بدأ غضب دولي لتزايد قتل المدنيين قابله وصف الرئيس الأميركي جو بايدن نظيره الروسي بأنّه "مجرم حرب"، في موقف هو الأول من نوعه إزاء العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا ، بعد ثلاثة أسابيع على الغزو الروسي لأوكرانيا ولا شيء يُنذر بخفض التصعيد .
وفي آخر التطوّرات الإنسانية في أوكرانيا، اتهمت كييف روسيا بقصف مسرح في ماريوبول لجأ إليه "أكثر من ألف" مدني، فيما قال مسؤولون أميركيون وأوكرانيون أمس إنّ القوات الروسية قتلت مدنيين ينتظرون في طابور للحصول على الخبز.
ولم تسيطر موسكو بعد على أيّ من المدن الأوكرانية الكبرى رغم شنّها هجوماً هو الأكبر على دولة أوروبية منذ الحرب العالمية الثانية، في حين فرّ أكثر من ثلاثة ملايين أوكراني وقُتِل الآلاف مع دخول الحرب أسبوعها الرابع.
من جهته، قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي مساء الأربعاء: "في ماريوبول ألقى سلاح الجو الروسي عمداً قنبلة على مسرح الدراما في وسط المدينة والمبنى دُمّر"، مضيفاً أنّ "عدد القتلى لم يعرف بعد"، ومشيراً إلى سقوط "مئات" الضحايا.
وتابع زيلينسكي: "يجب على العالم أن يعترف أخيراً بأنّ روسيا أصبحت دولة إرهابية".
وأكدت بلدية ماريوبول عبر حسابها على تطبيق "تليغرام"، ليل الأربعاء الخميس، أنّ "أكثر من ألف" شخص كانوا داخل المسرح.
ونشر مسؤولون أوكرانيون صورة لمبنى من ثلاثة طوابق يحترق ومدمر في انفجار على ما يبدو.
ورأى رئيس بلدية ماريوبول فاديم بويتشنكو أنّ هذا الهجوم هو "مأساة مروعة". وأضاف في تسجيل فيديو أنّ "الناس كانوا مختبئين هناك. بعضهم حالفهم الحظ بالبقاء على قيد الحياة لكن للأسف هذا لا ينطبق على الجميع".
وتابع أنّ "الكلمة الوحيدة لوصف ما حدث اليوم هي إبادة جماعية... إبادة جماعية لأمتنا وشعبنا الأوكراني".
بدورها، نشرت الشركة الأميركية لتقنيات الفضاء "ماكسار تكنولوجيز" المتخصصة بصور الأقمار الاصطناعية، صورة قالت إنّها التقطت الإثنين للمسرح.
وفي هذه الصورة التي اطلعت عليها وكالة "فرانس برس" تُظهر كلمة "أطفال" مكتوبة على الأرض بأحرف بيضاء كبيرة وبالروسية أمام المبنى وخلفه.
وقالت البلدية ليل الأربعاء الخميس إنّ "الغزاة دمّروا مسرح الدراما الذي لجأ إليه أكثر من ألف شخص. لن نسامح أبداً".
ونفت وزارة الدفاع الروسية قصف المدينة من قبل قواتها، وقالت إنّ كتيبة آزوف القومية الأوكرانية دمّرت المبنى.
وكانت موسكو حمّلت هذه الوحدة العسكرية مسؤولية قصف مستشفى للتوليد في ماريوبول الأسبوع الماضي، أثار احتجاجات دولية.
وقالت السفارة الروسية في واشنطن عبر "تليغرام" إنّها كانت حملة تضليل.
كما ذكرت وكالة "إنترفاكس" للأنباء، نقلاً عن وزارة الدفاع، اليوم، أنّ 13 حافلة تقل نحو 300 لاجئ من ماريوبول وصلت إلى منطقة روستوف الروسية.
وقالت السفارة الأميركية في كييف إنّ القوات الروسية قتلت عشرة أشخاص بالرصاص كانوا ينتظرون في طابور للحصول على الخبز في تشيرنيهيف شمال شرقي العاصمة الأوكرانية، فيما نفت روسيا الهجوم ووصفت الواقعة بأنها خدعة.
