قرار الانسحاب من سوريا الذي خرج من الإدارة الأمريكية لن يمر مرور الكرام من قبل البعض، فتداعيات هذا القرار عزز من قدرة المنافسين الداعمين للرئيس بشار الأسد، بالإضافة إلى قيام الدول المتنازعة في سوريا بمحاولة كلّا منها السيطرة على قطعة من الأرض لحماية مصالحها.
بداية التواجد الأمريكي
دخلت القوات الأمريكية سوريا في عام 2015 كجزء من تحالف يقاتل تنظيم داعش الإرهابي، الذي استولى على مساحات شاسعة من الأراضي في سوريا والعراق.
وفي السنوات الثلاث منذ ذلك الحين، انهارت "خلافة" داعش المزعومة، لكن عدم الاستقرار في كل من سوريا والعراق، يوفر أرضية خصبة للجهاديين لزيادة نفوذهم.
ووفقا لتقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز، أنه من الممكن أن قرار الانسحاب الأمريكي يضعف نفوذ البلد في أي مفاوضات بشأن التوصل إلى تسوية لإنهاء الصراع الذي دام أكثر من 7 سنوات.
وبحسب الصحيفة، فإن قرار ترامب هذا، من شأنه أن يزيد من نفوذ بعد الأطراف المتنازعة فيما يضعف أطرافاً أخرى.
الفائزون:
إيران وروسيا والأسد
تقول الصحيفة، إن الرئيس السوري بشار الأسد وحليفيه روسيا وإيران، سيستفيدون بكل تأكيد من انسحاب القوات الأمريكية، الأمر الذي سيزيد من شدة قبضة الأسد على بلاده.
واعتبرت أن إيران، هي الرابح الأكبر في سوريا والأكثر عرضة للخطر أيضاً، فخلال الحرب، مكنت إيران نفسها في سوريا، وأعادت رسم الخريطة الاستراتيجية للشرق الأوسط.
وأرسلت طهران الآلاف من ميليشياتها، التي حاربت على الأرض، ونشرت طائرات دون طيار وأسلحة دقيقة لإبقاء الأسد في السلطة، وتضمن ذلك جسراً برياً هاماً للغاية عبر سوريا، لتزويد ميليشيات حزب الله في لبنان بالأسلحة.
ودربت إيران الميليشيات التابعة لها وعزّزتهم، في الوقت الذي عززت فيه العلاقات مع الحلفاء في العراق، ولبنان، على أمل بناء جبهة موحدة في حال نشوب حرب جديدة مع إسرائيل.
من جهتها، ساهمت روسيا بنحو 5 آلاف جندي، وعشرات من الطائرات لدعم حكومة الأسد، التي ضمنت منشأة موسكو البحرية المهمة استراتيجياً في مدينة طرطوس السورية على البحر الأبيض المتوسط، كما وسّعت روسيا من نطاقها العسكري في سوريا خلال الحرب.
أما بالنسبة للأسد، فإن الانسحاب الأمريكي يعني أن خارطة الطريق بالنسبة لمستقبل سوريا، ستتشكل بشكل كبير من ردع القوى المتعاطفة مع حكومته ومصالحها.
تركيا
ولا ننسى تركيا، التي كثيراً ما وجدت والولايات المتحدة، حليفتا الناتو، أنفسهما على خلاف في سوريا، رغم أن كليهما عارضتا الأسد، وذلك لأن الولايات المتحدة دعمت بقوة "قوات سوريا الديمقراطية"، قائلة إنها كانت أكثر المقاتلين قدرة على دحر تنظيم داعش.
وتقاتل تركيا منذ فترة طويلة الأكراد في الداخل، تحديداً في جنوب شرق البلاد، وهدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مؤخراً بتدخل عسكري ضد القوات الكردية في سوريا التي دعمتها واشنطن منذ عام 2015.
وخروج القوات الأمريكية، سيترك الخيارات أمام تركيا مفتوحة، لاتخاذ إجراءات قاسية للحد من قوة القوات الكردية في سوريا.
"داعش"
"انتصرنا على داعش"، هذا ما قاله ترامب في مقطع فيديو نشر أول من أمس الأربعاء. لكن الخبراء، بما في ذلك بعض موظفي ترامب وشركائه في التحالف، لا يوافقون على ذلك، حسب الصحيفة.
وعلى الرغم من أن المتشددين يحتفظون بنسبة 1 % فقط من الأراضي التي احتفظوا بها في "ذروة السلطة"، فإن هذا من شأنه إزالة عدو عسكري كبير في المنطقة.
خلال إفادة وزارة الخارجية قبل نحو أسبوع، قال المبعوث الخاص لترامب في محاربة داعش، قال بريت ماكغورك، إن "المعركة لم تنته بعد، ستكون المعركة ضد داعش طويلة الأمد، لا أحد سيعلن عن إنجاز مهمته بعد".
الخاسرون:
الأكراد السوريون
تقول "نيويورك تايمز"، إنه على الرغم من كون الأكراد هم الحلفاء الرئيسيين لأمريكا في الحرب ضد داعش، إلا أن قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد يتم التخلي عنها فعلياً، كما يقول منتقدو الانسحاب.
اعتمد الأكراد على الدعم الأمريكي، وقد يكون الانسحاب المفاجئ كارثياً، مما يجعلهم عرضة من جميع الجهات.
واستنكرت القوات السورية الديمقراطية الانسحاب في بيان صدر أمس الخميس.
وقالت قسد: "قرار البيت الأبيض بالانسحاب من شمال وشرق سوريا، سيؤثر سلباً على الحملة ضد الإرهاب، لم تنته الحرب ضد الإرهاب بعد، ولم تتحقق الهزيمة النهائية".
إسرائيل
تشير الصحيفة إلى أن إيران وميليشياتها من حزب الله وغيره، دون وجود قوات أمريكية في شمال سوريا، كقوة موازنة، تشكل تهديداً وجودياً لإسرائيل.
ويقول المحلل هيلترمان: "إسرائيل ستكون غير راضية للغاية عن هذا القرار، لأنها ترى أن الانسحاب سيكون مكسباً صافيا لإيران، وهي على حق".
وبوصفها أقوى حلفاء إسرائيل، تلعب الولايات المتحدة دوراً كبيراً في توفير الأمن لها، ويؤدي انسحاب القوات إلى تهديد هذا التوازن.
المدنيون
وأخيراً الخاسر الأكبر الذي تحمل معاناة لا حصر لها، هم المدنيون السوريون، وضحايا النزاع في سوريا منذ سنوات، مع نزوح الملايين من منازلهم، وملايين آخرين فروا من البلاد يكافحون في بلدان عدة عربية وأوروبية كلاجئين.
وحذرت لجنة الإنقاذ الدولية، التي تعمل على توفير المساعدات الإنسانية في أجزاء من سوريا لسنوات، من احتمال أن يكون الهجوم التركي المحتمل في المنطقة مدمراً.
وتضيف الصحيفة: "طوال هذا الصراع، تم اتخاذ هذه القرارات السياسية والعسكرية دون أي اعتبار واضح للعواقب الإنسانية، ونتيجة لذلك، فإن كل قرار قد زاد من الخطر بالنسبة للمدنيين".
ومن المرجح أن يفر العديد من المدنيين الأكراد من المنطقة، إذا فقدت القوات الكردية السيطرة على شمال سوريا.