هل يساعد اجتماع دول جوار ليبيا في تسوية أزمتها؟ مركز رع للدراسات توضح

الاحد 05 سبتمبر 2021 | 03:34 مساءً
كتب : مدحت بدران

قبل نحو أربعة أشهر من الموعد المحدد للانتخابات البرلمانية والرئاسية في ليبيا، وفي ظل حالة الجمود التي باتت تهيمن على الكثير من الملفات الخلافية الخاصة بإجراء هذه الانتخابات، اختتمت اجتماعات دول ما يسمي بـ”الجوار الليبي” والتي استضافتها الجزائر على مدار اليومين السابقين، وذلك في محاولة للوصول إلى خارطة طريق تستهدف حلحلة الملفات العالقة والتي أضحت تهدد إنجاز الاستحقاقات في موعدها المقرر في الـ 24 من ديسمبر المقبل، وفي

هذا الصدد نشر مركز "رع" للدراسات الاستراتيجية، تقريرًا للباحث عدنان موسى، بعنوان "هل يساعد اجتماع دول جوار ليبيا في تسوية أزمتها؟" وفي هذا السياق تسعى هذه الورقة إلى قراءة تحليلية للسياق الذي تمخض عنه دعوة الجزائر لتنظيم هذا الاجتماع، ومن ثم محاولة الخروج برؤية استشرافية لما يمكن أن تفرزه مخرجات الاجتماع على مسارات الملف الليبي.

أطراف الاجتماع:

يأتي هذا الاجتماع من خلال مبادرة جزائرية لعقد مشاورات بين وزراء خارجية دول الجوار الليبي، والتي تتضمن كل من مصر وليبيا والجزائر وتونس والسودان والنيجر وتشاد، (وتجدر الإشارة إلى أن هذه المنظومة الإقليمية كان قد تم إنشائها في 2014 من دول الجوار الجغرافي لليبيا) فضلاً عن الكونغو الديمقراطية باعتبارها الرئيس الحالي للاتحاد الإفريقي، كذا، فقد تضمنت الاجتماعات مشاركة الأمين العام لجامعة الدول العربية “أحمد أبو الغيط”، ومفوض الإتحاد الإفريقي للشئون السياسية والسلام والأمن “بانكولي أديوي”، فضلاً عن المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة “يان كوبيتش”.

وقد جاء الإعلان عن هذا الاجتماع خلال الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الجزائري “رمطان لعمامرة” إلى تونس في الـ 23 من أغسطس الجاري، والتي شهدت لقاءً جمع “لعمامرة” بالمبعوث الأمريكي الخاص إلى ليبيا “ريتشارد نورلاد” حيث يبدو أن الجزائر عمدت منذ عدة أسابيع إلى محاولة التشاور مع دول الجوار الليبي لبحث مشروع توافقي بشأن مسارات الملف الليبي.

وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أن الجزائر كانت قد استضافت الاجتماع الأخير لدول الجوار الليبي في يناير الماضي، والذي يُعد الاجتماع الأكبر لهذه المجموعة، حيث شهد مشاركة وزراء خارجية دول الجوار الليبي الـ7، إلى جانب مشاركة ألمانيا باعتبارها مقر اجتماعات برلين التي انبثقت عنها التفاهمات اللاحقة، فضلاً عن مشاركة مالي (ليست من دول الجوار الليبي) وذلك نظراً للتداعيات السلبية التي أفرزتها الأزمة الليبية على باماكو، حيث اختتمت الدول المشاركة اجتماعها بالتأكيد على خمسة مبادئ رئيسية تنطوي على دعم مخرجات مؤتمر برلين الأول.

البيان الختامي:

وقد تضمن الاجتماع الأخير لمجموعة دول الجوار الليبي التي استضافتها الجزائر مناقشة سبل التوصل إلى حلول سياسية سلمية للأزمة الليبية، وفي هذا الإطار أفتتح وزير الخارجية الجزائر “رمطان لعمامرة” الاجتماعات بالتأكيد على أن ثمة قوى أجنبية تسعى إلى استغلال الأزمة الليبية لإعادة رسم التوازنات، كما دعى الوزير الجزائري إلى ضرورة سحب المرتزقة والقوات الأجنبية من ليبيا في أسرع وقت، فضلاً عن أهمية تطبيق مخرجات مؤتمري برلين الأول والثاني، وهو ما أكدته وزيرة الخارجية الليبية “نجلاء المنقوش”، فيما أشار المبعوث الأمريكي الخاص إلى ليبيا إلى أهمية الإسراع بإقرار القاعدة الدستورية خلال الأيام القليلة المقبلة لإنجاز الانتخابات في موعدها. بينما أكد وزير الخارجية المصري “سامح شكري” على موقف مصر الراسخ تجاه تعزيز الأمن والاستقرار في ليبيا، مع تغليب الحلول السياسية في إطار الحافظ على وحدة ليبيا ومؤسساتها، كما أشاد “شكري” بدور لجنة (5+5) وضرورة توفير كامل الدعم لها للقيام بمهامها بما في ذلك خروج المرتزقة والقوات الأجنبية من ليبيا، كذا، طالب “سامح شكري” بضرورة الإسراع باتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لإجراء الاستحقاقات الانتخابية في موعدها المقرر.

