علق مركز رع للدراسات الاستراتيجية، على تنفيذ "قانون انتظار المركبات" والشائع بـ "قانون السايس" بأنه جاء ليضع علامة فارقة فيما يخص تنظيم انتظار المركبات بالشوارع، وإعادة الوجه الحضاري للشوارع المصرية ومنع تكدس السيارات ومواجهة بلطجة «سائسي» السيارات غير المرخصين حيث يقوم السايس بأخذ أموال لا يستحقها ودون حد معين، والقضاء على ما يُعرف بظاهرة الانتظار العشوائى.
وكانت مصر قد أقرت قانون السايس رقم 150 لسنة 2020 بشأن تنظيم انتظار المركبات في الشوارع الخاضعة لولاية المحافظات، بعد أن أصدرت وزارة التنمية المحلية فى الرابع عشر من يناير 2021 القرار رقم 5 لسنة 2021 بشأن اللائحة التنفيذية للقانون، الذى أصدره الرئيس “عبد الفتاح السيسى” بنشره في الجريدة الرسمية بالعدد 28 مكرر (د) فى الخامس عشر من يوليو2020 .
ملامح القانون:
وعن ملامح القانون، فيقول المركز إن القانون رقم 150 لسنة 2020 جاء لوضع القواعد والإجراءات اللازمة لتنظيم انتظار المركبات بالشوارع، والقضاء على ما يُعرف بظاهرة “الانتظار العشوائى”، وذلك بهدف إتاحة فرص عمل للشركات والأفراد وخلق آفاق جديدة للاستثمار في هذا المجال، وزيادة موارد الوحدات المحلية وأجهزة المدن، تعزيزًا للامركزية المالية والإدارية.
ويركز هذا القانون على العديد من الجوانب المُنظمة لعملية انتظار السيارات من خلال وضع آليات التنفيذ وتحديد الجهات المسئولة عن عملية التنفيذ والضوابط والاشتراطات للقائمين على تنظيم انتظار المركبات؛ حيث حدد القانون وفقا للمادة الثانية به، ألا يتم مزاولة نشاط تنظيم انتظار المركبات فى الشوارع الخاضعة لولاية المحافظات أو أجهزة المدن التابعة لهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة إلا بعد الحصول على رخصة مزاولة النشاط ومدتها ثلاث سنوات قابلة للتجديد، ولدى أصحاب حق استغلال أماكن انتظار المركبات، على أن يتم إنشاء لجنة مختصة لتنظيم انتظار المركبات فى الشوارع الخاضعة لأحكام هذا القانون، بكل محافظة وجهاز مدينة تابع لهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، تكون مهمتها تحديد الأماكن والأوقات التى يجوز فيها انتظار المركبات بالشوارع وإعداد كراسات الشروط الخاصة بحق استغلال أماكن الانتظار وتحديد المقابل المادى للانتظار، بالإضافة إلى تحديد الضوابط والاشتراطات المتطلبة فى القائمين على العمل بتنظيم انتظار المركبات سواء لدى الشركات أو الأفراد، ومنح رخص مزاولة النشاط.
وعن حالة العقوبات المتوقعة، فيقول المركز،أن القانون لم يغفل عن جانب العقوبات لأية مخالفات قد تحدث، حيث حدد القانون عقوبات على كل من مارس نشاط تنظيم انتظار المركبات فى الشوارع الخاضعة لأحكام هذا القانون دون ترخيص أو فى غير الأماكن المحددة لذلك أو حصل مبالغ مالية من قائدى المركبات تجاوز القيمة المحددة بمعرفة اللجنة المختصة، وتصل هذه العقوبات إلى الحبس مدة لا تتجاوز 3 أشهر، وبغرامة لا تقل عن 1000 جنيه ولا تزيد على 5000 جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، وتضاعف هذه العقوبة بحديها فى حالة تكرارها، كذلك يُعاقب المسئول عن الإدارة الفعلية للشركة القائمة بمزاولة نشاط تنظيم انتظار المركبات فى الشوارع، بنفس العقوبات إذا ثبت علم صاحب الشركة بها، وكان إخلاله بالواجبات التى تفرضها عليه تلك الإدارة قد أسهم فى وقوع الجريمة، علىأن الشركة مسئولة بالتضامن عن الوفاء بما يُحكم به من عقوبات مالية وتعويضات.
