سكن الهدوء منزلهم كالمعتاد، كانت الأم تجلس برفقة صغيرتيها، على حين غفلة منهم اشتعلت النيران تجاههم، ثواني معدودة والتهمت كل ما في طريقها، حتى جسد الأم وفتياتها ، "إسمي شهد وعمري 14 سنة وأنا عمري 3 سنين اتحرقت وجسمي كله اتشوه"، علت الرهبة والخوف ملامحها التي لم يظهر منها الكثير بسبب الحريق، بدأت تسرد حكايتها بحرص شديد فهي شهد السيد صلاح، الفتاة الصعيدية ابنة محافظة المنيا، قبل 11 عامًا من اليوم، كانت الحياة تسير بشكل طبيعي بعض المشاكل التي لم تتخطى حاجز أن تعنفها والدتها على خطأ فعلته، لم تدري الصغيرة أنّ الحياة ستتبدل تمامًا في ثواني معدودة.
الحكاية بحسب رواية شهد، أنّه وأثناء تواجدهم بالمنزل نشب حريق مفاجئ، الأمر الذي أدى لوفاة شقيقتها الكبرى ووالدتها، وإصابتها بحروق خطيرة في كآفة جسدها، صمتت الفتاة ولم تتحدث خاصة بعد السؤال عن والدها، والتي أخبرتنا أنّها لا تعلم عنه شيئ فقط أخبروها أنّه "مسافر"، رواية الصغيرة لم تكتمل بعد هناك بعض الخبايا بها والتي اكتشفناها لاحقًا، القصة التي لم ترد الفتاة أن تتذكرها خاصة وأنّ والدها كان السبب فيما وصلت إليه.
فقبل أيام قليلة من تلك الليلة، ظهرت مشاكل بين والد شهد ووالدتها، الأمر الذي دفع الأب لإشعال النيران في منزله أثناء تواجد زوجته وابنتيه بالداخل والهروب على الفور، بعض الأهل والأقارب نقلوا الصغيرة وشقيقتها ووالدتها إلى المستشفى، وبعد علمهم بوفاة الأم والإبنة الكبرى، انتهوا من إجراءات دفنهم وتركوا الصغيرة خلفهم راحلين بالأم والفتاة الكبرى فقط.
"أنا معرفش حاجه عن عيلتي ولا أعرف هما مين" قضت شهدت أيامًا عديدة بداخل أروقة المستشفى جلست وحيدة دون رفيق، لا يعتني بها سوى الممرضات، حتى وصلت قصتها إلى إحدى الجمعيات الخيرية، والتي بدأت بدورها تبحث عن حياة جديدة للفتاة الصغيرة، حياة سيلازمها الألم بها، ولأنّ الحريق لم يكتفي فقط بترك أثرًا في جسد الفتاة يمكن إخفاؤه لكنّه تمكن أيضًا من ملامح وجهها، وبالرغم من محاولة إجراء العديد من العمليات الجراحية إلّا أنّ الأمر لم يفلح كثيرًا، مما جعل هناك صعوبة كبرى في محاولة البحث عن مسكن بديل للصغيرة، وظلت بالجمعية لما يقرب من عامين قبل موعد الرحيل.
بحروف متعلثمة حاولت أن تفصح عما بداخلها فهي الفتاة صاحبة الـ١4 عاما، والتي قضت بعض حياتها برفقة أسرة صغيرة تتكون من أب وأم وأخت كبرى كانت بمثابة الصديقة، لمكان لا يرافقها به من في عمرها فأصغر سكانه تجاوزوا الخمسين، في البداية كانت الرهبة والخوف هي السائدة، يومًا بعد يوم لم تجد سوي حضن هؤلاء الذي تقبلها بعدما رفضها الآخرون.
"فتاة الـ14 تسكن دار المسنين".. أسابيع قضاها أهل الخير في البحث عن ملجأ أيتام يقبل الصغيرة، لكن وفي كل محاولة لدخول إحدى الملاجئ يأتي الرفض بالجملة المعتادة "الأطفال هيخافوا منها"، حتى جاءت نهاية رحلة البحث لكن بداخل إحدى دور المسنين والتي لم يكن هناك أملًا سواها، خاصة وأنّ الصغيرة رفضتها كآفة دور الأيتام، بسبب ملامح وجهها، وبالفعل استقرت شهد بداخل دار للمسنين بأسيوط، لتبدأ بداخلها رحلة جديدة.
7 سنوات قضتها شهد بداخل دار المسنين، الفتاة التي بلغت اليوم من العمر 6 أعوام حينها، أصابتها الدهشة في البداية بعدما وجدت نفسها تقطن برفقة سيدات في أعمار أجدادها، لكنّ أهل الدار قرروا أن يهيئوا للصغيرة المناخ الذي لاتشعر فيه كونها غريبة عنهم، في البداية كان التأقلم صعبًا لكن بعد ذلك، باتت هي البسمة والبهجة التي ترسم على وجوه ساكني هذا المكان.
"في الدار كلهم بيلعبوا معايا وبيعملوا كل حاجه أنا بحبها" لم تنتهي الحكاية بعد شهد اصبحت هيا الروح التي تسكن بداخل دار المسنين يوقظها الجميع مبكرًا حتى تجلس برفقتهم أكبر وقت، الحياة باتت إلى حد ما تبتسم للصغيرة، ربما تجد معاناة بعض الشيئ في مدرستها من زملائها الذين لم يتقبلها بعضهم في البداية، فالصغيرة تدرس بالصف الأول الإعدادي، لكنّها تأقلمت على هذا الوضع، تحلم أن تصبح طبيبة أطفال عسى أن تخفف الآلام عن الصغار خاصة وأنّها عانت كثيرًا.
أنهت الحوار ولازالت الضحكة التي ارتسمت على وجهها منذ بداية الحديث متواجدة، البسمة التي كانت كفيلة أن توصل رسائل عديدة للغير، فشهد الفتاة المقاتلة والتي لازالت تقاتل الألم والمجتمع أيضًا الذي تسبب في أذيتها أكثر من النار، لكنّها واجهته بكل شجاعة وصمدت أمامه.