تنشر جريدة صوت الأزهر، صباح الأربعاء، مقالا جديدا لفضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، يسلط فيه الضوء على الأعمال الفنية والدرامية.
وقال شيخ الأزهر، إن الأزهر يشجع ويساند ويدعم الفن الذى يحمل رسالة للارتقاء بالمجتمع وتغيير الواقع السيئ إلى واقع أفضل.
وأضاف الإمام الأكبر أن بعض الأعمال الفنية التى تُعْرَض مؤخرًا - كما بلغني من كثير من المتابعين - أثبتت أنه يمكن أن تكون الرسالة قوية فتعرض للشباب جزءًا من تاريخهم وحاضرهم وتُقدِّم لهم نماذج القدوة الصالحة من أبطال هذا الوطن وشهدائه الذين ضحوا من أجله.
وناشد شيخ الأزهر كل صُنَّاع الدراما إلى استثمار نجاح الأعمال الجادَّة التى أثبتت أن الجمهور يقبل على الفن الهادف ويتأثر به حال توافره.
وأعلن عن تطلع المشاهدين المحبِّين للفنون الراقية الهادفة أن نرى مزيدًا من الأعمال التى تُنمِّى الوعى وتُعزِّز القيم الاجتماعية.. مثل تناول الرسالة العظيمة التى يقوم بها الأطباء وطواقم الصحة والإغاثة
وننشر فيما يأتي النص الكامل لمقال شيخ الأزهر..
عقب ثورة الخامس والعشرين من يناير كان من مظاهر الانقسام الحادِّ، الكثيرةِ فى ذلك الوقت، محاولاتٌ أثارت الفزع للانقضاض على حرية الرأى والإبداع والفكر، وهنا كان الدورُ الحاسمُ والتاريخىُّ للأزهر الشريف؛ حيث جمع هذا المعهدُ العريقُ فى رحابه المثقفين والمفكرين ورؤساء الأحزاب؛ لعبور هذا الانقسام، ووَضْع الوثائق الضامنة للحريات والمؤسِّسة للمواطنة بوصفها مُرتكَزًا لشكل الدولة.
وخلال تلك المرحلة الحاسمة فى تاريخ مصر، وفى ظِلِّ وجود بعض التيارات المتشدِّدة والرَّافضة لأى إبداع أدبىٍّ أو فنىٍّ، تحت مزاعم أن الشريعة الإسلامية السَّمْحة تُحرِّم هذا النوع من الإبداع - انتفض الأزهر للدفاع عن حرية الإبداع بمختلف مجالاته العلمية والأدبية والفنية؛ فكانت وثيقتُه الثالثة التى حملت عنوان: «وثيقة النظام الأساسى للدولة»، وتضمَّنت تأصيلًا شرعيًا وفلسفيًا ودستوريًا للحريات الأربع: «حرية العقيدة، وحرية البحث العلمى، وحرية الإبداع والفنون، وكل ما يحمى ذلك من حرية الرأى والتعبير عنه»، وهو جوهر تلك الحرية المسئولة بجوانبها المختلفة، وهذا إنَّما يدلُّ على تشجيع الأزهر الشريف ومساندته للإبداع الفنى.
والسؤال الذى يشغل الأذهان هنا: ما الفن الذى يشجعه الأزهر الشريف ويسانده؟
الإجابة عن السؤال السابق تتلخَّص فى أن الأزهر يُشجِّع، ويساند، بل ويدعم الفنَّ الهادف، الذى يحمل رسالةً يريد من خلالها الارتقاءَ بالمجتمع، وتغيير الواقع السيئ إلى واقعٍ أفضل، ولا شكَّ أن الفن إذا فَقَدَ رسالته يصبح فنًا مبتذلًا وضارًا ومدمِّرًا، وقد قلت من قبل إن الفن يؤثِّر على سلوك الشباب وأخلاقهم بطريقة سلبية بنسبة كبيرة جدًا، وذكرت حينذاك أن السبب فى هذا التأثير السلبىِّ هو أن الأعمال الفنية فى السنوات الأخيرة تجعل الشباب غير جادٍّ فى التعامل مع الحقائق، وتدعوه إلى فَهْمِها كما يتسنَّى له، أو اللجوء إلى لا أقول تقدير الموقف تقديرًا حقيقيًا، كما يتطلَّبه على الواقع، وإنَّما يخلع عليه من تصوُّراته ومن ذاته الكثير؛ بحيث يستطيع أن يهرب أو يعتدى أو يُهوِّل من شأنه، وتبقى المشكلة موجودة.
