تشهد منطقة جنوب آسيا في الفترة الأخيرة كثير من التوترات الغريبة، التي يراها العالم ويترقبها بشكل حذر خوفاً من التمادي في تلك التوترات فتسير بالجميع إلى الهاوية. حيث إن أخطر تلك الصراعات والنزاعات بين الجارتين النوويتين "الهند وباكستان"، بعد الهجوم الدموي الأخير في منطقة باهلغام الواقعة في المناطق التي تندرج تحت السيطرة الهندية في إقليم كشمير، ليتجدد التوتر المزمن من جديد، ولكن هذه المرة في سياق إقليمي ودولي معقد.
تسعة معاقل
وأشارت الدكتورة "نادية حلمي"، الخبيرة المصرية في الشؤون السياسية الصينية والآسيوية، أستاذة العلوم السياسية بجامعة بني سويف، إلى أن الهند قامت بإطلاق ما أسمته "عملية السندور"، وهي عملية عسكرية متقدمة استهدفت تسعة معاقل لتنظيمات تقول الهند إنها إرهابية تشمل (لشكر طيبة، جيش محمد، وحزب المجاهدين)، وبعدها أعلنت إسرائيل رسمياً تأييدها الكامل للهند بعد قيام الجيش الهندي بتنفيذ سلسلة ضربات وصفتها الهند بأنها "هجمات جراحية دقيقة استهدفت مواقع إرهابية في باكستان ومناطق كشمير الخاضعة للسيطرة الباكستانية".
الدكتورة نادية حلمي
وأضافت "نادية حلمي" أن هذا التصعيد الحاد من قبل نيوديلهي بعد هجوم كبير إستهدف عدداً من السياح فى "منطقة باهالغام" في كشمير الخاضعة للإدارة الهندية"خلال شهر إبريل ٢٠٢٥، مما فاقم التوترات بين "الجارتين النوويتين".
وأشارت "نادية" إلى أن الهند أكدت على أنها تمتلك أدلة تربط بين منفذى الهجوم وجهات متطرفة مقرها باكستان، وهى إدعاءات تنفيها إسلام آباد، مؤكدة أن الهند لم تقدم أدلة داعمة، وفي المُقابل ردت باكستان بتعليق إتفاقية سلام مع الهند تعود إلى عام ١٩٧٢، وإتخذت بدورها خطوات تصعيدية مقابلة، حيثُ قام فريق من الأمم المتحدة بعمل زيارة ميدانية إلى موقع الهجوم الهندي في منطقة "مظفر آباد" داخل الأراضي الباكستانية، ما يعكس حجم القلق الدولي المتزايد من تطور الوضع نحو مواجهة مفتوحة بين الهند وباكستان.
الدعم الإسرائيلي والأمريكي للهند
وقالت الدكتورة "نادية حلمي"، "من وجهة نظرى التحليلية يأتى الدعم الإسرائيلى للهند، مع حرص الولايات المتحدة الأمريكية على توثيق علاقاتها مع الهند، إستناداً إلى المبدأ الأمريكى فى تعزيز (العلاقات مع الديمقراطيات الآسيوية) ومنها الهند، وتوسيع الشراكة فى مجال التكنولوجيا والدفاع معها، فضلاً عن دعم الهند للولايات المتحدة الأمريكية فى إطار تحالف "كواد الرباعية" مع اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا، لمواجهة النفوذ الصيني فى المحيطين الهندي والهادئ عبر الهند، وتقديم الولايات المتحدة الأمريكية للهند كشريك موثوق به فى سلاسل الإمداد العالمية والتكنولوجيا المتقدمة.
