أيمن أشرف يكتب: مع من تعمل يا «هيما»!

الجمعة 25 فبراير 2022 | 05:46 مساءً
كتب : بلدنا اليوم

ما هو "معهد بحوث إعلام الشرق الأوسط" (ميمري) الذي يرأسه فرنانديز صديق إبراهيم عيسى؟

ومن هم ضباط المخابرات العسكرية الإسرائيلية الذين يديرونه ويشغلون فرنانديز الذي يشغل عيسى؟

دعك يا "إبراهيم" من الحديث عن حرية التعبير وحرية الاعتقاد، ودعك من القول بأنك تحدثت فقط عن "المعراج" ولم تتحدث عن "الإسراء"، (فـ"الإسراء والمعراج" قصة واحدة، والموقف منهما مُجتمع، سواء كان تصديقاً أو إنكاراً)، ودعك من أنك كنت تشير إلى أن "الشيوخ" أو "رجال الدين الذين يحتكرون حقيقته" يخفون عن العوام ما هو مختلف عليه بشأن المعراج، ودعك أيضاً من أنك منحاز لعوام الناس لكي يصبحوا أحراراً في تفكيرهم، وأنهم ليسوا في حاجة إلى شيوخ يفسرون لهم الدين.

دعك من كل هذا وقل لنا فقط مع من تعمل؟ وأين يصب كلامك؟ لمصلحة من؟ ولماذا يدفع لك الموالون لإسرائيل وأنصار "اليمين- اليهودي- المسيحي" في أمريكا أجراً عن "آرائك" فيما هو "مختلف عليه" في الإسلام والتي تنشرها في قناة "الحرة" الأمريكية سابقا أو في غيرها من القنوات؟

من الصعب أن تجيب، فبعد كل هذه السنوات من "السير في الوحل" لا يمكنك أن تعترف بحقيقة أنك توظف الكلام في الإسلام (أو غيره) لمن يدفع لك، أنك لم تعد ذلك الشاب اليافع البريء ("هيما" كما كنا نناديك وقتها)، لم تعد الشاب الذي يستحق مني النصيحة والحماية من التهور (كما كان يوصيني بك أخوالك رحمهم الله)، بل صرت "كهلاً" غزا الشيب رأسه، أسقطك الغرور والتهور والطمع، وأغراك "التذاكي" على أن تتصور أن بإمكانك أن "تخدع كل الناس طول الوقت"، وتتصور أن خطاب "حرية التعبير والاعتقاد" سيخيل على الناس.

إبراهيم.. المستفيد الأول من الطعن في قصة "الإسراء والمعراج" أو إبراز الآراء والتفسيرات التي تنكرها هو "إسرائيل" واليمين الأمريكي المتطرف الموالي لها، وأنت يا إبراهيم تعلم أن تقديم خدمات لصالح إسرائيل أو غيرها ليس تهمة يحاسب عليها القانون.. وإنما يحاسب عليها الناس والرأي العام!!! وتعلم أيضاً أن تقاضيك أموالاً من جهة إعلامية أجنبية تقدم خطابا تحريرا عاما من أجل تقويض حق المسلمين (ومن بينهم العرب) في القدس خيانة وطنية بالمعنى العام، تقتضي على الأقل محاسبة من نقابة الصحفيين التي تنتمي إليها كصحفي أو نقابة الإعلاميين كإعلامي.. لكنك مطمئن لأنه لن يقاضيك أحد بتهمة خدمة أهداف دولة أجنبية، بل ستجعل منك البلاغات بتهمة ازدراء الدين "بطلا تنويريا".. شهيدا لاضطهاد حرية الرأي والتعبير والاعتقاد، فترتفع أسهمك عند من يعطونك أجراً على برامجك.. فلتسعد بنتائج استفزازاتك ومقولاتك المثيرة، وسأكفيك الرد على الأسئلة السابقة.

