حصل ذلك فإنه يوجب على العالم أجمع فاتورة اقتصادية لا تقوى واشنطن ولا أوروبا على تحملها، لذا أنا أستبعد خيار الحرب، ويجب التأكيد ـن الصين ليست بحاجة لا من قريب ولا من بعيد إلى عمل عسكرى فى سبيل إعادة التوحيد، فلا يمكن تخيل طرف يدفع ثمنا حقيقيا لما هو حاصل بالمجان أو بكلفة أقل.
وأضاف رعد سبق لى أن نشرت دراسة عند اندلاع الحرب فى أوكرانيا أنها عمليا عمل أميركى محض، يهدف إلى شد العصب الغربى استعدادا لمواجهة ضد الصين مع تجربة الشتاء القاسية خرجت فرنسا منذ أسابيع مهرولة إلى الصين وكانت ألمانيا قد سبقتها فى نوفمبر الماضى، وهو ما يعنى أن شد العصب قد فشل، ورئيس الإتحاد الأوروبى لا تزال تناور منفردة لأن فى ذلك ورقة عبورها من منصبها الأوروبى إلى منصب الأمين العام لحلف الأطلسى، يعنى أن واشنطن فشلت فى الورقة الأوروبية مما يجعل نفقة أى مواجهة فى تايوان على حساب الخزانة الأميركية منفردة، وهى أصلا تذرف ما لديها.
وأكد أننا على أبواب أزمة اقتصادية عالمية مؤجلة منذ عام ونصف، يتصاعد خطر تراكم المتفجرات الاقتصادية، لذا تخرج فرنسا وقد سبقتها ألمانيا ليس محبة فى الصين إنما تحسبا لما هو أسوأ بكثير من أزمة الاقتصاد العالمى الماضية فى عهد أوباما، ولن يقوى اقتصاد الدولار المتهاوى على تحمل تلك النفقات.
وقد بدأت الصين بالفعل برسم معالم واضحة الجبهات الاقتصادية، وذلك عكس ما تقوم به الولايات المتحدة الأميركية، وذلك منذ بدأ ترامب بالحرب الاقتصادية فردت الصين الند إلى الند، وتم استحداث نظام مالى جديد بديل لسويفت، استنجدت به روسيا، كما أصبح مخزون الصين من النفط والغاز أكبر بكثير مما هو متداول لدى الدول المصدرة لتلك المواد، وأخيرا الخروج المدوى من فلك الدولار، كان سهلا لدول مثل الخليج العربى والهند وروسيا وصعبا لكنه يحصل فى فرنسا وباكستان والبرازيل ومصر وجنوب أفريقيا.