الدعم الصيني لباكستان للوقوف أمام الخطط الإسرائيلية مُستهدفة الصين ومصر
مؤكدة على أن الدعم الصينى لباكستان يأتي في إطار إنجاح مشروعها للحزام والطريق فى مواجهة (مشروع الممر الإقتصادى الهندى الشرق أوسطى)، الذى سيمر عبر (ميناء بن جوريون الإسرائيلى)، وهو ما سيؤثر سلباً على الصين وقناة السويس المصرية وسيجعل تدفقات التجارة الآسيوية والعالمية تمر عبر الهند وتل أبيب، وهو ما تتصدى له الصين بقوة عبر شبكة علاقاتها الوثيقة مع الجانب الباكستانى، حيثُ أن هذا الممر الإقتصادى الهندى الشرق أوسطى، يضم (الهند والمملكة العربية السعودية وإسرائيل والأردن وإيطاليا والولايات المتحدة الأمريكية)، فى مواجهة مشروع مبادرة الحزام والطريق الصينية والنمر الملاحى لقناة السويس المصرية.
مُعارضة مصالح مصر
كما أوضحت، أن ذلك المشروع الاسرائيلي الهندي هو ذاته الذى سيتعارض مع مصالح مصر فى قناة السويس ومصالح الصين ومشروعاتها عبر مبادرة الحزام والطريق الصينية، والذى سيجعل من دولة إسرائيل تتحكم فى كافة طرق الملاحة والنقل البحرى واللوجستى عالمياً، وبسبب هذا المشروع تتفانى إسرائيل فى تقديم الدعم الأمنى والإستخباراتى المُقدم للهند، خاصةً فى النزاعات الحدودية مع باكستان، كما كانت تل أبيب بمثابة المصدر الرئيسى لتكنولوجيا المراقبة والطائرات المسيرة التى تستخدمها نيودلهي فى كشمير.
وأكدت على أنهُ ما يلفت الإنتباه اليوم هو أن التضامن الإسرائيلى لم يتوقف عند الجانب الرمزى فى مواجهة باكستان، بل تخلله أيضاً نقاش بين رئيسى الوزراء الهندى والإسرائيلى "نتنياهو ومودى"، حول مشروع (ممر النقل الإقليمى) الذى سيربط الهند بأوروبا عبر الخليج وإسرائيل، وذلك فى محاولة لتقويض النفوذ الصينى وربط الهند إستراتيجياً بإسرائيل على حساب مصالح مصر فى قناة السويس ومصالح الصين ومبادرتها للحزام والطريق.
سبب التأييد الصيني لباكستان
وأفادت الدكتورة "نادية حلمي"، أن مما سبق نفهم سبب هذا التأييد الصينى الكبير لباكستان، المشروع الذى سيربط الصين بالمياه الدافئة عبر باكستان، ويمر عبر مناطق متنازع عليها مع الهند.
ومن أجل تلك المصالح بين الصين وباكستان، تقدم الصين دعم سياسى ودبلوماسى مستمر لباكستان فى المحافل الدولية، خصوصاً فيما يتعلق بقضية كشمير أو تصنيف الجماعات المسلحة، مع رفض الصين تصنيف عدداً من الجماعات الباكستانية كإرهابية فى الأمم المتحدة رغم وجود ضغوط أمريكية وهندية من أجل ذلك، فضلاً عن سعى بكين عبر هذا الدعم السخى إلى باكستان إلى تحجيم الدور الهندى فى منطقة آسيا كحليفة للولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل وخلق توازن ضغط على حدودها الغربية، خاصةً في ظل إحتدام الخلافات الحدودية بين الهند والصين فى مناطق (لاداخ وجبال الهيمالايا).
مُشيرة إلى أن الصراع يُعد فى قلب جنوب آسيا بين الهند وباكستان، واحداً من أكثر المعادلات الجيوسياسية تعقيداً وحساسية، وهى العلاقة المتوترة بين الهند وباكستان، حيث لم تعد هذه العلاقة تفهم فقط من خلال النزاعات الحدودية أو الطائفية، بل أصبحت تحلل فى إطار أوسع، حيث تتداخل مصالح وأولويات القوى الكبرى، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية والصين، فتحول الصراع بين هاتين الدولتين النوويتين إلى عنصر مؤثر فى لعبة النفوذ العالمى، حيث تعتبر الهند حليفاً إستراتيجياً متزايد الأهمية للغرب، بينما تظل باكستان شريكاً رئيسياً للصين فى مشروعها الجيو إقتصادى العملاق للحزام والطريق عبر مشروع الممر الإقتصادى وميناء جوادر الباكستانى ذا الإستثمارات الضخمة الصينية.