كم يؤسفني يا إبراهيم هنا وأنا أستعد للإجابة بدلاً عنك.. أن يخوض الناس في سيرة أهلك "الكرام" الذين أكن لهم كل احترام، (رحمة الله على الجميع)، وكم يؤسفني أيضاً أنك لم تنتبه على مدى سنوات للثمن الذي قد يدفعه المقربون إليك نتيجة "لتهورك ونرجسيتك وطمعك".. وكم أقسى اليوم وأنا أتذكر الآن عندما التقينا قبل نحو عشرين عاما في شارع خيرت (بجوار مقر جريدة العربي الناصري القديم) وأنت تقول لي إن مقابل المقالات التي استكتبتك إياها في جريدة الاتحاد الإماراتية عندما كُنتُ أعمل فيها 2000-2001 (مقالان في الشهر بـ300 دولار كنت أزيدهما إلى ثلاث أو أربع مقالات حسب الإمكانية) قد جاء في وقته لينقذك من أزمة مالية منذ إغلاق الدستور في إصدارها الأول، كم كنا وقتها يا إبراهيم "أغنياء" بالشرف والتواضع والعفوية!!!

لكي أجيب أقتبس هنا مقالاً للكاتب البريطاني برايان ويتاكر (الجارديان) عنوانه "انتقائية ميمري" منشور بتاريخ (الإثنين 12 أغسطس 2002)، الرابط لمن يريد قراءة الأصل بالإنجليزية:

https://www.theguardian.com/world/2002/aug/12/worlddispatch.brianwhitaker

"يحقق برايان ويتاكر فيما إذا كان معهد بحوث إعلام الشرق الأوسط "المستقل" [ميمري] الذي يترجم مقالات من الصحف العربية "مستقلا" فعلاً كما يدعي.

أتلقى منذ فترة هدايا صغيرة من معهد سخي في الولايات المتحدة، الهدايا عبارة عن ترجمات عالية الجودة لمقالات من الصحف العربية يُرسلها إليَّ المعهد كل بضعة أيام مجانًا عبر البريد الإلكتروني.

هذه الرسائل تُرسل أيضًا إلى سياسيين وأكاديميين، وإلى صحفيين كثيرين آخرين، وعادة ما تكون القصص التي تحويها مثيرة للاهتمام.

وكلما تلقيتُ رسالة من المعهد تلقى كثير من زملائي في الجارديان نفس الرسالة أيضًا، وهم يقومون بإرسال نسخهم إليّ بانتظام – مصحوبةً أحيانًا بملاحظة تقترح أن أتحقق من القصة وأن أكتب عنها.

وإذا حدث أن جاءتني الملاحظة من زميل أعلى رتبة أشعر أنني يجب أن أكتب عنها، أحد الأمثلة على تلك الرسائل جاءني الأسبوع الماضي، فقرتان ترجمهما المعهد، زعم فيهما طبيب سابق في الجيش العراقي أن صدام حسين شخصياً أصدر أوامر بقطع آذان الفارين من الجيش.

المنظمة التي تقوم بهذه الترجمات وترسلها هي "معهد بحوث إعلام الشرق الأوسط" (ميمري) ومقره واشنطن، لكنه افتتح مؤخراً مكاتب له في لندن وبرلين والقدس.

يتلقى المعهد دعما لأنشطته من دافعي الضرائب الأمريكيين باعتباره منظمة "مستقلة غير حزبية وغير هادفة للربح"، ويتمتع بالإعفاء الضريبي بموجب القانون الأمريكي.

وهدف (ميمري) وفقًا لموقعه على الإنترنت هو سد الفجوة اللغوية بين الغرب - حيث لا يتكلم اللغة العربية إلا قليل من الناس - والشرق الأوسط من خلال "توفير ترجمات مباشرة لوسائل الإعلام العربية والفارسية والعبرية".

ورغم هذه التصريحات العظيمة كان هناك ما يجعلني أشعر بعدم الارتياح كلما طُلب مني إلقاء نظرة على قصة تداولها معهد (ميمري)، فهو بادئ ذي بدء منظمة غامضة، موقعها على الإنترنت لا يقدم اسم أي شخص للاتصال به، ولا حتى عنوان المكتب.