وقد اختتمت الجزائر مساء اليوم الـ 31 من أغسطس 2021 اجتماعات دول الجوار الليبي، وقد تضمن البيان الختامي للدول المشاركة عدداً من المبادئ الرئيسية والتي عكست مخرجات هذه الاجتماعات، والتي يمكن تفنيدها في العناصر التالية:

(1) التوافق على تفعيل الاتفاقية الرباعية بين ليبيا ودول الجوار لتأمين الحدود، والتي ترتبط بالأساس بتشكيل قوات مشتركة على الحدود بين ليبيا ودول الجوار الجنوبي (تتضمن تشاد والسودان والنيجر)، ففي عام 2018 كانت الدول الأربعة (ليبيا، وتشاد، والسودان، والنيجر) قد وقعت على اتفاقية التعاون الأمني لمكافحة الإرهاب والاتجار بالبشر، وفي هذا الإطار يجب الأخذ في الاعتبار الجولة التي قام بها نائب رئيس المجلس الرئاسي الليبي “موسى الكوني” إلى تشاد والسودان، وقد تضمنت هذه الجولة بحث سبل تعزيز التنسيق المشترك لمكافحة الجماعات الإرهابية المستشرية في منطقة الساحل والتي تستغل حالة السيولة الأمنية في الجنوب الليبي لاتخاذها كنقطة انطلاق لعملياتها.

(2) التأكيد على دعم الأجندة الليبية لضمان إستقرارها، وهو ما عكس توافقاً كبيراً بين الدول المشاركة في الاجتماع بشأن ضرورة تقديم كافة الدعم للسلطات الانتقالية الليبية لضمان إنجاز الانتخابات في موعدها المقرر بنهاية ديسمبر المقبل، مع بحث الترتيبات التي تضمن عدم عودة الصراعات المسلحة مرة أخرى في ليبيا.

(3) التركيز على أهمية آلية دول الجوار الليبي، حيث عمد البيان الختامي إلى الإشارة للدور المحوري الذي تلعبه دور الجوار الليبي في أي تسوية محتملة للملف الليبي، وذلك باعتبارها الآلية الأجدر على تقديم أدوات فاعلة في حلحلة الملفات الشائكة، وذلك مع ضرورة تعزيز التنسيق بين جهود الأمم المتحدة والإتحاد الإفريقي وجامعة الدول العربية والإتحاد الأوروبي بالمشاركة مع دول الجوار، وفي هذا السياق أكد البيان على أهمية التنسيق بين اللجنة العسكرية الليبية (5+5) ومجموعة دول الجوار وذلك فيما يتعلق بملف خروج المرتزقة والقوات الأجنبية من ليبيا، وفي هذا الإطار أكدت وزيرة الخارجية الليبية “نجلاء المنقوش” على أهمية توحيد المواقف السياسية تجاه المتغيرات الدولية بالشكل الذي يخدم مصالح ليبيا ودول الجوار، كما تم الاتفاق على عقد الاجتماع القادم لدول الجوار الليبي في القاهرة.

(4) التأكيد على ضرورة الالتزام بالمخرجات التي تمخضت عن مؤتمر جنيف، بشقيها السياسي والذي يعد أبرز ملامحه هو إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية في موعدها، أو العسكري والمتمثل في مخرجات اللجنة العسكرية (5+5) وما يتعلق بها من وقف إطلاق النار والالتزام بأهمية خروج المرتزقة والقوات الأجنبية من ليبيا.

