استهل نقيب المحامين الأستاذ رجائي عطية، حديثه اليومي، قائلًا: «اخترت أن أتحدث لكم اليوم عن الدفع بالتناقض سواءً التناقض فيما بين أقوال الشاهد ذاته، أو التناقض بين أقوال الشهود فيها ما لا يتسق مع قول الآخرين، أو التناقض بين أقوال الشهود والتحريات، أو التناقض بين الأدلة القولية والدليل الفني المتمثل ربما في تقرير الطب الشرعي أو غيره من التقارير الفنية»، وذلك عبر بثٍ مباشر اليوم الأربعاء من مكتبه بالنقابة العامة.
وقال نقيب المحامين، إن الأحكام درجت أن تقول لا يعيب الحكم تناقض أقوال الشهود بفرض وجوده مادام الحكم قد أورد أقوالهم بما لا تناقض فيها، وهو ظاهره صحيح ولكنه يحتاج إلى تحليل، مضيفًا: «الشرط الأول لانتهاء الحكم إلى أن الأقوال التي أوردها لا تناقض فيها أن يكون قد استدل استدلالًا صحيحًا على هذه الأقوال، فإذا ما بنى استدلاله على خطأ في الإسناد أو تحريف في أقوال الشهود بحيث تبدو على غير حقيقتها وتتحول عن معاناها الواضح إلى المعنى الذي أراده الحكم، فلن يسعف الحكم بأنه أورد الأقوال بما لا تناقض فيها إذا كان قد شابه في تحصيل الأقوال خطأ في الإسناد».
وأوضح أن الخطأ في الإسناد، هو أن ينسب إلى الشاهد أو المتهم أو القائل عمومًا ما يختلف عما أبداه الشاهد وأدلى به، متابعًا: «قائمة أدلة الثبوت التي تقدم إلى محكمة الجنايات تتضمن شهادات الشهود، ونجد على سبيل المثال أن الشاهد الثاني شهد بمضمون ما شهد به الشاهد الأول، وشهد الشاهد الثالث بمضمون ما شهد بيه سابقيه، وتعزف النيابة عن إيراد هذه الأقوال».
وشدد نقيب المحامين، على أن مهمة كل محامي أن يراجع العناصر الجوهرية الواردة في أقوال الشاهد الأول المبني عليها الحكم، ويجب أن تثبت تلك العناصر في شهادة باقي الشهود وإلا يكون الحكم قد أسند لهم ما لم يشهدون به، ويكون بذلك انطوى على عيب هو الخطأ في الإسناد ومخالفة الثابت في الأوراق، مشيرًا إلى أنه لمعرفة ذلك يجب الرجوع إلى تحقيقات النيابة ومراجعة أقوال الشهود الواردة بها ومعرفة مدى اتساقها مع العناصر الجوهرية الواردة بشهادة الشاهد الأول.
وذكر نقيب المحامين: «يشترط ليستقيم القول بأن الحكم قد أورد الأقوال بما لا تناقض فيه، أن يكون قد بنى هذا على خطأ في الإسناد ومخالفة في الثابت بالأوراق وفساد الاستدلال بأن تستشهد بما لا يجوز الاستشهاد به لتنسب إلى الشاهد ما لم يقله، وكذا البتر والتحريف؛ فيجوز للمحكمة أن تجزأ أقوال الشاهد، وشرط هذا ألا تخرج بالشهادة عن معناها وعن عباراتها الواضحة، فإذا ما خرج فإن هذا يعيب البتر والتحريف في أقوال الشاهد وبالتبعية الفساد في الاستدلال».
وأشار نقيب المحامين، إلى أنه في معظم الأحيان ينطوي الدفع بالتناقض على تكذيب أقوال الشهود، وقضاء محكمة النقض استقر على أن الدفع بتكذيب أقوال الشهود أو التحريات أو بنفي حدوث الفعل، هذا دفع جوهري لا يجوز لمحكمة الموضوع مصادرته قبل أن ينحسم أمره بتحقيق تجريه بنفسها بلوغ إلى غاية الأمر فيه أو أن ترد عليه بما يدحضه.