والسبب في هذه السرية -حسب موظف سابق- هو أنهم "لا يريدون أن يفتح أحد الانتحاريين الباب عليهم ذات صباح" (كما قالت واشنطن تايمز في 20 يونيو 2002).

يبدو لي هذا إجراءً احترازيا مبالغاً فيه لدى مؤسسة تستهدف ببساطة كسر حواجز اللغة بين الشرق والغرب.

الأمر الثاني الذي جعلني غير مرتاح هو أن القصص التي يختارها معهد (ميمري) للترجمة تتبع نمطًا ثابتاً: إما أنها تصور شخصية العرب بشكل سيء أو أنها تدعم الأجندة السياسية لإسرائيل، ولست وحدي الذي يشعر بعدم الارتياح هنا.

فقد قال إبراهيم هوبر من مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية لصحيفة واشنطن تايمز إن: "ميمري يسعى للعثور على أسوأ الاقتباسات الممكنة من العالم الإسلامي ويسعى لنشرها على أوسع نطاق ممكن".

بالطبع قد يجادل معهد (ميمري) بأنه يسعى إلى تشجيع الاعتدال من خلال تسليط الضوء على الأمثلة الصارخة على التعصب والتطرف، لكن إذا كان الأمر كذلك فمن المتوقع -لإثبات عدم التحيز– أن ينشر (ميمري) المقالات المتطرفة في وسائل الإعلام العبرية أيضًا.

ورغم أن (ميمري) يدعي أنه يقدم ترجمات من وسائل الإعلام العبرية إلا أنني لا أتذكر أنني تلقيت أياً منها.

كما أن الأدلة المتوفرة من الموقع الإلكتروني لمعهد (ميمري) تثير الشك في وضعه غير المنحاز، فإلى جانب دعم الديمقراطية الليبرالية والمجتمع المدني والسوق الحرة يؤكد المعهد أيضًا على "استمرار ارتباط الصهيونية بالشعب اليهودي وبدولة إسرائيل".

هذا ما كان يقوله موقعه على الإنترنت، لكن الكلمات المتعلقة بالصهيونية حُذفت منه الآن، ومع ذلك ما يزال ممكنا العثور على الصفحة الأصلية في أرشيفات الإنترنت.

يتضح السبب في أجواء السرية في معهد (ميمري) عندما نعرف من يقفون وراءه، مؤسسه ورئيسه والمالك المسجل لموقعه على شبكة الإنترنت إسرائيلي يُدعى يجال كارمون [Yigal Carmon].

والسيد - أو بالأحرى العقيد – كارمون أمضى 22 عامًا في المخابرات العسكرية الإسرائيلية وعمل لاحقًا مستشارًا في مكافحة الإرهاب لرئيسي وزراء إسرائيليين إسحاق شامير وإسحاق رابين.

يؤدي استرداد صفحة أخرى محذوفة الآن من أرشيفات موقع (ميمري) الإلكتروني إلى ظهور قائمة بموظفيه، ومن بين الأشخاص الستة المذكورين، يصف الموقع ثلاثة - من بينهم العقيد كارمون - بأنهم عملوا لصالح المخابرات الإسرائيلية.

ومن بين الثلاثة الآخرين شخص خدم في سلاح المعدات التابع للقيادة الشمالية في الجيش الإسرائيلي، وآخر لديه خلفية أكاديمية، والثالث ممثل كوميدي سابق.

المؤسس المشارك للعقيد كارمون في (ميمري) سيدة اسمها ميراف ويرمسر، وهي أيضًا مديرة مركز سياسات الشرق الأوسط في معهد هادسون في إنديانابوليس، والذي يصف نفسه بأنه "المصدر الأول لأمريكا للأبحاث التطبيقية حول تحديات السياسة المستمرة".

وقد انضم ريتشارد بيرل "الشهير" رئيس مجلس السياسة الدفاعية في البنتاجون مؤخرًا إلى مجلس أمناء هادسون.