دلالات هامة:

عكس البيان الختامي الصادر عن مجموعة دول الجوار الليبي، فضلاً عن التصريحات الصادرة عن وزراء خارجية الدول المشاركة الكثير من الدلالات الهامة بشأن المسارات المحتملة للملف الليبي خلال الفترة المقبلة، ويمكن الإشارة إلى أبرز هذه الدلالات في العناصر التالية:

(1) توافق مصري – جزائري: عكست الأسابيع الأخيرة وجود تنامي ملحوظ في درجة التوافق بين القاهرة والجزائر، بدأت مؤشراتها منذ زيارة وزير الخارجية الجزائري “رمطان لعمامرة” إلى القاهرة في نهاية يوليو الماضي، وما تبعته من تصاعد في مستوى التنسيق بين البلدين وتقارب الرؤى تجاه عدة ملفات إقليمية، ويبدو أن الأزمة الليبية ستمثل أحد أبرز محطات هذا التوافق بين البلدين، ومن ثم يمكن أن ينعكس هذا التوافق في التوصل إلى ترتيبات توافقية بين الأطراف المختلفة تضمن الاستقرار في ليبيا وإنجاح المرحلة الانتقالية.

(2) تصاعد الشكوك بشأن إنجاز الانتخابات في موعدها المقرر: حيث ترجح كافة المعطيات الداخلية صعوبة إجراء الانتخابات في موعدها المقرر، وذلك في ظل استمرار تعثر التوافق بشأن الملفات الخلافية التي ينبني عليها إجراء الانتخابات، سواء فيما يتعلق بالقاعدة الدستورية، أو شروط الترشح للرئاسة، أو خروج المرتزقة والقوات الأجنبية وكذلك توحيد المؤسسات الليبية، وبالتالي فالسياق الداخلي يحمل مؤشرات ترجح احتمالات تأجيل الانتخابات، ولعل التصريحات التي تمخضت عن اجتماع دول الجوار جاءت لتعزز هذه الاحتمالات، خاصةً بعد تصريحات وزيرة الخارجية الليبية التي أكدت بأنه “لا يجب أن تكون الانتخابات في 24 ديسمبر المقبل أولوية على الاستقرار”، بالتالي فيبدو أن الفواعل الإقليمية والدولية (بما في ذلك الولايات المتحدة التي لطالما أكدت على ضرورة إجراء الانتخابات في موعدها) بات لديها قناعة بشأن أولوية ضمان الاستقرار في ليبيا على إجراء الانتخابات في موعدها المقرر، ومن ثم بدأت القوى الدولية والإقليمية تركز في الوقت الراهن على سبل تعزيز الاستقرار في ليبيا، حتى وإن تطلب ذلك تأجيل الانتخابات في إطار خارطة جديدة، لذا فيبدو أن جُل الحراك الإقليمي والدولي الراهن بشأن الملف الليبي بات منصباً على هذا الطرح.

(3) إقليم ملتهب: تشهد منطقة شمال إفريقيا والساحل والصحراء تصاعداً واضحاً في وتيرة العنف والتوتر، وقد أنعكس ذلك بوضوح في الأزمة الراهنة بين المغرب والجزائر والتي بلغت حد إعلان قطع العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين، فضلاً عن التصاعد المضطرد في النشاط الإرهابي في منطقة الساحل الإفريقي والذي تجسد في الارتفاع الملحوظ في عدد ونطاق العمليات الإرهابية، خاصةً مع استعداد فرنسا لتقليص عدد قواتها في منطقة الساحل الإفريقي خلال الفترة المقبلة، وهو ما يمكن أن يخلق فراغاً ربما تسعى الجماعات الإرهابية لاستغلاله لتعزيز هيمنتها ونطاق انتشارها، وبالتالي هناك زخماً واضحاً لدى القوى الإقليمية في محاولة الحيلولة دون انجراف المنطقة إلى مستوى متصاعد من عدم الاستقرار سوف يؤثر على مصالح دول المنطقة ككل.

مقترح أمريكي:

كانت السفارة الأمريكية في ليبيا قد أعلنت أن وزير الخارجية الجزائري قد أطلع السفير الأمريكي “ريتشارد نورلاند” بشأن الجهود التي تقوم بها الجزائر لاستضافة اجتماع دول الجوار الليبي لبحث سبل حلحلة الملفات الخاصة بالانتخابات الليبية، مشيرة إلى ترحيب واشنطن بمبادرة الجزائر، كما أكد بيان السفارة الأمريكية أن “لعمامرة” ونظيره الأمريكي قد ناقشا آليات مكافحة الجماعات الإرهابية في الجنوب الليبي.

