شهدت العلاقات بين مصر وكينيا منذ عام 2014 تطوراً إيجابياً وتنامياً ملحوظاً على جميع الأصعدة، وقد انتهجت مصر مسارين في علاقاتها مع كينيا، المسار الأول هو العلاقات الثنائية والزيارات المتبادلة التي تدعم التعاون بينهما، أما المسار الثاني فيتعلق بالتعاون فى مجال المياه باعتبارهما دولتين هامتين فى مجموعة دول " حوض النيل " وهذا ليس بغريب أو عجيب فالعلاقات المصرية الكينيه منذ زمن بعيد وفى هذه السطور تستعرض "بلدنا اليوم" قليلٌ من كثير فى تاريخ طويل من العلاقات والتعاونات المصرية الكينية.
حيث بدأت العلاقات المصرية الكينية منذ فترة الاستقلال الكينى دعمت مصر وساندت حصول كينيا على استقلالها عام 1963, ففى عهد الرئيس جمال عبد الناصر ساندت مصر حركة الماو ماو الكينية من خلال الحملة الإعلامية والدبلوماسية المركزة ضد الاستعمار البريطانى لكينيا.
إذاعة "صوت القاهرة" لمساندة الشعب الكينى
و تم تخصيص إذاعة موجهة من مصر للشعب الكيني باسم "صوت أفريقيا"،لمساندته فى النضال وتحرير بلده , وكانت " صوت أفريقيا " أول إذاعة باللغة السواحيلية تبث من دولة أفريقية لدعم كينيا للحصول على الاستقلال .
جعلت مصر من قضية الماو ماو قضية أفريقية، وسعت إلى الإفراج عن الزعيم الكينى جومو كينياتا الذى احتجزته سلطات الاحتلال البريطانى عام 1961.
القاهرة عاصمة الدعم الكينى
جعلت مصر من القاهرة أولى محطات الدعم والتاييد فكانت تستقبل المناضلين الكينيين، وتمدهم بكل المساعدات الممكنة لتنشيط حركتهم داخل كينيا وعلى رأسهم :
"أوجينجا أودينجا، وتوم مبويا، وجيمس جيشورو، وجوزيف موروبي " وغيرهم مثل أعضاء حزب الإتحاد الوطنى الأفريقي الكيني "KANU" وحزب الاتحاد الديمقراطي الكيني "KADU" وفتحا الحزبين مكاتب لهما بالقاهرة خلال هذه الفترة، وتكللت هذه الجهود بالنجاح وحصلت كينيا على استقلالها فى عام 1963.
العلاقات المصرية الدبلوماسية
تحولت كينيا إلى جمهورية في عام 1964 وبدأت العلاقات الدبلوماسية مع مصر وافتتحت سفارتها بالقاهرة،
واعتماد أول سفير لجمهورية كينيا بالقاهرة عبر الرئيس عبد الناصر له عن إعجابه الشديد بكفاح الشعب الكينى من أجل الحرية والإستقلال بزعامة "جومو كينياتا" الذى أصبح أول رئيس لكينيا بعد الاستقلال، وأبدى عبد الناصر استعداده للتعاون الكامل مع كينيا وكافة الدول الأفريقية من أجل تعزيز قوة أفريقيا وتنمية مواردها بما يساهم فى تدعيم وحدتها.
مؤتمر القمة الأفريقى الثانى عام 1964
استضافت مصر مؤتمر القمة الأفريقى الثانى عام 1964 ، وعلى هامش جلسات المؤتمر أبدى الرئيس عبد الناصر استعداده للتعاون العسكرى مع كينيا ونال هذا القبول من قبل الرئيس الكينى "كينياتا " الذى أفصح وأبدى رغبته بالتخلص من القوات البريطانية الموجودة فى بلاده، وساندت مصر كينيا وساعدتها فى بناء الجيش الكينى الوطنى. وبالفعل دخلت الرغبة حيز التنفيذ وكلف عبد الناصر وزير إعلامه "محمد فايق" أنذاك بالسفر إلى نيروبى، وتم الاتفاق على تدريب كتيبة مظلات، وإرسال خبراء عسكريين مصريين لتدريب الجيش الكينى، بعد التخلص من الضباط الإنجليز، بالإضافة لإرسال أعداد من الضباط الكينيين للتدريب فى مصر.