السيدة "ويرمسر" هي مؤلفة بحث أكاديمي عنوانه "هل تستطيع إسرائيل أن تحيا ما بعد الصهيونية؟" ترى فيه أن المثقفين الإسرائيليين اليساريين يشكلون "ما هو أكبر من مجرد تهديد عابر" لدولة إسرائيل، ويقوضون روحها ويحدون من إرادتها في الدفاع عن النفس.

وبالإضافة إلى ذلك تُعتبر السيدة "ويرمسر" من المتحدثين المؤهلين تأهيلاً عالياً والمعترف بهم دوليًا والمُلهمين والمطلعين على شؤون الشرق الأوسط، ومن شأن وجودها في أي "حدث أو برنامج إذاعي أو تلفزيوني أن يجعله فريدًا من نوعه" - وفقًا لشركة بينادور أسوشيتس، شركة علاقات عامة تروج خدمات ويرمسر.

لا أحد -على حد علمي- يشكك في دقة ترجمات (ميمري)، لكن هناك أسباب أخرى للشك في نتائجها.

كانت الرسالة الإلكترونية التي وزعتها الأسبوع الماضي حول أمر صدام حسين بقطع آذان من يهرب من الجيش أو يتخلف عن الخدمة العسكرية مقتطفة من مقال أطول في صحيفة الحياة العربية بقلم عادل عوض، مصحوبة بزعمه أنه كان على علم مباشر بها.

كانت تلك القصة نوعا من الخرافات حول الوحشية العراقية التي ستعيد الصحف نشرها بكل سرور دون التحقق منها، خاصة في أجواء الحرب المحمومة حالياً، قد يكون هذا صحيحًا، لكن يجب التعامل معه بشيء من الحذر.

فعادل عوض ليس شخصية مستقلة، فهو عضو -أو كان على الأقل عضواً- في حركة الوفاق الوطني العراقي، وهي جماعة معارضة عراقية في المنفى تدعمها الولايات المتحدة - ولم تذكر جريدة الحياة ولا معهد (ميمري) ذلك.

وقد ظهر ادعاء عادل عوض لأول مرة منذ حوالي أربع سنوات، عندما كان لديه سبب شخصي قوي وراءه، فوفقًا لتقرير لواشنطن بوست في 1998 شكّل ادعاء قطع الأذن جزءًا من طلبه للحصول على اللجوء السياسي في الولايات المتحدة.

في ذلك الوقت كان عادل عوض واحداً من بين ستة عراقيين اعتقلوا في الولايات المتحدة كإرهابيين مشتبه بهم أو عملاء للمخابرات العراقية، وكان يحاول إظهار أن الأمريكيين قد أخطأوا باعتقاله.

وفي وقت سابق من هذا العام سجل معهد (ميمري) نجاحين دعائيين مهمين ضد المملكة السعودية، الأولى كان ترجمته لمقال من جريدة الرياض قال فيه كاتب عمود إن اليهود يستخدمون دماء أطفال مسيحيين أو مسلمين في مخبوزات عيد البوريم (أو عيد المساخر) اليهودي.

يبدو أن الكاتب -وهو مدرس جامعي- اعتمد على أسطورة معادية للسامية ترجع إلى العصور الوسطى، ما أظهره هذا -أكثر من أي شيء آخر- هو جهل كثيرٍ من العرب، وحتى المتعلمين منهم تعليماً عالياً، باليهودية وبإسرائيل، واستعدادهم لتصديق مثل هذه القصص الخرافية.

لكن معهد (ممري) زعم أن صحيفة الرياض "صحيفة حكومية" سعودية – بينما هي في الواقع صحيفة خاصة - بما يعني ضمناً أن المقال يحظى بشكل من أشكال الموافقة الرسمية.

وقال رئيس تحرير جريدة الرياض إنه لم يطلع على المقال قبل نشره لأنه كان بالخارج، واعتذر دون تردد وأقال كاتب العمود، لكن الضرر كان قد وقع بالفعل.