ومن ناحية أخرى، نشرت مجلة “أفريقا ريبورت” Africa Report تقريراً في الـ 29 من أغسطس الجاري أشار إلى أن الولايات المتحدة قد عرضت مقترحاً بشأن الانتخابات الليبية على دول ما يسمى بـ (P3+2) والتي تضم كل من بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا إلى جانب واشنطن، تنطوي هذه الخطة على فكرة أجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية في ليبيا عبر مراحل، بحيث يتم إجراء الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية الليبية في الـ 24 من أغسطس المقبل، وذلك بالتوازي مع إجراء الانتخابات البرلمانية، مع تأجيل موعد الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية إلى 15 سبتمبر 2022، بحيث يصبح كل مرشح حاصل على 10% على الأقل من الأصوات في الجولة الأولى مؤهل للمنافسة في الجولة الثانية عبر الانخراط في قوائم متنافسة تضم كل قائمة رئيساً ونائبين.

بالتالي، يبدو أن ثمة قلق أمريكي بشأن المسارات المحتملة حال تم تأجيل الانتخابات البرلمانية والرئاسية عن الموعد المقرر بنهاية العام الجاري، وفي هذا الإطار يبدو أن واشنطن تسعى إلى التوصل إلى خطة بديلة تتبنى مساراً وسطاً يضمن إجراء الانتخابات في موعدها، أو على أقل تقدير ضمان التوصل إلى ترتيبات توافقية مع كافة الفواعل الإقليمية والدولية للحيلولة دون عودة ليبيا إلى المربع الصفري من خلال الانجراف مرة أخرى إلى الصراعات المسلحة.

ماذا بعد؟:

فعلياً، ثمة تقارير رجحت أن التحركات الجزائرية لاستضافة الاجتماع الأخير لدول الجوار الليبي تأتي كخطوة في إطار التحركات الجزائرية لمحاولة استعادة الدور الإقليمي لها عبر الانخراط في الملفات الشائكة في المنطقة، لكن على الرغم من ترجيح هذا الطرح، إلا أن اختزال الأمر في هذا الدافع يمثل نوعاً من القصور الواضح في الرؤية، فثمة زخماً إقليمياً ودولياً يعكس درجة متنامية من القلق إزاء احتمالات تصاعد وتيرة العنف والتوتر في المنطقة، مما يهدد مصالح كافة الأطراف، وربما يعكس اجتماع دول الجوار الليبي في الجزائر أحد فصول هذا الزخم الراهن.

من ناحية أخرى، باتت الأزمة الراهنة في أفغانستان تمثل عقدة للكثير من الفواعل الدولية، ومن ثم تسعى الأطراف المختلفة للحيلولة دون إعادة إفراز نموذج مشابه في القارة الإفريقية، وبالتالي ففي ظل الاستراتيجية الانكماشية التي تتبعها الولايات المتحدة مع انشغال القوى الأوروبية الرئيسية بأزماتها الداخلية، بات على القوى الإقليمية مسئولية التوصل إلى صياغات توافقية تضمن الاستقرار للمنطقة وتحقيق مصالح الجميع.

كذلك، لا يزال الغموض يهيمن على مستقبل الانتخابات المرتقبة في ليبيا، في ظل تعدد السيناريوهات والمقترحات المطروحة، بين من يرى ضرورة إجراء انتخابات برلمانية فقط مع تأجيل الانتخابات الرئاسية، ومن يطالب بضرورة إجراء الانتخابات الرئاسية عبر قوائم على غرار انتخابات السلطة الانتقالية الراهنة عبر ملتقى الحوار الليبي، فيما يدعم البعض الآخر فكرة الالتزام بإجراء الانتخابات الرئاسية وهو الطرح الذي يرتبط بإشكالية أخرى تتعلق بكيفية اختبار الرئيس، وهل سيتم ذلك بشكل مباشر عبر الشعب، أم بطريقة غير مباشرة من خلال أعضاء البرلمان الجديد.

وفي النهاية، يبدو المشهد الراهن أقرب إلى سيناريو تأجيل الانتخابات، وهو ما دفع العديد من التقارير الدولية إلى التحذير من مآلات هذا التأجيل، واحتمالات عودة البلاد إلى المربع الصفري من خلال تأجيج الصراعات المسلحة، وهو السيناريو الذي بات يمثل هاجساً لدى كافة الفواعل المنخرطة في الملف الليبي، وبالتالي يبدو أن الاجتماع الأخير لدول الجوار الليبي جاء بالأساس لبحث مقاربة إقليمية توافقية تضمن الاستقرار في المنطقة، مع محاولة التوصل إلى رؤية مشتركة تجاه التطورات الداخلية في ليبيا، بما يعزز من مشاركة دول الجوار في حلحلة الملفات الخلافية التي فرضت حالة من الجمود على المشهد الليبي.