13 أكتوبر 1988.. يوم لا يُنسى لمصر والعرب، عندما أُعلن فوز الأديب الراحل نجيب محفوظ بـ جائزة نوبل في الآداب، كأول وأخر عربي ينال هذه الجائزة في الآداب.
جائزة مستحقة أضافت للأدب العربي كثيرًا، وكانت اعترافا متأخرا بقيمة "محفوظ" في الأدب العربي والعالمي أيضًا، نظرا لأعماله التي كانت تبحث عن العدل والحق وكفاح الإنسان الأبدي لتحقيقهما.
وحتى يوم حصوله عليها، لم يكن نجيب محفوظ يتوقع أن يتلقى خبرا يقول له "مبروك لقد فزت بنوبل في الأدب".
وفي كتاب "صفحات من مذكرات نجيب محفوظ"، للناقد رجاء النقاش، يكشف أديب نوبل العالمي كواليس إخباره بنبأ فوزه بالجائزة العالمية، وماذا فعل في صباح ذلك اليوم.
اقرأ أيضًا: "جراد بيحط على أرض خضرا".. كيف فضح مسلسل "أرابيسك" أجداد أردوغان؟
في البداية، يؤكد "محفوظ" أنه لم يضع جائزة نوبل في ذهنه على الإطلاق، مضيفًا: "أحمد الله على ذلك، فلو كنت أعطيتها اهتماما مبالغا فيه، لكان حدث لي "حرق دم" من متابعتها سنويا، أو من انتظار وصولها إليّ".
وحتى يوم إعلان فوزه بالجائزة، وهو الخميس 13 أكتوبر 1988، لم يكن لدى نجيب محفوظ أي توقع للفوز فماذا فعل في ذلك اليوم؟.
يجيب: "ذهبت إلى جريدة الأهرام كعادتي، وجلست مع الأصدقاء والزملاء، وتحدثنا في موضوعات شتى، كان من بينها جائزة نوبل المنتظر إعلانها في ذلك اليوم، وقلت لها إننا سوف نقرأ في الصفحة الأولى من الأهرام يوم غد الجمعة، خبرا صغيرا عنها كالمعتاد، ونعرف من فاز بها".
بعد إنهاء عمله في جريدة "الأهرام"، عاد "محفوظ" إلى بيتهم: "كانت زوجتي بمفردها ترتدي زي المطبخ وتكاد تنتهي من إعداد الغداء، أما ابنتاي فهما في عملهما تناولت الغداء ودخلت غرفة النوم لأستريح".
اقرأ أيضًا: نجم الحرب العالمية.. سر حصول "السياسي" تشرتشل على جائزة نوبل
دقائق معدودة مضت لم تكن كافية كي يستغرق "محفوظ" في النوم، حتى جاءته زوجته لتوقظه في لهفة قائلة: "قوم.. قوم.. الأهرام اتصلوا بك وبيقولوا إنك أخدت جايزة نوبل"!.
يقول نجيب محفوظ عن رد فعله في تلك اللحظة: "استيقظت وأنا في غاية الغضب، معتبرا كلام زوجتي مجرد هلوسة خاصة بها، لأنها منذ عدة سنوات سابقة، وهي دائمة الحديث عن جائزة نوبل وأحقيتي في الفوز بها".
كانت الأحداث تتسارع بشدة يُكمل "محفوظ": "فيما أتكلم مع زوجتي دق جرس التليفون، وكان المتحدث الأستاذ محمد باشا الصحفي بالأهرام، وبادرني بالتهنئة: "مبروك يا أستاذ"! فرددت عليه: "خير إن شاء الله". قال لي إنني فزت بجائزة نوبل، فلم أصدقه، فأعطى سماعة التليفون إلى الأستاذ سلامة أحمد سلامة مدير تحرير الأهرام الذي حدثني بصوت تملؤه الفرحة: "مبروك يا أستاذ.. شرفتنا"!.
حتى تلك اللحظة كان "محفوظ" يظن أن كل هذا مجرد دعابة من محمد باشا، بل إنه فكر "أنه ربما أراد أن يدبر لي مزاحا باردا، واستعان بأي شخص بجانبه يمكنه تقليد صوت الأستاذ سلامة أحمد سبامة".
لكن ما كان يحدث لم يكن دعابة، بل كانت حقيقة ستظل خالدة إلى يومنا هذا، يواصل "محفوظ": "لم تمض سوى دقائق معدودة، كنت أجلس خلالها في فراشي محتارا وغير مصدق، حتى دق جرس باب الشقة، وفتحت زوجتي وهي بعد بملابس المطبخ".
كان الضيف رجلا أجنبيا طويلا ومعه مجموعة من المرافقين، فنهض "محفوظ" من فراشه إلى الصالة مرتديا "بيجامة" النوم، ونظر إلى الرجل الذي كان يحسبه صحفيا، لكنه فوجئ عندما قال احد مرافقيه: "هذا سعادة سفير السويد".
يختم نجيب محفوظ المشهد قائلا: "هنأني السفير بالجائزة وقدم لي هدية رمزية عبارة عن قدح من البنور أشبه بصناعات خان الخليلي، واستأذنت منه ودخلت غرفتي وارتديت بدلة، لأنني تأكدت أن المسلة جد".