لا يزال مدى تأثير إيلون ماسك في أروقة الحكم الأمريكي غير واضح، بينما يترسخ موقعه إلى جانب الرئيس دونالد ترامب في قمة السلطة الفيدرالية.
ما نعلمه على وجه اليقين هو أن ماسك يعدّ أغنى رجل في العالم، وأكبر داعم مالي لحملة الرئيس، ورائد أعمال استفادت شركاته من عقود حكومية ضخمة، ما يمنحه نفوذًا ماليًا غير مسبوق في آلية صنع القرار الحكومي مقارنةً بأي مواطن عادي.
إشارات مقلقة
في هذا السياق، كشف تقرير لشبكة CNN أعده كيتلين بولانتز، وفيل ماتينغلي، وتيرني سنيد عن مواجهة بين مسؤولين بوزارة الخزانة وموظفي "إدارة كفاءة الحكومة" (DOGE)، وهي هيئة استشارية كانت تعمل خارج الحكومة قبل أن تتحول إلى وحدة تكنولوجية داخل البيت الأبيض عقب الانتخابات.
بحسب التقرير، غادر ديفيد ليبريك، أرفع مسؤول مدني في وزارة الخزانة، منصبه فجأة بعد أن أبدى مسؤولون مقربون من ترامب اهتمامًا بوقف بعض المدفوعات الحكومية. وكشف مصدر مطلع، أن هؤلاء المسؤولين تساءلوا عن إمكانية وزارة الخزانة تعليق المدفوعات، لكن ليبريك رد قائلًا: "هذا ليس دورنا".
وأشار المصدر إلى أن هناك رغبة في جعل وزارة الخزانة أداة لفرض قيود مالية غير مسبوقة، رغم أن دورها يقتصر على تنفيذ المدفوعات وليس التحكم بها.
ماسك يدّعي استعادة السلطة للشعب
في منشور عبر منصته الاجتماعية، قال ماسك: "هذه هي المعركة الحاسمة لاستعادة السلطة للشعب من البيروقراطية الضخمة غير المنتخبة!"
ودعا المواطنين لدعم التحركات الرافضة لاستخدام أموال الضرائب في تمويل المنظمات غير الحكومية مثل خدمات الإغاثة الكاثوليكية، وبرنامج الغذاء العالمي، ومنظمة أنقذوا الأطفال.
ورغم شرعية النقاش حول أوجه الإنفاق الحكومي، إلا أن الطريقة التي يسعى بها ماسك إلى إعادة هيكلة الجهاز البيروقراطي تبدو أقل شفافية من النظام نفسه.
اختراق هيكل الإدارة الحكومية
كشفت صحيفة نيويورك تايمز أن ثلاثة موظفين سابقين لدى ماسك تولوا مناصب رفيعة في مكتب إدارة شؤون الموظفين (OPM)، وهو الهيئة المسؤولة عن الموارد البشرية للحكومة الفيدرالية, ومن اللافت أن المكتب أرسل مؤخرًا عرضًا مفاجئًا عبر البريد الإلكتروني لملايين الموظفين الفيدراليين، ويتيح لهم خيار الاستقالة مع تعويض مالي حتى سبتمبر، وهو ما أثار استياء النقابات والمراقبين القانونيين الذين وصفوا الإجراء بأنه غير قانوني.
وأكد المكتب، أن أماندا سكيلز، الموظفة السابقة في شركة xAI التابعة لماسك، تشغل الآن منصب رئيسة موظفي OPM، فيما تولى كل من براين بييلدي، وأنتوني أرمسترونغ، وكلاهما على صلة بشركات ماسك، مناصب قيادية في المكتب.
وأفادت التقارير أيضًا بوجود شخصيات مرتبطة بماسك في وكالات حكومية أخرى، منها إدارة الخدمات العامة، التي تشرف على العقارات الفيدرالية, وبينما يدعو ماسك لإعادة الموظفين إلى مكاتبهم، فهو يرى أن التخلص من الممتلكات الحكومية أو تقليل الإيجارات يمثل وسيلة فعالة لخفض النفقات.
هل يواجه الموظفون الحكوميون خطر الإقالة؟
صرّح ترامب مرتين بأن الموظفين الذين لا يعودون إلى مكاتبهم بحلول 6 فبراير سيواجهون الفصل، قائلًا في خطاب بالبيت الأبيض: "إذا لم يوافقوا على العودة إلى مكاتبهم بحلول 6 فبراير، فسيتم إنهاء خدماتهم".
ورغم عدم تضمن عرض الاستقالة الجماعي أي تهديد مباشر بالإقالة، إلا أن تصريحات ترامب تعكس نية واضحة لتشديد الإجراءات على الموظفين الفيدراليين.
ما هو الدور الحقيقي لماسك؟
أفادت تقارير بأن ماسك يقيم داخل مبنى المكتب التنفيذي آيزنهاور في البيت الأبيض، في مشهد يذكّر بقصصه عن النوم داخل مقرات تويتر وتسلا لإظهار التزامه.
لكن التساؤل الأبرز يظل دون إجابة: هل أقسم ماسك على احترام الدستور كما يفعل الموظفون الفيدراليون الذين يسعى إلى إقالتهم؟
تضارب المصالح في قلب المشهد
أثار والتر شوب، المدير السابق لمكتب الأخلاقيات الحكومية، مخاوف جدية حول الدور الغامض لماسك، مؤكدًا أن إدارة ترامب مطالبة بتوضيح كيفية إدارتها لتضارب المصالح، وتحديد ما إذا كان ماسك يعمل كمتطوع، موظف حكومي خاص، أم موظف رسمي.
غياب الشفافية في صنع القرار
تخضع التعيينات القيادية في الحكومة عادةً لجلسات استماع في الكونغرس، حيث يُطلب من المسؤولين تقديم إفصاحات مالية والتعهد بالتصرف وفق معايير أخلاقية صارمة.
لكن مع توسّع نفوذ ماسك في أروقة السلطة، يصبح من غير الواضح من يتحكم فعليًا في القرارات الحكومية.
ما الذي ينتظر الحكومة الفيدرالية؟
استنادًا إلى تقرير سابق في وول ستريت جورنال، والذي شارك ماسك في إعداده بالتعاون مع فيفيك راماسوامي قبل مغادرته DOGE، فإن الخطط القادمة تشمل:
إعادة هيكلة جذرية للبيروقراطية:
يتم تحديد الحد الأدنى من الموظفين المطلوبين لكل وكالة حكومية، مع احتمال تعليق الحماية الوظيفية لفرض تخفيضات جماعية في عدد العاملين.
تقليص حاد في الإنفاق الحكومي:
هناك توجه للاستفادة من قرارات المحكمة العليا لمنح الرئيس صلاحية تجاهل الكونغرس في بعض المسائل المالية، بما في ذلك تعليق إنفاق مئات المليارات على البرامج غير الأساسية.
مراجعة شاملة لنفقات الرعاية الصحية: رغم تعهد ترامب بعدم المساس بشبكة الأمان الاجتماعي، إلا أن خطة الإصلاح قد تشمل إعادة النظر في إنفاق برنامج ميديكير.
نقطة الغموض الكبرى
ما لم يُنشر بعد هو القائمة الكاملة لحلفاء ماسك الذين باتوا يشغلون مناصب مؤثرة داخل الحكومة، وهذا دون شك، أمر يستدعي تدقيقًا واسعًا.