وأردف: «التحقيق الذي تجريه المحكمة بلوغًا إلى غاية الأمر فيه، رقعة يستطيع المحامي أن يبدع فيها فهو ليس مقيدًا بقائمة أدلة الثبوت التي تقدمها النيابة العامة، فيجب على المحامي أن يقرأ القضية برمتها ويستخرج منها ما يثبت به أن الدفع بتكذيب أقوال الشهود دفع صحيح، وله في هذه الحالة أن يتساند إلى أقوال المتهم، وتحريات ضابط أخر، وشاهد لم تدخله النيابة في قائمة أدلة الثبوت، وأقوال شاهد نفي، ومحرر رسمي أو عرفي يثبت عدم صدق الشاهد، ففي التحريات عندما توضح عنوان شخص ثم يستبين أنه مخالف لذلك فهو دليل قاطع على عدم جدية التحريات».
وعن الدفع بالتناقض بين الدليل الفني والدليل القولي؛ صرح نقيب المحامين: «هذا دفع بالغ الخصوصية يستوجب ما أسلفناه سابقًا إضافة إلى أن هذا الدفع في جميع الأحوال يستوجب من المحكمة إجراء تحقيق وعليها أن تلجأ إلى أهل الخبرة لاسيما إذا كان موضوع الدفع يتصل بمسألة فنية بحتة ليست من العلم العام الذي يتاح للقاضي أن يعرفه دون الرجوع إلى أهل الخبرة، وضرورة تحقيق هذا الدفع تعود إلى أن الدليل القولي خاضع لذمة الشاهد فهو نسبي خاضع لما يخضع له الإنسان من استقامة أو انحراف، وإنما الدليل الفني لا يكذب أبدًا فالبصمة على سبيل المثال ثبت أنها لا تتكرر في شخصين».
وأكمل: «عندما تكون قارأ جيد ستجد نفسك لديك قدرة إبداعية فكما قال عبد العزيز باشا فهمي أثناء احتفالية إنشاء محكمة النقض عام 1931 وكان أول رئيس لها، أن هناك فارق بين المبدع والمرجح فالمحامي مبدع والقاضي مرجح»، مضيفًا: «الطب الشرعي لا يدرس في كلية الحقوق مؤخرًا، ولكن المحامي المهتم يجب أن يقرأ في الطب الشرعي ومراجعه العلمية»، موجهًا نصائح مهمة في هذا الشأن.
وأفاد نقيب المحامين، بأن اطلاع المحامي وقراءة التقرير الفني بصفة عامة هي والعدم سواء إذا لم يكن ملمًا ومدركًا لما يقرأه، فالمحامي ليس من الأوساط ولن ينجح في المحاماة إذا كان من الأوساط، وهناك فارق بين المحامي وأي مهني أخر، فيجب على المحامي أن يكون ملمًا بعديد من المعارف والعلوم والأديان، لأنه كلما زادت الإحاطة واتسعت كلما كانت الرؤية أوسع وأشمل.
وقال نقيب المحامين، إن السعر المرتفع للكتاب مشكلة لكبار وشباب المحامين، فمهما كانت للمحامي ميزانية لن يستطيع أن يكون قادرًا على اقتناء كل الكتب، والمكتبات العامة تنقرض الآن، والحل يتمثل في شبكة الإنترنت وما يتوفر عليها من معلومات ومواقع كمحكمة النقض، ومجلس الدولة، وكليات الحقوق، إضافة للكتب المتوفرة بصيغة PDF، لتجد نفسك قادرًا على الاطلاع على ما تريد دون أن تنفق مليمًا واحدًا، إضافة لإمكانية طبع ما تريد.
وأختتم كلمته قائلًا: «مصمم على أن أعيد بكم الحياة إلى المحاماة، وأن أعيد لها الأمجاد التي كانت ولن تعود إلا بكم، أرجو أن تتقدموا وترتفعوا إلى المحاماة فهني رسالة عظيمة يكفينا فخرًا أننا نحمل عبئها ونؤدي ولو بعض رسالاتها.. أطيب أمنياتي لكم بالتوفيق والنجاح».