نجلاء مرعي: هل تعيد أمريكا حساباتها في إفريقيا بعد تهديدات ترامب؟ (خاص)

الاثنين 03 فبراير 2025 | 01:06 مساءً
الدكتورة نجلاء مرعي استاذ العلوم السياسية
الدكتورة نجلاء مرعي استاذ العلوم السياسية
كتب : بسمة هاني

أثار الرئيس الأمريكي المنتخب، دونالد ترامب، جدلًا واسعًا بعد إعلانه تعليق أي تمويل مستقبلي لجنوب إفريقيا، مشيرًا إلى أن البلاد تمارس "مصادرة الأراضي" وتتعامل "بشكل غير عادل" مع بعض الفئات، في إشارة إلى قانون جديد يسمح للحكومة بمصادرة أراضٍ دون تعويض في ظروف معينة.

قانون يثير الانقسام وردود الفعل

أقر رئيس جنوب إفريقيا، سيريل رامابوزا، قانونًا في يناير الماضي يمنح الحكومة الحق في مصادرة الأراضي للصالح العام، وهو ما أثار انقسامات داخلية وانتقادات دولية، خاصة من الدوائر المحافظة في الولايات المتحدة.

ويُعتبر الملياردير إيلون ماسك، المولود في جنوب إفريقيا وأحد أبرز المقربين من ترامب، من أبرز المنتقدين للقانون، حيث يرى أنه يفتح الباب أمام تجاوزات تهدد الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي للبلاد.

واشنطن تتدخل وتحذر من التداعيات

عبّر ترامب، عبر منصته "تروث سوشال"، عن رفضه للقانون الجديد، قائلًا: "جنوب إفريقيا تصادر الأراضي وتعامل بعض الفئات بطريقة غير عادلة للغاية"، مضيفًا أنه لن يوافق على تقديم أي تمويل مستقبلي للبلاد حتى يتم التحقيق في الأمر بشكل شامل.

قلق من تكرار سيناريو زيمبابوي

وفي ظل هذا التصعيد، تخشى بعض الدوائر الاقتصادية والسياسية أن يؤدي القانون إلى تداعيات مشابهة لما حدث في زيمبابوي، عندما صادرت الحكومة مزارع تجارية مملوكة للبيض بعد الاستقلال عام 1980، مما أدى إلى انهيار القطاع الزراعي في البلاد.

جنوب إفريقيا تدافع عن القانون

من جهتها، أكدت حكومة جنوب إفريقيا أن القانون لا يمنح السلطات حق المصادرة العشوائية، وإنما يشترط محاولة التوصل إلى اتفاق مع المالك قبل اتخاذ أي إجراء، مشددة على أن الهدف هو تحقيق العدالة في توزيع الأراضي ومعالجة إرث التمييز العنصري الذي استمر لعقود.

هل تتجه العلاقات الأمريكية - الجنوب إفريقية نحو التأزم؟

يبقى السؤال: هل سيؤدي هذا التوتر إلى أزمة دبلوماسية أوسع بين واشنطن وبريتوريا، أم ستتمكن جنوب إفريقيا من طمأنة المجتمع الدولي بأن إصلاحاتها لن تؤدي إلى اضطرابات اقتصادية وسياسية كبرى؟

في هذا الإطار، تتحدث خبيرة الشؤون الإفريقية وأستاذة العلوم السياسية، الدكتورة نجلاء مرعي، لـ"بلدنا اليوم"

قالت الدكتورة نجلاء مرعي، أستاذة العلوم السياسية وخبيرة الشؤون الإفريقية، إن إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وقف المساعدات لجنوب إفريقيا بسبب سياستها في مصادرة الأراضي أثار موجة قلق في الأسواق المالية، مما أدى إلى تراجع العملة الجنوب إفريقية وسط مخاوف من تأثير اقتصادي أوسع.

