عظم الجزاء مع عظم البلاء..عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّ عِظَمَ الجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ البَلَاءِ، وَإِنَّ اللهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ» ، رواه الترمذي وابن ماجه، وقال الإمام الترمذي: "هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ".
وَصَحَّ أَيْضًا قوله - صلى الله عليه وسلم- : «إنَّ الرَّجُلَ لَيَكُونُ لَهُ عِنْدَ اللهِ الْمَنْزِلَةُ فَمَا يَبْلُغُهَا بِعَمَلٍ، فَمَا يَزَالُ اللهُ يَبْتَلِيهِ بِمَا يَكْرَهُ حَتَّى يُبَلِّغَهُ إيَّاهَا».
كماأَخْرَجَ الأئمة أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَأَبُو يَعْلَى وَالطَّبَرَانِيُّ: «إنَّ الْعَبْدَ إذَا سَبَقَتْ لَهُ مِنْ اللهِ مَنْزِلَةٌ فَلَمْ يَبْلُغْهَا بِعَمَلٍ ابْتَلَاهُ اللهُ فِي جَسَدِهِ أَوْ مَالِهِ أَوْ فِي وَلَدِهِ ثُمَّ صَبَّرَهُ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى يُبَلِّغَهُ الْمَنْزِلَةَ الَّتِي سَبَقَتْ لَهُ مِنْ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ».
وأوضحت دار الإفتاء المصرية أن شأن النفس الإنسانية أنها تتقلب بين حالين ولا ثالث لهما: حال عافية، وحال بلاء؛ فإن كانت في بلاء فشأنها غالبًا الجزع والشكوى والاعتراض والتهمة لله بغير صبر ولا رضا ولا موافقة، وإن كانت في عافية ونعمة فالأشر والبطر واتباع الشهوات؛ كلما نالت شهوة تبعت أخرى وتطلب أعلى منها، وكلما أعطيت ما طلبت تُوقع صاحبها في تعب لا غاية له.
وتابعت دار الإفتاء، عبر بوابتها الإلكترونية الرسمية، أنه من شأن النفس البشرية إذا كانت في بلاء لا تتمنى إلا كشفه، وتنسى كل نعيم ولذة، فإذا شُفيت رجعت إلى رعونتها وأشرها وبطرها وإعراضها عن الطاعة، وتنسى ما كانت فيه من البلاء، فربما رُدت إلى ما كانت فيه من البلاء عقوبة على معصية ارتكبتها، وذلك رحمة من الله بها ليكفها عن المخالفة، فالبلاء أولى بها، ولو أنها لم ترجع لرذائلها لكنها جهلت فلم تعلم ما فيه صلاحها.
وأوضحت الإفتاء أن هذا ما تشير إليه الأحاديث التي بين أيدينا من أن الابتلاء ليس وبالا وشرا في جميع أحواله، بل يمكن أن يكون العكس هو الصحيح، وينقلب البلاء إلى نعمة، وتنقلب المحنة إلى منحة.
وواصلت: كلنا يعلم الحديث الذي جاء عن صهيب رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- قال: «عجبًا لأمر المؤمن إن أمره كله له خيرٌ، وليس ذاك لأحدٍ إلا للمؤمن؛ إن أصابته سَرَّاء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له»، أخرجه مسلم.
ونبهت: كيف يكون الشر خيرًا والضر نفعًا؟ وكيف لا يكون ذلك إلا للمؤمن؟، لافتًا: كما تبين الأحاديث التي بين أيدينا أن قومًا أو عبادًا من عباد الله أراد الله بهم خيرًا من طريق البلاء، فأنزل عليهم البلاء، ثم رضاهم به وصبرهم عليه، فبلغهم منزلة عليا، كانت مكتوبة ومقدرة لهم في سابق علمه سبحانه وتعالى.
وأكملت: من هنا فإن للبلاء في حياة الإنسان من أوجه تعرفات الرب على عبده، والتي يريد سبحانه وتعالى أن يشده إليها، فمنها: ما يكون أدبًا وكفارة لما ارتكبه من ذنوب، ومنها: ما يكون زيادة في الدرجات وترقية في طريق القربات، ومنها ما يكون عقوبة على إثم عظيم ارتكبه من توجهت إليه البلاء.
واسترسلت أنه يمكن التمييز بين أنواع هذه الابتلاءات بما يكون عليه حال العبد عند وقوعها، فإن كان معها التيقظ والتوبة، كان تربية وإخراج من سوء الأدب إلى الأدب، وإن كان معها الرضا والتسليم ولم يقع ممن أصيب بها سوء أدب احتاج معه ما يوجب الأدب كان ترقية وزيادة، وإن كان معها الغضب والسخط كان ذلك دليلا على الطرد والعقوبة والبعد.
وأردفت أنه في عبارة جامعة فإن فيما يصاب به الإنسان من البلايا والشدائد مفارقة بين مراد العبد ومراد الرب، فإن مراد العبد أن يستمر بقاؤه في الدنيا، طيبَ العيش ناعم البال، ويكون حاله في طلب سعادة الآخرة حال المترفين، فلا تسخو نفسه إلا بالأعمال الظاهرة، التي لا كثير مُؤْنَةٍ عليه فيها ولا مشقة، ولا تقطع عنه لذة، ولا يفوته شهوة، ومراد الله منه أن يُطهره من أخلاقه اللئيمة، ويحول بينه وبين صفاته الذميمة، ويُخرجه من أَسْرِ وجوده إلى متسع شهوده.
موضوعات ذات الصلة
سيف زاهر يكشف موقفه برفقة حازم إمام من انتخابات الجبلاية
أبحاث تؤكد تأثير فيتامين د على مصابي فيروس كورونا