وفقًا لتقرير الجارديان كان غيث، البالغ من العمر 26 عامًا، في محاولته الثانية لعبور البحر المتوسط من ليبيا في سبتمبر الماضي عندما انقلب القارب المطاطي في البحر وسط أمواج عاتية. من بين 21 شخصًا على متن القارب، بمن فيهم خمسة أطفال، تمكن ثلاثة فقط من السباحة، بينما تمسك الآخرون بعبوات غاز فارغة وإطارات كانت مثبتة بالقارب.
يقول غيث: "عندما انقلب القارب، تعلق بي طفلان وشعرت أنني أغرق، فتنفست بعمق وتركتهم، لعلهم يتمسكون بالعبوات بدلاً مني. كنت أسمع النساء والأطفال يصرخون 'ساعدونا!'، وفي البداية كنت أردد الأدعية، لكن صوتًا خلفي أثار رعبًا جعلني عاجزًا عن الكلام. ظننت أنه سمكة قرش، لكن تبين أنه رجل يسبح خلفي."
تم إنقاذ جميع الركاب في نهاية المطاف بواسطة قارب صيد عابر، وتم إعادتهم إلى الشاطئ ثم نقلهم إلى مركز احتجاز الزاوية في غرب ليبيا، وهو مركز معروف بتورط الميليشيات المحلية في بيع المحتجزين مقابل فدية.
يصف غيث الوضع في السجن: "كان المكان قذرًا، وكان هناك تفشٍ للجرب، وكان بإمكانك بيع أعضائك للخروج. في زنزانتنا التي تبلغ مساحتها أربعة أمتار مربعة، كان هناك أكثر من 30 شخصًا."
في غضون يوم، اشترت إحدى الميليشيات المحلية غيث من السلطات السجنية وطالبت أسرته بدفع 1,700 دولار (أي حوالي 1,390 جنيهًا إسترلينيًا) للإفراج عنه، وكانت هذه المرة الثانية التي يتعرض فيها للاختطاف وطلب الفدية منذ وصوله إلى ليبيا في يوليو الماضي.
الهروب من سوريا ثم لبنان.. رحلة بحث عن الأمان
غادر غيث وعائلته سوريا قبل عشر سنوات هربًا من المعارك العنيفة بين الثوار وقوات النظام في مدينتهم منبج في ريف حلب. انتقلوا إلى لبنان، حيث عاشوا في طرابلس ثم بيروت، لكن غيث يذكر أنهم عاشوا في ظروف من الفقر والتمييز، مع التهديد المستمر بالترحيل. في عام 2016، حاول العودة إلى منبج، ولكنها كانت تحت سيطرة تنظيم داعش، الذي كان يجبر الشباب على الانضمام إلى صفوفه، فعاد إلى لبنان.
يقول غيث: "لم يكن لدي خيار آخر، لا يوجد طريق للعودة. إما أن تصل إلى هدفك أو تموت. كنت مستعدًا لذلك."
رحلة محفوفة بالمخاطر
في يوليو الماضي، قرر غيث محاولة الوصول إلى أوروبا عبر ليبيا باعتبارها الوجهة الأقل تكلفة. موّل رحلته ببيع منزل العائلة في منبج مقابل 10,300 دولار.
وصل غيث إلى صبراتة، المدينة الساحلية في غرب ليبيا، حيث تواصل مع مهرب محلي للانضمام إلى مجموعة متجهة إلى أوروبا. لكن بعد ثلاثة أسابيع في مستودع مكتظ بأكثر من 200 شخص، فقد الأمل وتواصل مع مهرب آخر وعده برحلة إلى أوروبا مقابل 5,500 دولار.
في أوائل أغسطس، استقل غيث قاربًا في ميناء الزاوية مع نحو 20 مهاجرًا آخرين، إلا أن دورية ليبية اعترضتهم في البحر، وأخذتهم السلطات الليبية إلى السجن، حيث تعرضوا لظروف قاسية. يذكر غيث: "أخذوا منا كل شيء: الهواتف، ما يقارب 10,000 دولار، سترات النجاة، وحتى الطعام والماء."
أُبلغ غيث أنه سيُطلق سراحه إذا دفع فدية قدرها 2,400 دولار، ليجد نفسه في مواجهة مع الواقع المأساوي في ليبيا.
ثلاث عمليات اختطاف، سجن وحطام سفينة: رحلة غيث تكشف عن وحشية تجارة الهجرة إلى أوروبا
الاختطاف الثالث.. فدية أخرى للحرية
بعد إطلاق سراحه، تواصل مع مهرب ثالث، والذي وعده بنقلهم إلى أوروبا مقابل 6,000 دولار. لكنهم اكتشفوا أنهم وقعوا ضحية اختطاف آخر. تم احتجازهم في قاعدة عسكرية وأُجبروا على دفع فدية قدرها 15,000 دينار ليبي (حوالي 2,400 جنيه إسترليني) لكل منهم.
بعد دفع الفدية، قرر غيث المحاولة مرة رابعة للوصول إلى أوروبا. يقول: "لم يكن لدي خيار آخر. في ليبيا، لا يمكنك بناء شيء أو تحقيق أي شيء. إما أن تصل أو تموت."
الوصول إلى أوروبا: بداية جديدة أم بداية ألم آخر؟
في أكتوبر الماضي، وبعد محاولته الرابعة، تمكن غيث من الوصول إلى جزيرة لامبيدوزا الإيطالية، ومن هناك انتقل إلى ألمانيا، حيث يوجد له أصدقاء قدموا له المال لدعمه. لكنه الآن يعيش في مخيم لطالبي اللجوء في انتظار مستقبله.
يتحدث غيث عن معاناة عائلته: "حتى بعد سقوط النظام، لا يمكن لعائلتي في لبنان العودة إلى سوريا، لأنني بعت منزلنا. ما الذي يمكنني قوله لهم؟ ‘مبروك سقوط النظام، ولكن ليس لديكم منزل تعودون إليه؟’"
ويضيف: "كل ما يهمني الآن هو العمل وتعويض عائلتي بشراء منزل لهم وسداد ديوني."