وليد الغمرى يكتب/ دستور 2014.. للسياسة وجوه أخرى

السبت 05 يناير 2019 | 04:40 مساءً
كتب : بلدنا اليوم

ليس لدى أدنى شك أن دستور مصر الحالي.. وكما وصفه الرئيس كان دستور وضع ب"نوايا حسنة".. وأننا أمام واقع حقيقي لدستور وضع في ظرف استثنائي بدا أنه أنتهى بانتهاء الظرف.. أضف إلي ذلك أننا نتعامل ونتقاضى ونعمل بقوانين بنيت جميعها على دستور 71 المعطل بقرار ثورة يناير.

السؤال الآن: إلى متى سنضع رؤوسنا فى الرمال.. ونخشى الحديث عن الإطاحة بدستور "النوايا الحسنة"؟! منذ شهور ليست بالبعيدة وقف الرئيس السيسي وفى ثنايا افتتاحه أسبوع شباب الجامعات، ليلقى بقنبلة سياسية، حين قال إن "الدستور كُتب بنوايا حسنة، والبلاد لا يمكن أن تدار بالنوايا الحسنة فقط".

إرادة الرئيس ومخاوفه وعبارة النوايا الحسنة، تلاقت فى خواطرنا مع مخاوف متشابهة، لأن الدستور الذى كنت أحد الدعاة للتصويت لصالحه، قد وضع فى ظروف استثنائية وبلجنة انتقائية.. ولكن كانت ضرورة مروره للنور هى ضرورة ملحة في ذلك الوقت، لكى نمرر خارطة الطريق التي اتفقنا عليها فى ثورة 30 يونيو.. وعلى قاعدة "الضرورات تبيح المحظورات" مر هذا الدستور بسلام إلى غير سلام اجتماعي حقيقي.. لكنها ضرورة حفظ الوطن، كانت وستظل هى الأبقى لنا.

اليوم يمكن أن نرصد عدد لا بأس به بالزج بتعديلات دستورية.. هذه التعديلات جميعها يمكن أن نضعها فى سياق محاولات البعض إصلاح الظرف الدستوري الحالي.. خاصة وأن هذا الدستور لم يترجم إلى قوانين فعليًا، وبالتالي لم يتم العمل به حتى الآن على أرض الواقع بشكل كامل.

كانت آخر هذه المحاولات ما تقدم به الزميل ياسر رزق رئيس تحرير أخبار اليوم فى سياق مقاله الاسبوعى على صفحات جريدته "القومية" وهى رؤيا رغم كم الانتقادات التى وجهت لها وجاهتها ولكنها اصطدمت بشكل مباشر مع أطروحات سياسية جديدة على شاكلة المجلس الانتقالي الذى دعا إليه ياسر رزق ويترأسه رئيس الجمهورية.

النائب محمد أبو حامد أيضا كان له طرح مماثل منذ شهور فى سياق اقتراحه مشروع قانون جديد للأزهر الشريف.. وهو ما يستلزم بالضرورة فتح الباب على مصراعيه لتعديلات دستورية تتوافق مع مشروع أبو حامد، وهو ما يعنى فتح الباب من الأساس لتعديل الدستور المصري وخاصة المواد غير المرضى عنها فى هذا الدستور.

على جانب آخر من حركة الإصلاح التي يتبناها البعض فى قضية تعديل الدستور، كانت هناك العديد من المحاولات لتعديل المواد المتعلقة بفترات الحكم لرئيس الجمهورية، منها ما طرحه الصحفي أحمد المسلماني وإبراهيم عيسى، ثم محاولة أخرى مباشرة دفع بها النائب المستقل إسماعيل نصر الدين، عضو لجنة الإسكان والمرافق العامة بمجلس النواب، الذى تقدم بطلب إلى رئيس البرلمان منذ عدة شهور، بشأن تعديل بعض مواد الدستور المتعلقة بمدة حكم الرئيس، وطريقة تكليف رئيس الجمهورية بتشكيل الحكومة، واختصاصات مجلس الدولة، ثم توالت مؤخرا دعوات من داخل أروقة البرلمان تطالب بتعديلات دستورية.