وجاء نجاح ممري التالي بعد شهر عندما كتب سفير المملكة السعودية في لندن قصيدة بعنوان "الشهداء" - عن انتحارية شابة - نُشرت في صحيفة الحياة.

أرسل معهد (ميمري) مقتطفات مترجمة من القصيدة واصفا إياها بـ"مدح الانتحاريين"، ومسألة أن هذه هي الرسالة الحقيقية للقصيدة هي مسألة خلافية تتعلق بتحليلها، وربما يمكن قراءتها على نحو أكثر منطقية باعتبارها تُدين عدم الفعالية السياسية للقادة العرب، لكن وسائل الإعلام الغربية نقلت تحليل معهد (ميمري) للقصيدة بدون أي تحقق تقريبًا.

ولا ينبغي أن ننظر إلى هذه الحوادث المتعلقة بالمملكة السعودية بمعزل عن غيرها، فهي جزء من تأسيس قضية ضد المملكة وإقناع الولايات المتحدة بالتعامل معها كعدو وليس كحليف.

إنها حملة منظمة تديرها الحكومة الإسرائيلية والمحافظون الجدد الأمريكيون منذ أوائل هذا العام – كان أحد جوانبها الملخص الغريب المناهض للسعودية في البنتاجون والذي قدمه ريتشارد بيرل الشهر الماضي.

وأي شخص يقرأ الصحف العربية بانتظام لا بد أن يدرك أن العناصر التي يبرزها معهد (ميمري) هي تلك التي تتناسب مع أجندته والتي لا تمثل محتوى الصحف ككل.

ومكمن الخطر في أن كثيرين من أعضاء مجلس الشيوخ والكونجرس و"صناع الرأي" الذين لا يقرأون اللغة العربية وإنما يتلقون فقط رسائل البريد الإلكتروني من معه (ميمري) تترسخ لديهم فكرة أن هذه الأمثلة المتطرفة ليست مجرد نماذج تمثيلية بل إنها تعكس أيضًا سياسات الحكومات العربية.

ويبدو أن العقيد كارمون مؤسس (ميمري) حريصٌ على تشجيع أعضاء مجلس الشيوخ والكونجرس و"صناع الرأي" على هذا الاعتقاد، وقد صوّر في شهادة أمام لجنة العلاقات الدولية في مجلس النواب واشنطن في أبريل الماضي الإعلام العربي على أنه جزء من نظام واسع للتلقين العقائدي الذي ترعاه الحكومات.

وقال إن "وسائل الإعلام الخاضعة لسيطرة الحكومات العربية تنقل للناس كراهية للغرب وللولايات المتحدة على وجه الخصوص"، "وقبل 11 سبتمبر كنا نجد بشكل متكرر مقالات تدعم علانية شن هجمات إرهابية ضد الولايات المتحدة أو حتى تدعو إليها"، وقال إن "الولايات المتحدة تُقارن أحياناً بألمانيا النازية، ويُقارن الرئيس بوش بهتلر، وغوانتانامو بالأوشفيتز (المحرقة)".

وأضاف أن "الغالبية العظمى من الضيوف والمتصلين في حالة قناة الجزيرة الفضائية هم في العادة معادون لأمريكا ومعادون للسامية".

وللأسف بنيت جوانب كثيرة من السياسة الخارجية الأمريكية هذه الأيام على أساس مثل هذه التعميمات المنحازة باكتساح.

في العلاقات بين الغرب والعالم العربي تُشكِّل اللغة حاجزًا يديم الجهل ويمكن أن يؤدي بسهولة إلى سوء التفاهم.

وكل ما يتطلبه الأمر هو مجموعة صغيرة من الإسرائيليين لكنها نشطة لاستغلال هذا الحاجز من أجل تحقيق مآربهم وتغيير المفاهيم الغربية عن العرب نحو الأسوأ.

