”مصر - إيطاليا”.. السيسي يُعيد رباط ”العزيز” مع جنوب أوروبا

الثلاثاء 13 نوفمبر 2018 | 11:51 صباحاً
كتب : سارة محمود

علاقات لم تسِر على وتيرة واحدة، فتختلف من رئيسٍ لآخر، ومن عامٍ لعامٍ بين انقطاعها الدبلوماسي، أو الحرص على دعمها بين الدول؛ فلم تكن العلاقات المصرية الإيطالية وليدةَ اللحظة وإنما تمتد جذورها لسنوات طويلة؛ فكانت البداية منذ خروج الرومان من مصر، وتناميها في عهد محمد علي، ثم انقطاعها في عهد مرسي، حتى جاء المنقذ الوحيد الرئيسي عبدالفتاح السيسي ووطد العلاقات من جديد بين مصر وإيطاليا.

 

شهدت العلاقات المصرية الإيطالية، منذ أن تولى الرئيس عبدالفتاح السيسي حكم البلاد، زخمًا كبيرًا في تطورها بين البلدين خلال السنوات الماضية؛ حيث حافظ كل من البلدين على توطيد العلاقات، لتنتقل العلاقات، مما يمكّن وصفه بالجمود إلى التوافق والتعاون الوثيق في كل المجالات عقب ثورة 30 يونيو 2013.

 

عزيز مصر.. وبناء مصر الحديثة

لم تكن العلاقات المصرية الإيطالية، وليدة السنوات القليلة الماضية؛ حيث ظلّت العلاقات بين البلدين متواصلةً منذ خروج الرومان من مصر، ولكنها تنامت وتشعّبت فى عهد محمد علي، وذلك بعد أن أرسل بعثات تعليمية إلى إيطاليا، لتعلّم فنون الطباعة، مستعينًا بعددٍ من الخبراء الإيطاليين، إلى أن تم تبادل السفراء بينهما عام 1914، لبناء دولة حديثة داخل المحروسة، وظهر ذلك في كل مجالات البحث عن الآثار، والمعادن، بل وفى الدخول إلى السودان، وتصميم مدينة الخرطوم، ورسم خريطة مسح لدلتا النيل.

ومن هنا بدأت تتدفق العلاقات المصرية الإيطالية رسميًّا؛ حيث صمّم الإيطاليون مبنى الأوبرا الملكية، وذلك بناءً على طلب الخديو إسماعيل، احتفالاً بافتتاح قناة السويس، بالإضافة إلى بناء كورنيش الإسكندرية على يد "بييترو آفوسكاني"، أحد المصممين الإيطاليين عام 1891، فيما قامت جاروزو زافاراني، إحدى شركات البناء الإيطالية فى عام 1901، ببناء المتحف المصري الذي يقع في القاهرة.

 

معشوق الفقراء.. مصر وإيطاليا

منذ أن تولى الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، والذي لُقّب بـ"معشوق الفقراء"، حُكم البلاد، وهو يدرك جيدًا عبقرية الجغرافيا السياسية والمكانة التي تتمتع بها مصر في المنطقة العربية والدولية، ولذلك فكان حلمه منذ اللحظات الأولى لحكمه، متمثلاً في تحقيق الريادة بالدول العربية والأفريقية والإسلامية، حتى امتدت لتشمل دول العالم الثالث.

 

ومع فترة حكمه للبلاد، نجح بالفعل في تحقيق هذه الريادة على أرض الواقع، فأصبح أيقونة النضال والقومية العربية، ورمزًا للتحرر الوطني في أفريقيا ودول العالم الثالث، وأصبحت الساحة في تلك الفترة تشهدت تطورًا في توطيد العلاقات بين مصر والبلاد الأوروبية.

كما أهدى "عبدالناصر"، عام 1966، إيطاليا، معبد الليسيه، وتم حفظه بمتحف تورينو؛ حيث كان يقع في بلاد النوبة بقرية أبريم، بالقرب من قصر أبريم، وتم تشييده في عصر الملك تحتمس الثالث.