تنفيذ فعلى:
بدأ السماح بالتنفيذ الفعلى لقانون “السايس” والعمل به بإصدار وزارة التنمية المحلية فى 14 يناير 2021، اللائحة التنفيذية له، والتى حددث خلالها الأوراق المطلوبة لشغل مهنة “السايس” للشركات والأفراد المقرر تقديمها للجنة المختصة بتنفيذ القانون والشروط الواجب توافرها، ومدة الرخصة ورسوم استخراجها بتقسيمها وفقًا للموقع (المدن والأحياء، عواصم المحافظات والمدن الجديدة، الأماكن المميزة) وعدد المركبات.
ونظرًا لأن الإجراءات والقواعد التى تضمنها قانون 150 لسنة 2020، قد جاءت مكملة لقانون المرور رقم لسنة 1973، والمُقرر إصدار تعديله الرسمى قريبًا، والذى يمنع هذا القانون استعمال الطرق أيا كانت طبيعتها فى المرور على الوجه الذى يعطل أو يعوق استعمال الغير له، وهو ما كان ينتج عن حالات الانتظار العشوائى بالشوارع، فقد خصص الإدارة العامة للمرور التابعة لوزارة الداخلية أرقامًا هاتفية للتواصل مع الشرطة في حالة حدوث أي انتهاكات قد تواجههم للإبلاغ عما تم تسميته بـ (بلطجة السايس).
وقد بدأ التطبيق الفعلى للقانون بمحافظة الجيزة فى 21 أغسطس 2021 بحى الدقى، والذى سبقه طرح عدد من الشوارع بالمحافظة عن طريق المزايدة العلنية للموافقة على الترخيص لأحد المتقدمين لمزاولة مهنة السايس بها، ومن المقرر أن يتم تنفيذ هذا القانون تباعًا بشوارع المحافظة، وباقى المحافظات المصرية.
انعكاسات محتملة:
يساهم تطبيق قانون “السايس” فى تحقيق العديد من المكاسب البيئية والاجتماعية والاقتصادية، والتى يمكن إيجازها فيما يلى:
1- الجانب البيئى:
(أ) الحفاظ على الشكل الحضارى للشوارع والميادين: يساعد تحديد أماكن انتظار المركبات بالشوراع والتخلص من السيارات المتوقفة دون معرفة ملاكها وتغيير نظرة مالكى المركبات الخاصة أو الأجرة إلى الشوارع والطرق العامة، بعدم اعتبارها جراج مجانى لسياراتهم غير خاضع لأية قيود، على الحفاظ على الشكل الحضارى للشوارع والميادين بالمحافظات المختلفة، لاسيما محافظات القاهرة الكبرى التى أصبح التكدس المرورى سمة تميزهم عن باقى المحافظات.
(ب) تقليل الازدحام المروى والتلوث البيئى: فوفقًا لدراسة أعدها البنك الدولى بعنوان “دراسة حول زحمة السير فى القاهرة الكبرى” فى مايو 2014، والتى اعتبرت توقف السيارات والمركبات الصغيرة بطريقة عشوائية ضمن أسباب زحمة السير، يتم هدر نحو 47 مليار جنيه كل عام فى منطقة القاهرة الحضرية الكبرى، وهى أكثر المناطق التى تعانى الازدحام والاختناق المرورى، بسبب زحمة السير، وكان من المتوقع أن ترتفع هذه التكلفة إلى 105 مليار جنيه بحلول العام 2030، وتمثل الآثار الصحية التى تخلفها الانبعاثات الناتجة عن زحمة السير 19% من إجمالى التكاليف الناتجة عن زحمة السير.