ويذكر فى هذا الصدد الكلمة الشهيرة للرئيس جومو كينياتا "سنظل نذكر ناصر دائماً أن مساندته لأفريقيا حررت الكثير من دولها"
مشروع الهيدروميت
بدأ تنفيذ مشروع الهيدروميت فى عام 1967 بمشاركة مصر وكينيا ضمن 5 دول من حوض النيل انضمت إليه فيما بعد 4 دول أخرى، استهدف المشروع دراسة الأرصاد الجوية والمائية لحوض البحيرات الاستوائية، ووضع خطط تنمية الموارد المائية، ودراسة الاتزان المائى لنهر النيل، وبمقتضى المشروع أقيمت محطات رصد فى مجمعات الأمطار الرئيسية وهى بحيرات "فيكتوريا وكيوجا وألبرت"، وحظى بتمويل دولى من العديد من الدول المانحة وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائى ومنظمة الأرصاد العالمية.
مساندة كينيا للقضية الفلسطنية بالتعاون مع مصر
وفى عهد الرئيس السادات كانت كينيا من أوائل وضمن الدول الأفريقية التى قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع اسرائيل عقب حرب أكتوبر 1973، حيث اتخذ المجلس الوزاري لمنظمة الدول الأفريقية، الذي عُقد في نوفمبر 1973 قراراً بقطع العلاقات الدبلوماسية بإسرائيل، ومطالبتها بالانسحاب من الأراضي المحتلة ومنح الشعب الفلسطيني حق تقرير المصير.
انضمام مصر للكوميسا
وفي عهد الرئيس مبارك في فبراير 1984 قام بزيارة كينيا ضمن جولة أفريقية زار فيها كل من "زائير والصومال وتنزانيا"، وعرض أن تكون مصر جسرا بين الدول العربية والشعوب في إفريقيا وكوسيط محتمل في حل نزاعات القارة الإفريقية.
في عام 1998 انضمت مصر إلى اتفاقية الكوميسا التي تضم 22 دولة أفريقية، وكانت كينيا قد وقعت على نصوص الاتفاقية أثناء انعقاد المؤتمر الوزاري بالعاصمة المالاوية ليلونجوي عام 1994، وتمثل الكوميسا بالنسبة لمصر أهمية خاصة من الناحية الجيوبوليتيكية حيث إنها تتمتع بموقع جغرافي متميز حيث تجاور العالم العربي ومنطقة القرن الأفريقي ودول حوض النيل أي أنها بمثابة حزام يحيط بمصر.
استمرت مصر في تعاونها مع كينيا على كافة المستويات، وبرزت علاقات الأخوة التي جمعت بين الشعبين الشقيقين المصري والكيني في وقت الأزمات، وفي مواجهة الكوارث الطبيعية مثل الجفاف والفيضانات وذلك من خلال تقديم المعونات الغذائية والطبية والفنية للشعب الكيني.
وحتى وقتنا الحالي يستمر التعاون بين الجانبين المصري والكيني على كافة القطاعات والمستويات في كل المجالات سواء في العلاقات السياسية حيث ترتبط مصر وكينيا بشريان حياة واحد هو نهر النيل، وتاريخ طويل من التعاون البناء، وتتشاركان في ذات التطلعات والتوجهات، فالبلدان يسعيان لتحقيق التنمية والرخاء الاقتصادي لشعبيهما اعتمادا على إمكاناتهما الكبيرة وموقعهما الاستراتيجي المتميز، فمصر تتوسط قارات العالم القديم الثلاث وتطل على بحرين هامين هما الأحمر والمتوسط، ويمر بها قناة السويس، أهم ممر ملاحي على مستوى العالم، ولديها حضارة عريقة وعلاقات طيبة بكافة دول القارة الأفريقية، أما كينيا فتتميز بحدودها الشرقية المطلة على المحيط الهندي الأمر الذي جعلها حلقة وصل تجاري مهمة بين الدول العربية ودول القارة الأفريقية منذ قرون طويلة، كما رشحها موقعها الجغرافي المتميز للقيام بدور قيادي في منطقة شرق أفريقيا وخارجها.
التعاون فى مجال تنمية الموارد المائية فى كينيا
خلال انعقاد أعمال المنتدى الوزاري الرابع للتعاون بين الصين وأفريقيا الذي استضافته مصر في مدينة شرم الشيخ خلال الفترة من 8-9/11/2009، وحضره وزير الخارجية الكينى "موسيس ويتانجولا " على رأس وفد من بلاده، والتقت على هامش أعمال المنتدى بوزير الخارجية المصري وتباحثا حول عدد من القضايا ذات الاهتمام المشترك أهمها التعاون في مجال تنمية الموارد المائية في كينيا، وإمكانية مساعدة مصر لكينيا لمواجهة التصحر وتناقص الأمطار وإعادة تأهيل الغابات الممطرة.