وليس من الصعب أن يفعل العرب شيئا لمواجهة ذلك، تستطيع مجموعة من الشركات الإعلامية العربية أن تجتمع وتنشر ترجمات لمقالات تعكس بدقة أكبر محتوى صحفها.

ولن يفوق ذلك إمكانياتهم بالتأكيد، لكنهم كالعادة قد يفضلون الجلوس والتذمر من مكائد رجال المخابرات الإسرائيلية المحنكين.

***

في مقال آخر عنوانه "عربسات تستقبل معالجات "ميمري" ورابطه:

https://www.arabmediasociety.com/arabsats-get-the-memri-treatment/

كتب برايان ويتاكر في موقع "الإعلام والمجتمع العربي" [Arab Media & Society] بتاريخ 1 مارس 2005 أن الخلفية السياسية لمن يديرون معهد (ميمري) تقوض ادعاءاته بالحياد، وتساعد في تفسير أجندته عند اختيار مقتطفات للترجمة، وقد قال السفير الأمريكي السابق وليام روج في مؤتمر صحفي عقد في الإمارات عام 2002 إن "اقتباسات (ميمري) يتم انتقاؤها لتصوير العرب على أنهم يدعون لكراهية اليهود والغربيين، ويشيدون بالعنف ويرفضون أي تسوية سلمية للقضية الفلسطينية"، وأضاف أن "خدمة ترجمات (ميمري) لا تقدم صورة متوازنة أو كاملة عن وسائل الإعلام العربية المطبوعة، لأن أصحاب المعهد مناصرون لإسرائيل ومعادون للعرب".

والصورة التراكمية التي تترسخ عند من ليسوا على دراية بوسائل الإعلام العربية (وهم في الغرب الجميع تقريبًا) اعتماداً على (ميمري) هي صورة خاطئة، فالمعهد يعطي انطباعًا بأن القراء والمشاهدين العرب يتغذون يوميًا على سيل من التطرف ومعاداة السامية ومعاداة أمريكا.

ونظرًا للنقص النسبي في الترجمات الأخرى من وسائل الإعلام العربية كان تأثير (ميمري) كبيرًا - خاصة في الولايات المتحدة، وكما يقول السفير السابق روج تم الاستشهاد بترجمات المعهد في أكثر من 350 مقالا في الصحف الأمريكية في فترة 17 شهرا حتى يناير 2003، ونقلت صحيفة واشنطن تايمز عنه ​​مرة واحدة كل شهر في المتوسط، ونقلت عنه وول ستريت جورنال في كثير من الأحيان، كما استخدمه توماس فريدمان كاتب نيويورك تايمز المؤثر في الشرق الأوسط بشكل متكرر.

***

هنا ينتهي اقتباسي من مقالتين لكاتب الجارديان البريطاني برايان ويتاكر، وللعلم كتب وايتكر مقالاً آخر في البيان الإماراتية عنوانه "مافيا «مراكز الابحاث» تضع جداول العمل للسياسة الأميركية الخارجية" حول (ميمري) وغيره من مراكز الأبحاث، الرابط:

https://www.albayan.ae/five-senses/2002-08-25-1.1340960

وللعلم أيضاً ليس ويتاكر وحده الذي كتب ملاحظاته على طبيعة هذا المعهد "الإسرائيلي- اليميني- الأمريكي" وأهدافه وأجندته الحقيقية، مثلاً كتبت ريما بركات [Rima Barakat]، وهي ناشطة فلسطينية ومسلمة أمريكية وكانت مرشحة جمهوريّة لعضوية مجلس ولاية كولورادو في صحيفة [Rocky Mountain News] في 2006 عن "أمثلة مطولة على فبركات (ميمري) المنحازة تماماً لإسرائيل في الترجمات التي ينتقيها، وكتب علي غريب [ALI GHARIB] في 12 أغسطس 2011 في "ثينك بروجرس" الرابط:

https://archive.thinkprogress.org/state-department-grants-200k-to-discredited-neocon-aligned-middle-east-media-watchdog-a510f8b847c8/