وأكدت مرعي أن تصريحات ترامب جاءت بعد أسبوعين فقط من توقيع قانون جديد في جنوب إفريقيا يسمح بمصادرة الأراضي شريطة دفع تعويض عادل، مشيرةً إلى أن هذه ليست المرة الأولى التي يهدد فيها ترامب بريتوريا، فقد سبق أن لوّح بفرض عقوبات عليها بسبب انتمائها إلى مجموعة "البريكس".

وأشارت مرعي إلى أن ترامب كان قد هدد في ديسمبر الماضي بفرض تعريفات جمركية بنسبة 100% على دول المجموعة إذا تخلت عن الدولار الأمريكي لصالح عملات أخرى مثل اليوان الصيني، مما يعكس قلقه من تنامي نفوذ القوى الاقتصادية المنافسة.

جنوب إفريقيا ترفض التهديدات وتدافع عن سياساتها

ولفتت إلى أن الحكومة الجنوب إفريقية سارعت إلى رفض تهديدات ترامب، موضحةً أن القانون الجديد لا يمنح الحكومة الحق في مصادرة الممتلكات بشكل تعسفي، بل يفرض ضرورة التفاوض مع المالك قبل أي إجراء.

وأوضحت أن رجل الأعمال إيلون ماسك، المولود في جنوب إفريقيا وأحد أقرب المستشارين لترامب، قد يكون أحد الأسباب وراء تصعيد الموقف، حيث يخشى هو وغيره من المستثمرين تكرار سيناريو زيمبابوي، عندما قامت الحكومة بمصادرة مزارع تجارية دون تعويضات بعد الاستقلال، مما أدى إلى انهيار القطاع الزراعي في البلاد.

وأكدت أن بريتوريا لا تزال تلتزم بتقديم تعويضات عادلة للمستثمرين، لكنها ترفض الضغوط الأمريكية التي تسعى لتصوير الأمر على أنه تهديد اقتصادي عالمي.

إفريقيا في سياسة ترامب الخارجية.. تراجع أم إعادة تموضع؟

وشددت على أن سياسات ترامب تجاه إفريقيا خلال ولايته الأولى كانت قائمة على مبدأ "أمريكا أولًا"، مما أدى إلى تراجع كبير في مكانة القارة ضمن الأولويات الأمريكية.

وأضافت أن إدارته شهدت خفضًا للمساعدات الاقتصادية، وتشديد سياسات الهجرة، وإعادة تقييم اتفاقيات التجارة الحرة، كما قلّصت المشاركة الأمريكية في الصراعات الإفريقية وركزت على مكافحة الإرهاب، وهو ما فتح المجال أمام قوى عالمية أخرى مثل روسيا والصين لتعزيز نفوذها في القارة، بينما تراجع الحضور الفرنسي كذلك.

وأشارت مرعي إلى أن برامج التنمية، مثل خطة الرئيس الطارئة للإغاثة من الإيدز، خضعت لمراجعات أدت إلى تخفيض التمويل، في حين انسحبت الولايات المتحدة من اتفاقية المناخ، مما زاد من عزلتها عن القضايا الإفريقية ذات الأولوية.

هل تعيد أمريكا حساباتها تجاه إفريقيا في حال عودة ترامب؟

واختتمت حديثها بالتساؤل حول فرص استعادة النفوذ الأمريكي في إفريقيا خلال ولاية ثانية محتملة لترامب، مؤكدةً أن الولايات المتحدة لن تتخلى بسهولة عن موقعها الاستراتيجي في القارة، خاصة مع المنافسة الشرسة من الصين وروسيا.

ورأت مرعي أن ترامب قد يعيد النظر في سياساته الإفريقية، لا سيما أن نهجه يتوافق مع بعض القيم الاقتصادية والثقافية التي يفضلها القادة الأفارقة، الذين يميلون إلى تقليل التدخل الأجنبي المباشر في شؤون قارتهم، حتى لو كان ذلك التدخل أمريكيًا.

اقرأ أيضا