فى 18 نوفمبر عام 2012 تم تجليس البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، على كرسي مارمرقس الرسولي ليكون البابا الـ 118 من باباوات الإسكندرية.
جاء البابا تواضروس، فى الفترة التى شهدت خلالها الكنيسة الكثير من الأحداث عقب ثورة 25 يناير، وظهور الجماعات التكفيرية، وسط عمليات حرق الكنائس وتفجيرها والهجوم على المقر البابوى، ورغم تتابع الأحداث العضال وآخرها قتل الأنبا إبيفانيوس رئيس دير أبومقار بوادي النطرون فى يوليو الماضي على يد راهب، ختامًا بالهجوم على أتوبيس يقل أقباطًا عائدين من أحد الأديرة فى المنيا؛ إلا أنه كان صابرًا، رغم الألم، متسلحًا بالأمل فى القضاء على هؤلاء الإرهابيين عن قريب.
وانتهج البابا تواضروس العديد من الإجراءات الإدارية للانتقال بالكنيسة من إدارة الفرد، إلى الإدارة المؤسسية، عبر عدد من الإجراءات، ونحن إذ نستعرض فى السطور التالية أبرز القرارات التى اتخذها فى الـ6 سنوات رعاية، بالإضافة إلى مواقفه الوطنية.
لوائح رسامة الأساقفة
بعد أن تولى البابا تواضروس رعاية الكنيسة المصرية، أصدر لوائح لرسامة الأساقفة والكهنة ومجالس الكنائس، وفي مصر اختار البابا الأنبا دانيال أسقف المعادى ليكون نائبا بابويا فى حالة سفره للخارج، وكذلك الأمر فى أوروبا وأمريكا، باختيار نائب بابوى فى كل منطقة، وبذلك تنتقل الكنيسة من نظام إدارة الفرد إلى نظام الإدارة المؤسسي.
الحوار مع الكنائس
حدث صراع بين مجموعة من الأساقفة المقربين من البابا شنودة فى نهاية عهده، على من يخلفه، حتى جاء البابا تواضروس، وفتح الباب للحوار مع الكنائس الأخرى بشكل جدي، وبدأ يعتمد على الراحل الأنبا إيفانيوس، رئيس دير أبومقار بوادى النطرون؛ ليمثل الكنيسة القبطية فى عديد من الحوارات والمؤتمرات.
تطوير التعليم الكنسي
شهد التعليم الكنسى تراجعًا كبيرًا منذ القرن الخامس الميلادى، وتقف الكنيسة حاليًا أمام تحد "التعليم الكنسى" خاصة مع اتساع الكنيسة القبطية الأرثوذكسية حول العالم فى عهد البابا شنودة، وأزمة ارتباط أبناء المهاجرين من الجيلين الثالث والرابع بالكنيسة الأم فى مصر، لاختلاف لغتهم وثقافتهم.
حاول الأب متى المسكين ورهبان دير أنبا مقار، عمل دراسات وترجمات لبعض كتابات آباء الكنيسة الأوائل إلا أن هذا المشروع لم تتبنه الكنيسة على المستوى الرسمي، ذلك لعداء الراحل البابا شنودة الثالث مع الأب متى ونهجه ورهبان الدير.
عندما جاء البابا تواضروس، بدأ فى تغيير قيادات الكلية الأكلريكية، وأدخل بعض المواد الدراسية مثل الفلسفة، كما استدعت الكلية أساتذة من الجامعات المصرية؛ للتدريس بها، كمحاولة لتحريك المياه الراكدة.
وفتح البابا تواضروس، الباب أمام دير الأنبا مقار ورسم أسقف لرئاسة الدير، اختاره رهبانه، هو الأنبا إبيفانيوس أحد تلاميذ متى المسكين، والذى قتل فى 29 يوليو الماضى، ومتهم فى القضية 2 من رهبان الدير المرسومين حديثا، وقال تواضروس، إن الأنبا إبيفانيوس يعتبر "عمودا رئيسيا" فى تطوير التعليم الكنسي، لأنه يمثل نهج الأب متى.
أزمة الأحوال الشخصية
منذ أن أجرى الراحل البابا شنودة الثالث تعديلًا على لائحة 1938 للأحوال الشخصية، والتى كفلت 9 أسباب للطلاق، من بينها تغيير الملة والزنا، وبموجب التعديل ألغيت كافة الأسباب عدا "علة الزنا"، وبدأت الأمور تتعقد حتى انفجرت مشكلة الأحوال الشخصية فى وجه الكنيسة، حيث أصدر لائحة أحوال شخصية جديدة حظيت بموافقة المجمع المقدس للكنيسة منذ عامين، لتشمل أسباب الطلاق لدى الأرثوذكس؛ بعدما كانت مقتصرة على "علة الزنا" طوال السنوات العشر الماضية، واعتبرت الهجر لمدة 5 سنوات سببًا للزنا المؤدى للطلاق، كذلك شرعت أسبابًا لفسخ الزيجة، من بينها الإصابة بالأمراض أو الإلحاد أو الجنون، وهى التى لم تكن مشمولة من قبل.