عن "تمويل [ميمري] بمنح إضافية من وزارة الخارجية الأمريكية بخلاف ميزانيته (بملايين الدولارات) التي يحصل عليها من دافعي الضرائب الأمريكيين"، وعن أن (ميمري) "جذب أيضا -إلى جانب الصحفيين والجمهور- انتباه الحركات الأوروبية والأمريكية المرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالعداء للمسلمين، واقتبس "البيان الرسمي" للإرهابي النرويجي اليميني المعادي للمسلمين أندريس بريفيك [Anders Breivik] مقتطفات من ترجمات (ميمري) في ستة عشر موضعا"، وعن أن "مجلس إدارة (ميمري) ومجلس مستشاريه هو بالكامل من مؤيدي اليمين لإسرائيل - بما في ذلك كثير من شخصيات المحافظين الجدد وحلفائهم المقربين - مثل إليوت أبرامز وجون بولتون وستيف إيمرسون ونورمان بودوريتز وآلان ديرشوفيتز [Elliott Abrams, John Bolton, Steve Emerson, Norman Podhoretz and Alan Dershowitz].

***

نأتي إلى الدبلوماسي الأمريكي السابق ألبرتو ميجويل فرنانديز رئيس (ميمري) من 2015 حتى 2017، والذي عاد إلى رئاسته بعد أن ترك رئاسة "شبكات البث [الأمريكية] في الشرق الأوسط" والتي تضم قناة الحرة، والذي اختار إبراهيم عيسى وإسلام بحيري ليقدما بأجور مجزية برنامجين على قناة الحرة، هل فرنانديز استثناء من هذه المواصفات، هل هو بعيد عن ضباط المخابرات الإسرائيلية ممن أسسوا وأداروا ويديرون (ميمري)؟ هل هو بعيد عن رموز وقادة اليمين اليهودي المسيحي الأمريكي المتطرف، أم أنه مناسب تماماً ومتوافق تماماً معهم لكي يرأس المعهد قبل وبعد رئاسته لشبكات البث الأمريكية؟ وما هي استراتيجيته وأسباب اختياره لإبراهيم عيسى (وإسلام بحيري)؟ هل كان في نزهة لكي يستريح قليلاً بعيداً عن توجهات (ميمري) عندما ترأس شبكات البث الأمريكية؟ أم كان يواصل تلك التوجهات في مكان آخر؟ هل يمكننا أن نفترض أن فرنانديز صاحب رؤية تحررية يؤمن بحرية التعبير والفكر والاعتقاد والديموقراطية الليبرالية ويريد جسر الفجوة بين الشرق والغرب وتقليص العداء بين العرب والسياسات الأمريكية أم أنه يريد (كما يريد رجال المخابرات الإسرائيلية في ميمري) تشويه العرب والمسلمين وتوجيه الكتاب والصحفيين وصناع الرأي والقرار من أعضاء مجلس الشيوخ والكونجرس في أمريكا وأمثالهم في أوروبا نحو العداء للعرب والمسلمين -دولاً وحكومات، شعوباً ومجتمعات- بغرض واحد هو ضمان "بقاء إسرائيل" من خلال تفكيك أي أيديولوجيا مناهضة لها سواء كانت قومية أو دينية؟ إلام يؤدي تشويه العرب والمسلمين -دولاً وحكومات، شعوباً ومجتمعات- وتعميق العداء لهم في أمريكا وأوروبا.. وحول العالم؟ سيؤدي إلى أن تواصل السياسة الأمريكية (والغربية) الضغط على العرب – المسلمين لكي يقبلوا بوجود إسرائيل ويخضعوا لإرادتها ويتخلوا عن حقوقهم لها، بل ويتحالفوا معها ضد إيران مثلاً.

