52 سنة مرت على رحيل الثائر الأرجنتيني العالمي إرنستو تشي جيفارا، عندما اغتالته المخابرات الأمريكية في مثل هذا اليوم، 9 أكتوبر، عام 1967، عن عمر ناهز 39 سنة، وهو في شبابه.
كان "جيفارا" ثائرًا يجوب العالم لمساندة الشعوب الحرة بالكلمة وبالسلاح أيضًا، بعد أن أدى دوره في الثورة الكوبية مع رفيقه فيدل كاسترو، وظل إلى الآن رمزا وملهما لكثير من شباب ودول العالم.
وقبل وفاته بسنتين، كان "جيفارا" في زيارته الثانية لمصر عام 1965، وجرت مناقشات مطولة بينه وبين الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، شهدت اختلافًا بينهما في وجهات النظر، حول فكرة الذهاب إلى دول أخرى للقتال مع الثوار فيها.
اقرأ أيضًا: "ومن الحب ما سجن".. الحبس 7 سنوات لشخص أراد مُصالحة حبيبته بـ"بوكيه ورد"
ففي كتاب "عبد الناصر والعالم"، يروي الكاتب الصحفي الراحل محمد حسنين هيكل، تفاصيل ما دار بين "ناصر" وجيفارا"، وهو ما نستعرضه في السطور التالية.
كان "جيفارا" يشعر بالضيق من بعض الأخطاء التي وقعت فيها الثورة الكوبية، لذلك كان يريد أن يذهب إلى مكان آخر في إفريقيا أو أمريكا اللاتينية ليساند الثورة هناك.
وذات ليلة، في القاهرة، فاتح "جيفارا" الرئيس "عبد الناصر" في الفكرة، قائلًا: "إنني أرى أنه يجب أن نفعل المزيد من أجل الثورة في العالم. وقد فكرت في أنه يتعين عليّ أن أتوجه إلى أفريقيا لأفعل شيئا ما. إن لي خبرتي وتجربتي في النشاطات الثورة وفي التنظيم الثوري وأعتقد أن الأسباب مهيأة في أفريقيا".
كان "ناصر" معارضًا لهذه الفكرة، فرد على "جيفارا" قائلا: "إنك تدهشني.. إذا كنت تريد أن تصبح "طرزانا" ثانيا، فإن ذلك لن يفلح"، وكان الرئيس المصري يقصد صعوبة أن يقحم رجل أبيض نفسه بين الزنوج ليقودهم ويحميهم.
يضيف "هيكل" إن تشي جيفارا ضحك من فكرة تحوله إلى "طرزان"، وانتهى الاجتماع في تلك الليلة.
لكن في يوم آخر، تجدد طرح الموضوع، فقال جمال عبد الناصر لـ"جيفارا" محذرًا إياه للمرة الثانية: "عليك – قبل كل شيء – أن تنسى كليا فكرة الذهاب إلى الكونجو هذه. إنها لن تنجح وسوف يُكتشف أمرك بسهولة لأنك رجل أبيض. وإذا رافقك آخرون من البيض فإنك ستعطي الاستعماريين فرصة أن يقولوا إنه ليس هناك فارق بينكم وبين الجنود المرتزقة".
وأخذ "ناصر" يشرح وجهة نظره أكثر كي يقتنع بها "جيفارا"، فقال: "إنني أعتقد بأن الثورة ظاهرة عالمية النطاق لا تفرق بين مختلف الألوان والأجناس ولكن هناك أشياء معينة يجب أن تدخل في الاعتبار، أن ما ينبغي علينا عمله هو أن نساعد الإفريقيين. ولنحاول في هذا أن نعطي كل شعب الحق في أن يفعل ما يعتبره صائبا".
وأكمل: "لكنك إذا ذهبت إلى الكونجو مع الكتيبتين الكوبيتين وإذا أرسلت معك فيلقا مصريا فإن عملنا سيوصم بأنه تدخل أجنبي وسيؤذي أكثر مما يفيد".
اقرأ أيضًا: بعد حذف اسم الهارب محمد على.. هذه رحلة "مضبطة البرلمان" من الجلسات للأرشيف
لم يغير "جيفارا" رأيه، وفي الاجتماع الأخير مع "ناصر"، قال للرئيس أنه لن يبقى في كوبا، لكنه لم يحدد بعد إلى أين سيذهب، لكنه أضاف عبارة أحزنت عبد الناصر: "سأقرر أين سأعثر على مكان أكافح فيه من أجل الثورة العالمية وأقبل تحدي الموت".
سأله "عبد الناصر" على الفور: "لماذا تتحدث دائما عن الموت؟ إنك شاب. إن علينا أن نموت من أجل الثورة إذا كان ذلك ضروريا، ولكن من الأفضل بكثير أن نعيش من أجلها"، لكن "جيفارا" كان أدرى بقدره، حسبما يروي "هيكل".
ذهب تشي جيفارا إلى الكونغو بالفعل، ومنها انتقل إلى بوليفيا، "لكنه وجد هناك ما كان عبد الناصر قد حذره منه. لم تكن هناك قاعدة ثورية. لقد جاء بالشرارة ولكن البارود لم يكن جاهزا للتفجير بعد".
ويختم "هيكل": "أخفق جيفارا.. ثم تعرض للخيانة.. ثم التقى بالموت... وكان شجاعا في لقائه مع الموت.. ولم يهرب وإنما ذهب!".