تراجعت هجمات تنظيم داعش، خلال الأسابيع الثلاث الأخيرة، بصورة واضحة في عدد من المناطق من بينها العراق وسوريا معقلي نشاط التنظيم الأساسيين في الشرق الأوسط، بعد طفرة مؤقتة في الهجمات في الفترة التي سبقت هذه الأسابيع.
وأظهرت إحصائيات العمليات التي تنشرها أسبوعية النبأ، وهي الصحيفة الرسمية لداعش، أن هجمات التنظيم انخفضت إلى 10 هجمات فقط في الأسبوع الماضي، مقارنة بـ13 هجومًا في الأسبوع السابق له، و18 قبل نحو 3 أسابيع، وهو ما يعني أن الهجمات انخفضت بنحو 44.5%، خلال الفترة المذكورة.
ومن الجدير بالذكر أن التنظيم لم ينفذ، خلال الأسبوع الماضي، هجمات في سوريا إذ أن مناطق نشاطه الرئيسية تقع في البادية ومناطق شمال شرق سوريا، والتي شهدت مؤخرًا اقتتالا بين قوات سوريا الديمقراطية "قسد" والعشائر العربية على خلفية القبض على أحمد الخبيل "أبو خولة" قائد مجلس دير الزور العسكري، المنضوي تحت لواء قوات سوريا الديمقراطية.
ويشير تراجع الهجمات إلى تآكل قدرات داعش على شن الهجمات وعدم قدرته على شن هجمات كبيرة، في الوقت الراهن، وهو ما أكدته تقارير دولية عدة صادرة عن قيادة التحالف الدولي لحرب داعش.
وسبق أن أوضح الجنرال ماثيو ماكفارلين، قائد عملية العزم الصلب في قيادة قوة المهام المشتركة التابعة للتحالف الدولي لدحر داعش، في إيجاز قدمه عن سير العمليات ضد داعش بالتنسيق مع وزارة الخارجية الأمريكية، أن هجمات داعش انخفضت إلى أقل مستوى لها، قائلًا إن التنظيم لم يعد يسيطر على أي أراض وتكبد خسائر فادحة وخسر عددًا كبيرًا من قادته ومقاتليه.
وذكر " ماكفارلين" أن هجمات داعش تنخفض عامًا بعد آخر، مقدرًا أنها انخفضت بنسبة 65% أو أكثر في العام الجاري مقارنة مع العام الماضي (2022)، وهو ما يعني أن التنظيم يتراجع ليس فقط على مستوى الهجمات بل على كافة المستويات بما فيها قدراته على التمويل وإمكانياته العسكرية وغيرها.
ورغم التراجع، إلا أن قائد عملية العزم الصلب أقر بأن التنظيم ما زال يحاول العمل على تأسيس خلافة مكانية مرة أخرى، مضيفًا أن التحالف الدولي يعمل مع حلفائه في العراق وسوريا على تبادل المعلومات الاستخبارية لضمان التصدي لأي محاولة محتملة لعودة داعش بشكله القديم أو تهديداته بشن هجمات كبيرة، كما أشار إلى أن التحالف يسعى لحل مشكلة النازحين والمعتقلين التابعين لداعش المتواجدين في السجون والمخيمات في سوريا والعراق ويخطط لإعادتهم إلى بلدانهم الأصلية.
خبراء: داعش ينته إستراتيجية حرب الاستنزاف وتهديده ما زال باقيًا
وفي هذا الصدد، قال مصطفى أمين، الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية، إن تنظيم داعش لم ينتهِ تمامًا بل إنه ما زال قادرًا على شن هجمات نوعية في العديد من مناطق نشاطه داخل العراق وسوريا وخارجهما، مضيفًا أن التنظيم يسعى للاستفادة من الاضطرابات التي تعيشها المنطقة للعودة إلى المشهد مرة أخرى وتأسيس خلافته المكانية.
وأشار "أمين" في تصريحات لـ"بلدنا اليوم" إلى أن داعش يتبع إستراتيجية تعرف بالحرب الاستنزافية منذ انهيار خلافته المكانية في مارس 2019، ويهدف من هذه الإستراتيجية إلى استنزاف خصومه في العراق وسوريا تمهيدًا لمرحلة تالية يلجأ فيها لفكرة الحسم والعمل العسكري لاستعادة خلافته المنهارة.
وأوضح الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية أن داعش يركز في سوريا على استهداف قوات سوريا الديمقراطية، بجانب استهداف قوات النظام السوري، ملمحًا إلى أنه سيستفيد بلا شك من الاقتتال الأخير الذي حصل بين قوات "قسد" والعشائر العربية في دير الزور وسيسعى لاستغلاله لصالحه من أجل استقطاب وتجنيد مقاتلين جدد وتوظيفهم لخجمة أهدافه الخاصة.
وبدوره، قال منير أديب، الخبير في شؤون الحركات المتطرفة والإرهاب الدولي، إن قدرات داعش تراجعت إلى حد كبير في الوقت الحالي بفعل استمرار العمليات التي تشنها الولايات المتحدة والتحالف الدولي وغيرها من القوى المنخرطة في مكافحة الإرهاب ضد من تبقى من عناصره، لكن التنظيم لم ينتهِ بل إن تهديده يبقى قائمًا ويُحتمل أن يعود التنظيم للواجهة إذا توافرت له الظروف المناسبة.
وأضاف "أديب" في تصريحات خاصة لـ"بلدنا اليوم" أن التنظيم فقد عدد كبير من قادته البارزين على مدار السنوات الماضية، وساهم هذا مع عوامل أخرى في إضعاف قدراته وتقويض خلاياه وشبكاته الفاعلة وهو ما تسبب في انخفاض الهجمات الإرهابية التي شنها، مشيرًا إلى أن التنظيم ما زال ينشط في مناطق مختلفة بالعراق وسوريا ولديه تواجد كبير في الساحل الإفريقي ومناطق غرب ووسط وجنوب القارة الإفريقية بالإضافة لوجوده في جنوب شرق آسيا ووسط آسيا حيث يتواجد فرعه القوي المسمى بـ"ولاية خراسان".
وأوضح الخبير في شؤون الحركات المتطرفة والإرهاب الدولي أن داعش يواصل تجنيد مقاتلين جدد ونجح في إنشاء شبكات دعم وتمويل بعضها يعتمد على ما يُعرف بنظام الحوالة، وهو نظام غير رسمي لنقل الأموال بين الدول، وبعضها الآخر يعتمد على العملات الافتراضية كالبيتكوين والثيرما وغيرها.
وأكد "أديب" أن حالة الفوضى وعدم الاستقرار التي تعيشها عدد من دول المنطقة العربية وغيرها تساهم في رفد التنظيم بالأفراد والتمويل اللازم لنشاطه وعودته مرة أخرى، معتبرًا أن التنظيم سيعود أشرس مما كان حال وجد الفرص والظروف المناسبة لذلك وهو ما حدث من قبل إذ تمكن داعش من استغلال الظروف التي مرت بها دولتي العراق وسوريا لتأسيس خلافته المزعومة والتي انهارت بعد سقوط قرية الباغوز، آخر معاقله، في مارس 2019.