العلاقة بين حكومة اليمين الهندوسي وحكومة اليمين المُتطرف الإسرائيلية
مؤكدة على أن ذلك يثبت العلاقة المتينة بين حكومة اليمين القومي الهندوسي بقيادة "ناريندرا مودى"، وحكومة اليمين المتطرف الإسرائيلية بقيادة "بنيامين نتنياهو"، والتى لم تعد تقتصر على تبادل الخبرات الأمنية، بل باتت تتمثل فى: (تحالف أيديولوجى بين نيودلهى وتل أبيب قائم على رفض الحركات التحررية والمقاومة، وتنسيق إستخباراتى عالى المستوى في كشمير وفلسطين، رؤية موحدة لدمج المصالح الإقتصادية تحت غطاء مكافحة الإرهاب، فإسرائيل لا تتضامن مع الهند فقط، بل تقف خلفها سياسياً وتقنياً وإستخباراتياً، فى مواجهة أى قوة تعارض التوسع الإقليمى أو ترفض التطبيع مع إسرائيل كباكستان.
وهنا جاء الرد الهندى بإرسال طائرات مسيرة من طراز "هاروب الإسرائيلية" لعدة مواقع باكستانية فى لاهور وكراتشى.
وبحسب التصريحات العسكرية الإسرائيلية، فإن "مسيرات هاروب الإسرائيلية" مع الهند فى مواجهة باكستان، هى بمثابة سلاح متجول يتم إطلاقه من خارج ساحة المعركة. أما عن خطورة تلك المسيرات الإسرائيلية "هاروب"، هى أنه يمكن للطائرة المسيرة الإسرائيلية البقاء محلقة فوق منطقة معادية لفترة طويلة، وأن تحدد الأهداف قبل الإصطدام بها، وتعرف تلك المسيرات الإسرائيلية مع الهند، بأنها من الأسلحة الأكثر دقة وتقدماً فى العالم، وتنتجها شركات الصناعات الجوية الإسرائيلية، وتم تطويرها فى ٢٠١٤.
باكستان دولة عدوة لإسرائيل
وأشارت "نادية" إلى أن إسرائيل قد أعلنت عبر وسائل إعلامها المقربة من وحدة الإستخبارات العسكرية الإسرائيلية، بأن باكستان دولة عدوة لتل أبيب، والتى وصفها الإعلام العبرى بالدولة المعادية لإسرائيل والتى تحظر على الإسرائيليين زيارتها، مع التأكيد الهندى الإسرائيلى الرسمى على أن إسرائيل والهند تتقاسمان قيماً مشتركة فى مجالات الإبتكار والزراعة المتقدمة والصحة والتكنولوجيا العسكرية، فضلاً عن التأكيد عن التحالف الأمنى بين الهند وإسرائيل فى وجه باكستان تحت غطاء "مكافحة الإرهاب"، فى مؤشر جديد على تعزز الشراكة الأمنية والعسكرية بين الهند وإسرائيل.
كما سارعت إسرائيل إلى تأكيد دعمها للهند عقب إعلان نيودلهى توجيه ضربات صاروخية على ٩ مواقع في باكستان، وبينما وصف الرئيس الأمريكى "دونالد ترامب* تصاعد التوتر الهندي الباكستاني بالأمر المؤسف، وصدرت تحذيرات أممية وإقليمية من أن العالم لا يمكن تحمل مواجهة عسكرية بين الجارتين النوويتين.
وجاء تعقيب السفير الإسرائيلي "رؤوفين عازار" فى السفارة الإسرائيلية فى العاصمة الهندية"نيودلهى"، بأن "إسرائيل تدعم حق الهند في الدفاع عن نفسها، واثقاً من دعم إسرائيل الكامل للضربات الهندية على باكستان".
كما جاءت نفس منشورات السفير الإسرائيلى "رؤوفين عازار" على منصات التواصل الإجتماعى، بأن: "إسرائيل تدعم حق الهند في الدفاع عن النفس، ويجب أن يعلم الإرهابيون أنه لا مكان للإختباء من جرائمهم ضد الأبرياء".