- في مايو 2010... قام " رائيلا أودينجا" رئيس وزراء كينيا بزيارة مصر حيث أكد خلال لقائه بالمسئولين المصريين أن كينيا "لا يمكن أن تفكر أو تتجه إلى الإضرار بمصالح مصر المائية".
- في أبريل 2011... قام نائب وزير الخارجية الكيني "ريتشارد أونيونكا" بزيارة القاهرة لعقد مشاورات سياسية مع عدد من المسئولين في مصر.
التعاون البرلمانى
في 1 ديسمبر 2008... قام كبير قضاة كينيا "جونسون إيفينس جبشيرو " بزيارة مصر للتعرف على طبيعة عمل وزارة العدل المصرية والنظام التشريعي بها، وأجرى بها عددا من اللقاءات مع نظرائه بوزارة العدل المصرية.
وفى17 يوليو 2009 قام كينيث ماريندي رئيس البرلمان الكيني بزيارة مصر لحضور الدورة الثانية للمنتدى البرلماني لدول حوض النيل.
في 15 نوفمبر 2015... أستقبل الرئيس السيسي وفدا من النواب الأعضاء بلجنة الدفاع والعلاقات الخارجية في برلمان كينيا برئاسة النائب " أندونجو جيتينجى" الذي أشاد خلال اللقاء بتطور العلاقات الاقتصادية مع كينيا في ضوء أنها تعد الشريك التجاري الأول لمصر في إطار الكوميسا، مؤكدا على أهمية تطوير البنية التحتية ووسائل النقل التي تربط البلدين بالنظر إلى ما سيساهم به ذلك في تعزيز التعاون الاقتصادي والتبادل التجاري.
في 22 يوليو 2019... قام الدكتور "علي عبد العال" رئيس مجلس النواب بزيارة إلى كينيا، لبحث سبل تعزيز العلاقات بين البلدين وتبادل وجهات النظر حول القضايا محل الاهتمام المشترك.
أجرى أيضا مباحثات "مع جاستين موتوري" رئيس الجمعية الوطنية بكينيا.
أكد فيها "عبد العال" على العلاقات التاريخية العريقة بين البلدين والتي تعود إلى المؤسسين الأوائل لكلتا الجمهوريتين (الرئيس جمال عبد الناصر والرئيس جومو كينياتا) وكفاحهما المشترك من أجل الاستقلال. لافتا إلى أن الظروف الراهنة تمثل وقتا ملائما لتعزيز وتطوير العلاقات الثنائية بين البلدين، لا سيما أن هناك العديد من فرص التعاون الواعدة في الكثير من المجالات.
وفي السياق ذاته أشاد "جاستين موتوري" بمستوى التنظيم العالمي لبطولة كأس الأمم الإفريقية التي استضافتها مصر مؤخرا، مؤكدا أن ما قدمته مصر خلال هذه البطولة يؤكد من جديد ريادتها على مستوى القارة الإفريقية.
التعاون الزراعى
في 27 يناير 2020.. التقى "السيد القصير" وزير الزراعة واستصلاح الأراضي، و "جاستن موتوري" رئيس الوطنية الكينية- مجلس الشعب الكيني. بحث الجانبين تكثيف وتعزيز سبل التعاون في المجال الزراعي والأنشطة المرتبطة به بين البلدين. كما ناقش الجانبان تفعيل مذكرات التفاهم الموقعة بين الجانبين، والخاصة بإنشاء مزارع نموذجية مشتركة لإنتاج الذرة الصفراء والأرز والفول الصويا، فضلا عن زيادة فرص التبادل التجاري للحاصلات الزراعية والإنتاج الحيواني بين البلدين. اتفق الجانبان على أن تشمل سبل التعاون أيضا مجال الثروة الحيوانية والطب البيطري، ومساهمة مصر في تطوير المجازر بدولة كينيا، فضلا عن الاستفادة من الأمصال واللقاحات البيطرية التي تنتجها مصر في دعم مجال الطب البيطري بكينيا، كذلك التعاون في تبادل الحيوانات البرية وخاصة السلالات النادرة لضمها لحديقة الحيوان بالجيزة. كما بحثا الجانبين، أيضا سبل التعاون في مجال التدريب، وذلك من خلال المركز الدولي المصري للزراعة التابع للعلاقات الزراعية الخارجية، بحيث يتم إكساب المتدربين الكينيين الخبرات والتكنولوجيات الحديثة في المجالات المرتبطة بالزراعة، وخاصة الري الحديث والمطور، فضلا عن الاستفادة من الخبرات البحثية لدى مركز البحوث الزراعية في نقل الخبرة ونتائج الأبحاث للتطبيق بكينيا.