وصف الرئيس الأميركي دونالد ترامب ألمانيا بهجوم شديد بأنها أسيرة لدى روسيا، على هامش فطور حلف شمال الأطلسي، الذي اجتمع اليوم لبحث تطورات الأوضاع في المنطقة، وسبل تعزيز التعاون بين الدول الأعضاء.
سريعًا، خرج الرد الألماني على التصريحات الأميركية المتعجرفة، حيث أكدت وزيرة الدفاع الألمانية، أورسولا فون دير ليين، اليوم، أن ألمانيا ليست أسيرة السياسة الروسية.
أوضحت الوزيرة على هامش قمة حلف شمال الأطلسي بعد لحظات من حديث ترامب في اجتماع في بروكسل «لدينا دون شك العديد من المشكلات مع روسيا».
على الجانب الآخر، أشار ترامب إلى أن برلين تحصل على 60% من طاقتها من روسيا، وألمح إلى خط أنابيب «نورد ستريم 2» الذي سيضاعف كمية الغاز الطبيعي الذي يمكن لروسيا أن ترسله مباشرة إلى ألمانيا، ويمر عبر دول مثل أوكرانيا.
تصريحات الرئيس الأميركي ألقت بالضوء على التعاون الغريب بين روسيا وألمانيا، فالأخيرة بالرغم من تجارتها الضخمة مع موسكو، إلا أنها كانت من بين الدول الموقعة على عقوبات عليها.
من المعروف أنه على مدى ما يزيد على العقدين تطورت العلاقات الروسية الألمانية وأصبحت إستراتيجية للبلدين، فقد تنازلت موسكو السوفيتية عن نفوذها في ألمانيا الشرقية، وباركت إعادة توحيد الألمانيتين مطلع التسعينيات، وكان ذلك بداية صفحة جديدة من التقارب والتعاون بين روسيا الاتحادية وألمانيا الموحدة.
ظل الدفء والنمو السمة المميزة للعلاقات بين البلدين، وساعد على ذلك انتهاء الحرب الباردة والتحسن الملحوظ في العلاقات الروسية الأميركية، فلم يكن هناك تناقض بين تحالف ألمانيا الراسخ والأصيل مع واشنطن، وكونها حليفًا إستراتيجيًا للولايات المتحدة، وعضوًا في حلف الناتو منذ الخمسينيات، وبين تطوير العلاقات الروسية الألمانية في إطار التقارب الروسي الغربي.
أصبحت ألمانيا أكبر شريك تجاري لروسيا في الاتحاد الأوروبي؛ حيث بلغ حجم التبادل بينهما 55 مليار دولار في 2015، ومثلت صادراتها ثلث إجمالي الصادرات الأوروبية لروسيا، كما تعتمد ألمانيا اعتماداً أساسياً على موارد الطاقة الروسية وتعتبر أكبر مستورد أوروبي للطاقة من روسيا.
أيضًا التعاون التكنولوجي بين البلدين والاستثمارات الألمانية الواسعة في روسيا؛ حيث يوجد ستة آلاف شركة ألمانية لديها أعمال تجارية وشراكات مع روسيا.
بالرغم من حجم التجارة الكبير بين البلدين، فإنه وتحت ضغوط أميركية شديدة قام الاتحاد الأوروبي الذي تقوده ألمانيا، بفرض حزم متتالية من العقوبات منذ ثلاثة أعوام على روسيا لم يسبق لها مثيل منذ الحرب الباردة، استهدفت قطاعات رئيسية في الاقتصاد الروسي، هي الطاقة وصناعة الأسلحة والقطاع المالي، وطالت شخصيات روسية سياسية واقتصادية بارزة وشركات وبنوكاً أيضاً، وضمت «القائمة السوداء» الأوروبية وحدها إجمالي 95 شخصًا و23 شركة وبنكًا.
تدريجياً صعدت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل من لهجتها على نحو لم يعد مقبولاً من جانب بوتين وموسكو، ففي خطاب لها في أستراليا في نوفمبر 2014، أشارت إلى أن «صبرها إزاء الرئيس الروسي حول النزاع في شرق أوكرانيا بدأ ينفد»، واعتبرت أن روسيا «انتهكت وحدة وسيادة أوكرانيا»، و«إن أوروبا ستستمر في ممارسة الضغط عليها» حتى تغيير موقفها.
تلا ذلك اتهام ميركل بوتين بأنه يقوض «النظام السلمي في أوروبا»، وكان خطابها هذا الأكثر نقدًا وهجومًا من جانب المستشارة الألمانية التي دائماً ما تكون حذرة في خطاباتها العامة.
في الوقت الذي وجَّهت فيه ألمانيا ضربات قوية اللهجة نتيجة الضغط الأميركي، إلا أن إحصاءات البنك الدولي، تُشير إلى أن أوروبا والتي خضعت لأميركا في مسألة فرض العقوبات الاقتصادية على روسيا، فقدت ما يُقارب 20% من حجم تجارتها، بينما زادت أميركا من حجم تجارتها مع روسيا بنسبة 7% على الرغم من العقوبات.
ويبدو أن سياسة فرض العقوبات على روسيا هي الأنجح بالنسبة للرئيس الأميركي للضغط على ألمانيا؛ حيث فرضت واشنطن في 6 أبريل الماضي، عقوبات جديدة ضدّ روسيا، شملت 38 شخصية، بينها مسؤول رفيع المستوى ورجل أعمال روسي وشركات يديرها رجال أعمال أدرجوا في القائمة، بالإضافة إلى وزير الداخلية الروسي فلاديمير كولوكولتسيف، وسكرتير مجلس الأمن الروسي نيكولاي باتروشيف؛ وذلك رداً على «تصرّفات روسيا» في قضايا القرم وأوكرانيا وسوريا والهجمات السيبرانية المزعومة.
المتحدث الرسمي باسم الحكومة الألمانية، شتيفين زايبرت، أعلن وقتها في مؤتمر صحفي، أنّ «برلين تعتزم الإعراب عن قلقها من العقوبات الأميركية على روسيا، بسبب تأثيرها السلبي على الصناعة الألمانية»، مشيرًا إلى «أنّنا سنكون هناك؛ حيث يتمّ المساس بمصالح الشركات الألمانية والصناعة الألمانية، وبالطبع سنقوم بإيضاح مواقفنا على مستويات العمل كافّة».