وأمرت محكمة العدل الدولية، محكمة الأمم المتحدة العليا التي تنظر الخلافات بين الدول، روسيا، أمس الأربعاء، بوقف العمليات العسكرية في أوكرانيا على الفور، قائلة إنّها "قلقة للغاية" حيال استخدام موسكو للقوة.
وذكرت المنظمة غير الحكومية "هيومن رايتس ووتش" أنها في حاجة إلى مزيد من المعلومات لتقييم الوضع في ماريوبول. وقالت بلقيس ويلي: "قبل أن نعرف المزيد لا يمكننا استبعاد احتمال وجود هدف عسكري أوكراني في منطقة المسرح، لكننا نعلم أنّ المسرح كان يضم 500 مدني على الأقل".
وقُتل أكثر من ألفي شخص في ماريوبول منذ بداية الحرب، وفق السلطات الأوكرانية.
مساعدات عسكرية ضخمة لأوكرانيا
في واشنطن، قال الرئيس الأميركي ردّاً على سؤال لصحافي عن نظيره الروسي "إنّه مجرم حرب". وردّ الكرملين بالتأكيد أنّ هذه التصريحات "غير مقبولة ولا تُغتَفر".
قبيل ذلك، أكد بايدن أنّ بلاده ستقدم مساعدات عسكرية إضافية بقيمة 800 مليون دولار إلى كييف، مشيرا إلى مبلغ "غير مسبوق" بقيمة مليار دولار في أسبوع واحد لدعم جيش كييف.
وقال بايدن إنّه "بطلب" من الرئيس الأوكراني الذي ألقى خطاباً أمام الكونغرس الأميركي قبل ذلك "نحن نساعد أوكرانيا في الحصول على أنظمة دفاعية إضافية مضادة للطائرات بمدى أبعد". وأضاف أنه سيتم تسليم كييف "طائرات مسيّرة أيضاً".
عمليات قصف مميتة
استمرت الضربات العسكرية الروسية المميتة في كل أنحاء أوكرانيا.
وقالت النيابة العامة إنّ عشرة أشخاص كانوا ينتظرون في طابور لشراء الخبز في تشيرنيهيف (150 كلم شمال كييف) قتلوا عندما فتح الجنود النار عليهم "عمداً".
وتتعرّض هذه المدينة لعدد كبير من الغارات الجوية، مثل خاركيف (شمال شرق) ثاني أكبر مدينة في البلاد قتل فيها 500 شخص على الأقل منذ بدء الحرب في 24 شباط الماضي.
واستهدفت زابوريجيا للمرة الأولى. وأصيبت محطة القطارات فيها الأربعاء بصاروخ واحد على الأقل.
وسُمع دوي انفجارات مرة أخرى فجر الأربعاء في كييف حيث تصاعدت أعمدة كثيفة من الدخان الأسود.
وتخضع العاصمة التي خلت من أكثر من نصف سكانها البالغ عددهم 3,5 مليون نسمة لحظر تجول منذ الساعة 20,00 (18,00 ت غ) الثلثاء وحتى الساعة 07,00 (05,00 ت غ) الخميس بعدما أصابت صواريخ مباني سكنية الاثنين والثلثاء.
وذكر البرلمان الأوكراني، نقلاً عن أرقام جمعتها النيابة العامة، أنّ 103 أطفال قتلوا وجرح حوالى مئة آخرين في البلاد منذ الغزو الروسي.
ورحل أكثر من ثلاثة ملايين أوكراني هرباً من القصف، توجه معظمهم إلى بولندا.
هجمات على النظام الصحي
في الوقت نفسه، دانت منظمة الصحة العالمية الهجمات العسكرية على البنى التحتية الصحية.
وقال مايكل راين، رئيس الطوارئ في منظمة الصحة العالمية، إنّ "النظام الصحي أصبح هدفاً وبدأ يشكّل جزءاً من استراتيجية الحرب وتكتيكاتها"، معتبراً ذلك "غير مقبول إطلاقاً ومخالفاً للقانون الإنساني الدولي".