الفن قديمًا كانت له رسالة، وكان المشاهد يخرج فى نهاية الفيلم أو المسلسل بدرس يستفيد منه فى حياته، ولكن هذه المعانى - مع الأسف - فُقِدت الآن، وأنا هنا لا أُعمِّمُ هذا القول على جميع الأعمال الفنية فى وقتنا المعاصر؛ فلا شكَّ أن هناك أعمالًا قيِّمة تجمع بين الإبداع والرسالة، لكننا - ومع الأسف - نجد الأعمال السلبية هى الأكثر تأثيرًا على الشباب، وقد يقول بعضنا إن اللَّمْسة الإبداعية تحتاج إلى مثل ما يراه الناس فى هذه الأعمال، وهنا أتساءل: هل يُعْقل أن يُدمَّر جيلٌ كاملٌ تحت ذريعة الحفاظ على اللَّمْسة الإبداعية؟ هل هذه وطنية؟ أو هل هذه مسئولية؟ وأىُّ نوعٍ من أنواع الالتزام الخُلُقىِّ أو الدينىِّ أو الوطنىِّ هذا؟ وأعتقد أن الجميع يتفق معى فى أننا لا أقول نَهْوِى، ولكن نحن متوقِّفون عند مستوى لا نرضى عنه جميعًا، بل هذه الشكاوى التى نقرؤها فى الصحف، ونشاهدها فى وسائل الإعلام، التى تتذمَّر ممَّا وصل إليه الحال الآن، تجعلنا نطالب بضرورة التوقُّف أمام هذا النوع من الفن الضارِّ الذى يُفْرَضُ على المجتمع، وبالحدِّ منه.
ولذلك حين نطالب بأن يعود الفنُّ لرسالته الهادفة فهذا يَنْبُعُ من إدراكنا أهميَّة هذه الرِّسالة، ومدى تأثيرها فى المجتمع، وقد أثبتت بعض الأعمال الفنية التى تُعْرَضُ مؤخرًا - كما بلغنى من كثيرين - أنه يمكن أن تكون الرسالةُ قويَّةً؛ فتَعْرِض للشباب جزءًا من تاريخهم وحاضرهم، وتُقدِّم لهم نماذج القدوة الصَّالحة من أبطال هذا الوطن ورموزه الحقيقيين، وشهدائه الذين ضحّوا من أجله، بعد عُقودٍ احتفت فيها الأعمال الفنية بالنَّماذج الفاسدة؛ من الأشقياء، والبلطجية، واللصوص، وأصحاب تجارب الثَّراء المُحرَّم، والمتحرِّشين ومنتهكى الأعراض، فى إطارٍ من العنف اللَّفْظىِّ والبَدَنىِّ المَقِيت.
إننا ونحن نؤكِّد رفضنا هذه الأعمال التى تُفْسِدُ الأخلاق نؤكِّد دَعْمَ كلِّ عملٍ فنىٍّ هادفٍ، وصاحبِ رسالة، ويُسْهِم فى رفع وَعْى الشباب بقضايا وطنهم ومجتمعاتهم، وندعو كل صُنَّاع الدراما إلى أن يحذوا هذا الحَذْو، وأن يستثمروا نجاح الأعمال الجادَّة التى أثبتت أن الجمهور يُقْبِل على الفن الهادف ويتأثَّر به حال توافره.
كما نتطلَّع أيضًا، نحن المشاهدين المُحبِّين للفنون الراقية الهادفة، أن نرى مزيدًا من تلك الأعمال التى تُنمِّى الوعى، وتُعزِّز القيم الاجتماعية، وتتحدَّث عن الأخلاق والسلوك، وتتناول الواقع الاجتماعىَّ وجوانبه الإيجابية، مثل الرسالة العظيمة التى يقوم بها الأطباء وطواقم الصحة والإغاثه عمومًا، وفى وقت تفشِّى الأوبئة على وجه الخصوص.