(ج) ترشيد استهلاك الطاقة: يعمل تقليل الازدحام المرورى الناتج عن الانتظار العشوائى للسيارات بالشوارع، إلى ترشيد استهلاك الطاقة المهدرة نتيجة بطء الحركة المرورية، وبالتالى التقليل من انبعاثات ثانى أكسيد الكربون الملوثة للبيئة ودعم توجه الدولة فى تحسن المناخ بحسب رؤية مصر 2030.
2. الجانب الاقتصادى:
(أ) توفير جزء من فاتورة استيراد الوقود: نتيجة الترشيد المتوقع لاستهلاك الطاقة، وبالتالى توفير جزء من فاتورة استيراد المواد البترولية، والتى شكلت نحو 14.2% من إجمالى واردات مصر السلعية فى العام المالى 2019/2020.
(ب) تقنين ظاهرة “السايس” وضمها إلى الاقتصاد الرسمى: وذلك بتجريم القانون مزاولة نشاط تنظيم انتظار المركبات دون الحصول على ترخيص، وبالتالى تتحول هذه الظاهرة والتى تُعد من ضمن الاقتصاد غير الرسمى، إلى نشاط اقتصادى رسمى يدخل ضمن حسابات الناتج المحلى الإجمالى للدولة.
(ج) زيادة الموارد المالية للوحدات المحلية بالمحافظات: نتيجة إدخال مهنة “السايس” ضمن الاقتصاد الرسمى، ويتحقق ذلك سواء من خلال المبالغ المحصلة من تكاليف منح رخصة مزاولة نشاط تنظيم انتظار المركبات أوالمبالغ التى سيتم تحصيلها بموجب تطبيق القانون، من عقوبات الانتظار فى المكان المخالف أو رفع سعر انتظار السيارة عن القيمة المحددة من اللجنة المختصة، بما يساعد على زيادة موارد تنمية المحافظات وتخفيف العبء عن الموازنة العامة للدولة.
3. الجانب الاجتماعى:
(أ) توفير فرص عمل لائقة: يوفر قانون تنظيم انتظار المركبات بالشوارع فرص عمل جديدة ولائقة بديلة لظاهرة “السايس” التى كانت منتشرة من قبل وتقنين أوضاع العديد من العاملين فى هذا المجال، ومنحهم حق التأمين على أنفسهم وذلك من قبل الشركات المؤجرة لأماكن انتظار السيارات.
(ب) تخفيض حوادث المركبات: تشير العديد من الدراسات إلى أن البعض من حوادث المرور يكون سببها المباشر هو عدم تنظيم حركة المرور والانتظار العشوائى للمركبات، وبالتالى فإن تخصيص أماكن محددة لانتظار المركبات وتقنينها، يساعد على تخفيض الأعداد السنوية لحوادث المركبات، ففى خلال العام 2019، شكلت حوادث المركبات الناجمة عن الانتظار العشوائى للسيارات وغيرها من الأسباب نحو 6.8% من إجمالى حوادث السيارات.
إجمالا، يمكن القول، حتى وإن كان قانون “السايس” يمثل خطوة إيجابية ستنعكس بشكل مباشر على مدى سيولة الحركة المرورية فى المدن، والقضاء بشكل كبير على ظاهرة “الانتظار العشوائى” للسيارات، لتحقق العديد من المكاسب البيئية والاجتماعية والاقتصادية- فإنه يحتاج أولاً إلى عملية ضبط شاملة قبل تعميمه، خاصة فيما يتعلق بالشوارع كثيفة السكان، والعاملين بهذا المجال العشوائي، حيث أنه قد يكون من الضرورى أن تضع الجهات التي تكلف بإدارة الشوراع من يصلح من هؤلاء بعد إجراء الكشف الطبي في أولويات سلم العمل- أي تقنين وضعهم من الاقتصاد غير الرسمي إلى الرسمي.