وفي هذا الإطار، أمرت محكمة العدل الدولية أعلى هيئة قضائية تابعة للأمم المتحدة، الأربعاء موسكو بوقف عملياتها العسكرية على الفور في أوكرانيا، مؤكدة أنها "قلقة جدّاً" من حجم المعارك.
لكن فلاديمير بوتين أكد أنّ العملية العسكرية "ناجحة"، بينما لا يستطيع جيشه إعلان سيطرته على أي مدينة رئيسية ويتقدم ببطء.
قبيل ذلك، تلقّى نظيره الأوكراني ترحيباً حارّاً خلال إلقائه خطابا عبر الفيديو أمام البرلمانيين الأميركيين دعا فيه مجدّداً إلى إنشاء منطقة حظر طيران فوق بلاده.
ويرفض جو بايدن حتى الآن فكرة إنشاء مثل هذه المنطقة حتى لا تنجر الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي (ناتو) الذي كرر الأربعاء أنه "لا توجد مسألة نشر قوات الناتو أو الطائرات في أوكرانيا"، إلى نزاع قد يتحول إلى حرب عالمية ثالثة.
لكن الحلف أعلن نيّته تعزيز وجوده على جناحه الشرقي. ويفترض أن يتحدث زيلينسكي إلى النواب الألمان صباح الخميس.
في الوقت نفسه، يفترض أن يصل وزير الخارجية التركي مولود تشاوش أوغلو الخميس إلى أوكرانيا قادما من موسكو.
استمرار المحادثات
لم يمنع الهجوم وتصميم المعسكرين مواصلة محادثات أعيد إطلاقها الإثنين عبر الفيديو على مستوى وفود.
وقال الناطق باسم الكرملين دميتري بيسكوف إنّ المفاوضين يناقشون الآن "تسوية" تجعل أوكرانيا دولة محايدة على غرار السويد والنمسا.
وأكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أنّ "هناك صيغا عملية جدّاً، أعتقد أنها قريبة من اتفاق".
ومن دون أن ينفي مناقشات حول حياد بلده، أعلن كبير المفاوضين الأوكرانيين ميخايلو بودولياك أنّ "النموذج لا يمكن إلّا أن يكون (أوكرانيا)".
وقال زيلينسكي مساء الأربعاء إنّ "أولوياتي في هذه المفاوضات واضحة: إنهاء الحرب وضمانات أمنية والسيادة واستعادة وحدة وسلامة أراضينا وضمانات حقيقية لبلدنا وحماية حقيقية لبلدنا".
وكان قد صرح مساء الثلثاء أنّ مواقف المعسكرين أصبحت الآن "أكثر واقعية". وقال زيلينسكي قبل ذلك إنّه مستعد للتخلي عن أي انضمام لبلده إلى الناتو، كان سبب الحرب بالنسبة إلى روسيا.
ودعت بريطانيا والولايات المتحدة وألبانيا وفرنسا والنرويج وإيرلندا إلى عقد اجتماع طارئ لمجلس الأمن الدولي بعد ظهر الخميس.
وكتبت البعثة البريطانية إلى الأمم المتحدة في تغريدة أن "روسيا ترتكب جرائم حرب وتستهدف المدنيين"، مضيفةً: "الحرب التي تشنّها روسيا خلافاً للقانون في أوكرانيا تشكل تهديدا لنا جميعاً"، داعية إلى عقد اجتماع طارئ.
وكانت روسيا طلبت الأربعاء إرجاء جديداً للتصويت في مجلس الأمن على مشروع قرار صاغته بشأن الأوضاع "الإنسانية" في أوكرانيا.
ومن المقرر أن يصوت مجلس الأمن الدولي غداً الجمعة على مشروع قرار صاغته روسيا بشأن وصول المساعدات وحماية المدنيين في أوكرانيا، لكن ديبلوماسيين يقولون إنّ الإجراء سيفشل لا محالة لأنه لا يدعو لإنهاء القتال أو سحب القوات الروسية.
ووعد فلاديمير بوتين الأربعاء بتقديم مساعدات مالية للأفراد والشركات مشبّهاً العقوبات بـ"هجوم اقتصادي خاطف" ضد روسيا.
وتواصل السلطات الروسية في الوقت نفسه قمع أي معارضة للحرب.