وتبقى الإشكالية فى طرح التعديلات بشكل عام أنها تصطدم بنص الفقرة الخامسة من المادة 226 والتي تنص على أنه "فى جميع الأحوال، لا يجوز تعديل النصوص المتعلقة بإعادة انتخاب رئيس الجمهورية، أو بمبادئ الحرية أو المساواة، ما لم يكن التعديل متعلقًا بالمزيد من الضمانات"، وهو ما لا يمنع التعديل، لكنه يطرح تساؤلات حول: من يحدد هذه الضمانات التي تقررها المادة ؟

 كل ما سبق يضعنا أمام حقيقة هامة، مفادها أن دستور 2014 به مشاكل ضخمة، بعضها ارتبط بقضية حرص قطاعات كبيرة من المصريين على مد فترة حكم الرئيس، وبعضها ارتبط بدستور لم يفعل من الأساس، ومخاوف لا تنتهي من ملابسات وظروف وضع فيها دستور مصري على مقاييس فترة انتقالية لا على مقاييس المصريين!

هذه الرؤية تضعنا أمام واقع يقول أن تعديل دستور 2014 أو تغيره أصبح أمرا لا مناص منه، خاصة وأن الظرف السياسي والاجتماعي ألان يعيش حالة من الاستقرار العام والتي تتطلب دستور عام للدولة يؤسس لعقد اجتماعي جديد على مقاس الدولة المصرية لا على مقاييس فترة انتقالية انتهت، وظرف استثنائي أصبح لا محل له من الإعراب السياسي الآن.

وجهة نظر أخرى لها كل الاعتبار تتحدث عن العودة إلى دستور 71 حتى ولو على قاعدة أن قوانينه هى التي ما زالت تحكم مصر حتى الآن.. ولنا أن نتخيل أن دستور 71 حكم مصر لأكثر من 40 عام مضت، تشكلت فيه حياتنا القانونية بكاملها على مواد هذا الدستور.

ودستور 71 هو أول دستور وضع بعد ثورة 52، وتم إقراره فى عهد الرئيس السادات بعد استفتاء شعبي فى 11 سبتمبر 1971 وسمى بـ"دستور مصر الدائم"، وتم تعديله عدة مرات، وظل العمل به جاريا إلى أن تم تعطيله فى 13 فبراير 2011 بعد قيام ثورة 25 يناير.

وأتفهم كل الفهم مخاوف البعض بأن تفتح هذه التعديلات الباب لعبث سياسي جديد، خاصة وأن طابور من الدجالين وحملة المباخر يقفون ليطرح كل منهم نفسه على الدولة ليكون بمثابة جزئ من نظام سياسيي جديد يحكم مصر.. ولكن هذه المخاوف ورغم وجاهتها أيضا.. لا يمكن بأى حال أن تجعلنا عاجزين عن إلقاء حجر فى المياه السياسية الراكدة منذ سنوات.. باختصار لأن أمثال هؤلاء سيظلون موجودين طوال الوقت "فيروس" سياسي لن تخلو منه حياتنا السياسية أبدا.

وشئ من المكاشفة والمصارحة والحوار المجتمعي يمكن أن يمنحنا مزيدا من القوة كي نواجه مشاكلنا السياسية بحدة وصرامة.. ونحن نعرف كل أمراض الشارع السياسى المصري ونستطيع التعاطي معها وتحيدها قدر الإمكان..

لقد أصبحنا جميعًا فى مصر نحتاج إلى شيء من المكاشفة، أو لنقل لشيء من الوضوح السياسي، فجميعنا يعلم أن هذا الدستور لم يعد يليق بنا، وأن مصر تحتاج إلى قاعدة دستورية غير استثنائية بل قاعدة طبيعية لأنها ألان تعيش استقرار طبيعي في ظرف طبيعي، أضف إلى ذلك أن استقرار الحياة السياسية ونضوجها بعد ثورتين لن يكتمل على قاعدة بنيت في ظرف استثنائي، وان كسر هذا الجمود السياسي قد يبدأ بمصارحة سياسية تنتهي إلى تغير الدستور الحالي.