وأصدر البابا تواضروس، لائحة جديدة للمجلس الأكلريكى لتنظيم عمله، قسمت المجلس إلى 6 مجالس أحدها للقاهرة وإفريقيا، والثانى للإسكندرية ووجه بحري، والثالث للوجه القبلى، والرابع لأوروبا، والخامس للأمريكتين، والسادس لآسيا وأستراليا.
مشكلات الرهبنة
وضع البابا تواضروس الثانى، الرهبنة على رأس أولوياته بعدما تم تجليسه على الكرسي المرقسي، حيث عقد سيمنار عن الرهبنة فى يناير 2013، قدم خلاله رهبان دير الأنبا مقار، ورقة، بعنوان "الواقع والأمل"، حول مشكلات الرهبنة التي صارت تعاني منها، وكيف يمكن علاجها، ومنذ السيمنار الأول يعقد البابا كل عام واحدًا مماثلًا.
وكشفت حادثة قتل الأنبا إبيفانيوس، رئيس دير أبو مقار، على يد راهبين، أن الرهبنة تعانى من مشكلات كثيرة، مما جعل البابا تواضروس خلال الكلمة التى ألقاها فى جنازة الأنبا إبيفانيوس، يطلب من الرهبان عدم التحزب، مذكرهم بأنهم ينتمون للقديس الأنبا مقار الكبير أحد أعمدة الرهبنة فى برية شهيت بوادى النطرون.
وعقب تلك الحادثة التى اهتزت لها الكنيسة المصرية، أصدر البابا ولجنة شئون الأديرة والرهبنة بالمجمع المقدس، 12 قرارا لضبط الرهبنة، والتى انزعج بسببها عدد من الرهبان وشعروا بالضيق.
وجاءت قرارات الكنيسة كالتالى:
1- وقف رهبنة أو قبول أخوة جدد فى جميع الأديرة القبطية الأرثوذكسية داخل مصر لمدة عام يبدأ من أغسطس 2018.
2- الأماكن التى لم توافق البطريركية على إنشائها كأديرة سيتم تجريد من قام بهذا العمل من الرهبنة والكهنوت والإعلان عن ذلك، مع عدم السماح بأى أديرة جديدة إلا التى تقوم على إعادة إحياء أديرة قديمة، ويتم ذلك من خلال رعاية دير معترف به.
3- تحديد عدد الرهبان فى كل دير حسب ظروفه وإمكاناته وعدم تجاوز هذا العدد لضبط الحياة الرهبانية وتجويد العمل الرهبانى.
4- إيقاف سيامة الرهبان فى الدرجات الكهنوتية "القسيسية والقمصية" لمدة 3 سنوات.
5- الالتزام بعدم حضور علمانيين على الإطلاق فى الرسامات الرهبانية؛ لحفظ الوقار والأصول الرهبانية الأصيلة.
6- تستقبل الأديرة الزيارات والرحلات طوال العام باستثناء فترة صوم الميلاد والصوم الكبير، فتكون أيام "الجمعة والسبت والأحد" فقط من كل أسبوع، والتحذير من زيارة الأماكن غير المعترف بها، وهى مسئولية الإيبارشيات والكنائس.
7- الاهتمام والتدقيق بحياة الراهب وإلتزامه الرهبانى داخل الدير، واهتمامه بأبديته التى خرج من أجلها، ودون الحياد عنها.
8- كل راهب يظهر إعلاميًا بأي صورة ولأي سبب وبأي وسيلة، أو يتورط فى أى تعاملات مالية أو مشروعات لم يكلفه بها ديره، أو يتواجد خارج الدير بدون مبرر أو الخروج بدون إذن مُسبق من رئيس الدير، يعرض نفسه للمساءلة والتجريد من الرهبنة والكهنوت وإعلان ذلك رسميًا.
9- لا يجوز حضور الأكاليل والجنازات للرهبان إلا بتكليف وإذن رئيس الدير بحد أقصى راهبين.
10- إعطاء الرهبان فرصة لمدة شهر لغلق أى صفحات أو حسابات على وسائل التواصل الاجتماعى والتخلي الطوعي عن هذه السلوكيات والتصرفات التى لا تليق بالحياة الرهبانية، وقبل اتخاذ الإجراءات الكنسية معهم.
