مشقة من نوع خاص.. أقدم حدادة في قنا: 10 أعوام أنفخ في النار لمساعدة زوجي

الاحد 15 يناير 2023 | 11:51 صباحاً
كتب : سمر مكي

كل ما في قصتها يصعب على القارئ سماعها من كثرة الأوجاع والمأساة التي تدور حولها، منذ عشرات السنين وهي تقف صامدة كالجبال مع زوجها لجمع قوت يومهم، تركت منزلها وعيشتها الهادئة كسيدات قريتها وامتهنت المهنة الأصعب على الرجال، الحدادة ليس ذلك الاسم الذي نردده حاليا على الورش والآلات الحديثة في صناعة الآلات بل أصبحت السيدة الحدادة بأقدم الطرق التي عرفها التاريخ تنفخ ساعات طوال في ما يُسمى "القربة" بيديها حتى تكاد لا تشعر بأصابعها لاشعال النيران وتسييح الحديد لزوجها.

بعد السنوات العجاف التي قضتها السيدة سميرة ابنة صعيد مصر وبالتحديد في محافظة قنا، مع زوجها قررت اختراق مجال الحدادة بالطريقة البدائية لعدم استطاعتها على تأجير ورشة وشراء آلات حديثة، حتى تجمع قوت يومهم وتوفيرًا لأجرة العامل الذي كان مصاحبًا لزوجها، شدت شالها الأسود على رأسها وجهزت خيمتها واستقلت العربة الكارو التي ظلت تتنقل بها من قرية لقرية بحثًا عن لقمة العيش منذ 10 أعوام لم تشكو يومًا وجعها رغم كبر سنها.

وقد أجرت «بلدنا اليوم» "بثًا مباشرًا في أول لقاء للسيدة سميرة عبدالحميد عرابي، صاحبة ال55 عامًا، ابنة قرية القمانة في مركز نجع حمادي، وأقدم حدادة في محافظة قنا، أثناء تواجدها بأحد شوارع قرية المراشدة التي تبعد عن قريتها ب60 كيلو تقريبًا وهي تجلس أمام النار والقربة في يديها تشدها "يمين وشمال" لتزداد سرعة الاشتعال ويلين الحديد، خلال السطور التالية سوف نتعرف على قصتها كاملة.

قالت السيدة سميرة، أنها لم يكن في حسبانها العمل في مهنة الحدادة كونها تشاهد صعوبتها منذ أن تزوجت ولكن ضيق حال أسرتها جعلها تخوض معركة الحياة مع زوجها حيث أخذت دور العامل لتوفير أجرته لأبنائها تعلمتها في أيام قليلة وعند البدء بها كانت الدموع لا تفارق عينيها من شدة صعوبتها لكنها لم تشكو وتحملت كل الصعاب حتى أصبحت خلال 10 أعوام محترفة في مهنة الحدادة وتصنع كافة الأدوات التي يستخدمها الفلاح وبسعر مناسب. 

وأضافت أقدم حدادة في قنا، أن يومها يبدأ في السادسة صباحًا إذا كانت تعمل في قريتها بينما في حال الترحال إلى قرية غريبة تجهز خيمتها ومتطلباتهما من أكل وشرب، وتحملها على العربة الكارو وتتجه إلى مصدر رزقها حسب ما حدد زوجها وتسير عشرات الكيلو مترات حتى تستقر في مكان وتنصب خيمتها وتفرش فراش الحدادة أمامها لتبدأ في عملها الشاق طوال اليوم، ذاكرة أنها تظل ساعتين في الآلة الواحدة.

 

"دخلنا بسيط ولو يوم مشتغلناش ملنقيش ناكل" بهذه الجملة لخصت أقدم حدادة في قنا مأساتها في تلك المهنة الشاقة التي جعلتها تنسى عمرها وتعيش دور الصبية التي تمتلك قوتها رغم عنها، "حيث لا يوجد من بعمرها ويعمل مهنتها التي تظل ساعات طويلة تشد جانبي القربة يمينًا ويسارً ورجليها على الماسورة لإدخال الهواء التي قامت بنفخه فيها وتشتعل النار أكثر لتسييح الحديد ثم تسلمه لزوجها للدق عليه بالشاكوش أو المطرقة وصناعة الآلات المختلفة التي يحتاجها الفلاح.

لم ينكر زوجها العم "أبوالوفا فؤاد بركات " صاحب ال 64 عامًا، مجهود زوجها معه طوال ال10 أعوام ماضية ويتمنى راحتها ولكن لا يملك شئ وكبر سنه جعله غير قادر على العمل في الحدادة حيث طوال اليوم يدق بكل مجهوده على الحديد التي تلينه زوجته له لتصنيع الآلات يديه لم يشعر بها وطوال عمله يربطها بقطعة قماش حتى يتمكن من الاستمرار في ذلك العمل الشاق.

وختمت السيدة سميرة حديثها، بتقديم مناشدة إلى المسئولين بالنظر إليها بعين الشفقة وتوفير محل لزوجها للعمل بداخله بدلًا من التنقل في البلاد البعيدة بحثًا عن لقمة العيش حيث أن الحياة أرهقتها لم تعد بشدتها وزوجها كبير في السن لم يعد يتحمل برودة جو الشتاء وليس لديهم أي مصدر آخر وأبنائها كل منهم تحمل مسئولية نفسه فقط لصعوبة ظروف المعيشة معهم أيضًا.

اقرأ أيضا