وتاكيدًا للعلاقات القوية بين الزعيم وإيطاليا، فقد قال جيوسيبي ساراغات، رئيس إيطاليا بين عامي 1964 و1971، إن عبدالناصر وهب حياته من أجل قضية العالم العربي، الذي يعيش مرحلة التنمية، وأصبح قائدًا لشعبه وملهمًا للشعوب الأخرى التي ترتبط به ارتباط العقائد والمشاعر.

 

بطل الحرب وتهدئة الوضع

وفي عهد الرئيس الراحل محمد أنور السادات، الذي كان يُلقب بـ"بطل الحرب والسلام" بدأ استكمال توطيد العلاقات في تلك الفترة، خاصة أثناء تلك الأزمات التي كانت تواجه المنطقة في ذلك التوقيت؛ حيث توجه السادات وحرمه إلى إيطاليا في عام 1974، بشأن تعزيز وتوطيد العلاقات بين البلدين ولتبادل وجهات النظر.

 

مبارك وإيطاليا.. والتوسع في كل المجالات

أما في عهد الرئيس الأسبق، محمد حسني مبارك، فقد شهدت العلاقات بين البلدين، على كل الأصعدة انطلاقة كبيرة خلال الزيارات السابقة عام 1999، والتي نتج عنها توقيع العديد من الاتفاقيات الخاصة بالتعاون الثنائي، والتي كانت أبرزها اتفاقية إعادة تخصيص 146 مليون دولار من الديون الإيطالية على مصر، لتمويل مشروعات للرعاية الاجتماعية بمصر.

بالإضافة إلى أن الحكومتين الإيطالية والمصرية، في تلك الفترة، قد توصلتا إلى توقيع العديد من الاتقافيات للتعاون الأمني والقضائي، ويربط إيطاليا ومصر منذ زيارات مبارك 1999 برنامج للتعاون الموسع لمدة خمس سنوات حتى 2005، ويندرج في ظله بروتوكولات للتعاون في المجالات الاقتصادية والصناعية والثقافية والسياسية والنفطية والعلمية والأمنية.

 

مرسي وانقطاع العلاقات

وبعد ثورة 25 يناير2011 ، ووصول الإخوان متمثلين في محمد مرسي للحكم، اتخذت العلاقات المصرية الإيطالية مصيرًا آخر، بوجه خاص ومع كل الدول بوجه عام، خاصة أنه لم يوضح أو يُشر وقتها إلى أي تبادل في العلاقات على أي مستوى.

 

ومع الإعلان الدستوري لـ"مرسي"، في نوفمبر 2012، توترت العلاقات، رغم مبادرات قيادات جماعة الإخوان وعلى رأسهم سعد الكتاتني، بزيارات مكثفة لطمأنة العلاقات بين الدول، وعلى أن مصر حليف في الشرق الأوسط إلا أن العلاقات اتسمت بعدم الوضوح والضبابية.

 

السيسي يعيد الأمجاد

واستمر الوضع هكذا، حتى تولى الرئيس عبدالفتاح السيسي، حكم المحروسة، حيث كان يعمل جاهدًا، على إعادة العلاقات الخارجية المصرية والإيطالية من جديد، من خلال تكثيف جهودهم لإيضاح وتصحيح الصورة الخاطئة عن مصر لدى الدول الأوروبية.

 

تدهور العلاقات من جديد

ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن؛ حيث تعثّرت تلك العلاقات التاريخية وواجهت أكبر اختبار لقوتها؛ إثر مقتل الطالب الإيطالي "خوليو ريجيني"، وهو طالب دكتوراه في جامعة كمبريدج البريطانية، وكان يجري بحثًا عن الحركات العمالية في مصر، واختفى بشكل غامض في 25 يناير 2016 ، وتسبب هذا الحادث في توتر بين إيطاليا ومصر؛ فقررت الأولى استدعاء سفيرها بالقاهرة للتشاور، وقطع التعاون القضائي بشأن قضية ريجيني قبل استنئافه، إلى جانب قرار مجلس الشيوخ الإيطالي بوقف تزويد القاهرة بقطع غيار لطائرات حربية، ولكن لم يقف السيسي صامدًا أمام هذا الوضع، حتى حاول مرة أخرى في تصحيح المسار، وعودة السياحة الإيطالية مرة أخرى، بالإضافة إلى تجدد العلاقات بين الدولتين.

اقرأ أيضا