11- مناشدة جموع الأقباط بعدم الدخول فى أى معاملات مادية أو مشروعات مع الرهبان أو الراهبات وعدم تقديم أى تبرعات عينية أو مادية إلا من خلال رئاسة الدير أو من ينوب عنهم.
12- تفعيل دليل الرهبنة وإدارة الحياة الديرية الذى صدر من المجمع المقدس فى يونيو 2013 وهى مسئولية رئيس الدير ومساعديه.
رعاية أقباط المهجر
يولي البابا تواضروس اهتمامًا كبيرًا بأقباط المهجر ويحرص دائمًا على التواصل معهم، ففى عام 2015 قام البابا تواضروس بجولة رعوية إلى الولايات المتحدة الأمريكية لتفقد أقباط المهجر، وأيضًا فى شهر سبتمبر 2018، أجرى جولة رعوية إلى أمريكا استغرقت شهرًا كاملًا، ونتج عنها مكاسب كبيرة، حيث تفقد خلالها الإيبراشيات هناك وتم تدشين عدد كبير من الكنائس، وتعميد عدد من الأطفال، بجانب رسم الأساقفة، فضلًا عن الحديث مع أقباط المهجر ومعرفة مشكلاتهم.
الملتقى العالمي الأول لشباب الكنيسة
يسعى البابا تواضروس الثاني إلى التقرب من الشباب والتفاعل معهم لأنهم المستقبل، إيمانا بدورهم فى التنمية والتطوير وخدمة الكنيسة، فدائمًا ما يحرص على مشاركتهم بكافة المؤتمرات والندوات التوعوية التى تنظمها الكنيسة الأرثوذكسية، التى تولي اهتمامًا كبيرًا بهم فكريًا وروحيًا وعلميًا.
نظمت الكنيسة الأرثوذكسية ملتقى عالميًا لشبابها، فى نهاية أغسطس الماضي، أقيم للمرة الأولى فى تاريخها، ويجمع ٢٠٠ من شباب الكنيسة القبطية من المهاجرين فى ٣٠ دولة من ٥ قارات بالعالم، تحت شعار "عودة للجذور".
المواقف الوطنية
بدأ عهد البابا تواضروس، بأحداث صعبة، بفض اعتصامى رابعة والنهضة، وحرق الكثير من الكنائس والهجوم على المقر البابوي، بالإضافة إلى الأحداث الطائفية، ولكنه تعامل معها بحكمة شديدة، وترك الجهات المعنية تحقق فى هذه الأحداث، وأكد وقتها أن هذه الأحداث لن تنال من قوة ووحدة الشعب المصرى، وأطلق جملته الشهيرة "وطن بلا كنائس أفضل من كنائس بلا وطن".
عقب ثورة 30 يونيو، التقى البابا تواضروس بوفد من الكونجرس الأمريكي، وأكد لهم أن أوضاع المسيحيين فى مصر تحسنت كثيرًا وأنهم والمسلمين يعيشون جنبًا إلى جنب فى سلام، وأن للحرية ثمنا غاليا و"حرق الكنائس هو جزء من هذا الثمن نقدمه لبلادنا بصبر وحب".
وأعلن البابا تواضروس، خلال زيارته لموقع مشروع قناة السويس الجديدة عام 2015، برفقة وفد كنسى من الأساقفة والكهنة، عن تبرع الكنيسة بمبلغ مليون جنيه لصالح المشروع.
ولم تتوقف مواقف البابا عند ذلك فقط، ففي سبتمبر 2018، خلال زيارته الرعوية إلى أمريكا كان حريصًا على تصحيح الصورة السيئة عن مصر فى العالم، حيث قال لأقباط المهجر بأمريكا إن الأخبار التى تصل لهم عن مصر كاذبة، مؤكدًا تحسن أحوال المسيحيين فى مصر فى عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي.
ولم يكتف بذلك؛ بل استعرض البابا فى أمريكا مشروعات الطرق والكبارى الضخمة التى طورتها وأنشأتها مصر فى الفترة الأخيرة، كما ألقى الضوء على مشروع قناة السويس الجديدة، وقال إن مصر تنهض سياسيًا واقتصاديا فى عهد الرئيس السيسى، حيث أعلن وقوفه بجانب الدولة ومؤسساتها فى محاربة الإرهاب الغاشم والتصدى له، موضحًا الدور الكبير الذى يقدمه فى التصدي للتطرف وحماية أمن واستقرار البلاد.