ليس البحث في خلفيات فرنانديز تفتيشا في الأفكار أو النوايا –لا سمح الله- بل بحث عن التوجهات التي تجعله يضع "سياسة تحريرية" لشبكات البث الأمريكية ويختار لها "المناسبين" لتنفيذها.. أليس كذلك؟، ولهذا اختار –مثلاً- "بمجرد توليه إدارة قنوات الحرة وراديو سوا في صيف 2017 مجموعة كتاب [مستقلين] يعرفهم، ليخصص لهم سلسلة مقالات يسميها: "من زاوية أخرى" لنشر آرائهم الحرة على موقع تويتر للقناة.. وطلب ألا تزيد المقالة عن 600 كلمة وسيدفع عن كل مقال 500$ دولار، ممكن تزيد لاحقا، وممكن تحويل المقالات لاحقا لمنصات إذاعية وتليفزيونية"، (الاقتباس هنا من مقال حافظ الميرازي "أنا و"الحرة")، "أما عن الموضوعات فهذه ترجمة لما كتب لنا في رسالة بالإنجليزية أرفق صورة لها: "كل ما تريد الحديث عنه وتهواه من موضوعات، سواء كانت عن حقوق الانسان أو العلمانية أو الفن والثقافة أو السياسة، يمكنك انتقاد الأنظمة العربية أو التوجهات السياسية، أو حتى أمريكا (ولكن بحدود) السياسة الأمريكية...." رابط مقال الميرازي ورسائل فرنانديز له بالإنجليزية:

https://web.facebook.com/hafez.almirazi.7/posts/10158629805350288

ترى لو كان إبراهيم عيسى (أو إسلام بحيري) ينقد فكرة "يهودية الدولة العبرية" (إسرائيل) أو ينقد "الخزعبلات العقلية في التوراة" باعتبارها "مختلفاً عليه" أو ينكر "الهولوكوست" ويركز على منع أي مؤرخ غربي من التشكيك في "محرقة اليهود" بل وسجنه وتشويهه (في بلدان الديموقراطية وحرية التعبير والفكر والاعتقاد العريقة).. هل كان فرنانديز سيختاره لتقديم برنامج يقول فيه هذه الأشياء ويعطيه أجراً مجزياً عليها؟ بالطبع لا، فشبكات البث الأمريكية –كما وضع فرنانديز سياستها التحريرية- لا تريد هذا، ولا تريد أيضا "حرية تعبير وفكر واعتقاد في المطلق"، بل تلتحف بهذه الشعارات وغيرها على شاكلة "مكافحة التطرف" لكي تضرب وتقوض أي أيديولوجيا مناهضة لإسرائيل، سواء كانت إسلامية أو قومية عربية، من هنا كان عيسى (وبحيري) مناسبين تماماً لفرنانديز وسياسته التحريرية، والذي تولى المهمة بعد شهور من تولي "دونالد ترامب" الشهير بعدائه وتعصبه ضد العرب والمسلمين، وانحيازه الهائل لإسرائيل، ولست هنا في حاجة للتدليل على خدمات ترامب لإسرائيل (نقل السفارة الأمريكية للقدس، واعتراف أمريكا في عهده بالقدس عاصمة لإسرائيل واعترافها بسيادة إسرائيل على الجولان).

***

الخلاصة يا إبراهيم هي أن الالتحاف بشعارات طنانة عن "حرية التعبير والفكر والاعتقاد.. ومواجهة رجال الدين الذين يحتكرون الحقيقة عن عوام الناس" لغو فارغ لا معنى له، ولا يخيل على أحد، الكلام هنا عن سياسة تحريرية لقناة إعلامية أمريكية تخدم مصالح إسرائيل، وتختار من يقول كلاماً ويقدم محتوى يحقق هذه السياسة، ومن لا يفعل ذلك لا مكان له فيها، ولا أجر ولا يحزنون.

لا أقول لك "عُد إلى رشدك وتب إلى الله واندم على ما فعلت"، فليست هذه لغتي ولا ما أتوقعه منك لمعرفتي بما هو أكثر، بل أقول لك أكمل مسيرتك في الوحل، فأنت للأسف لا تستطيع التوقف عن السير فيه، وما تفعله لا يحقق المرجو منه، بل يأتي بنتائج عكسية، قُضي الأمر.

اقرأ أيضا