أسرع يخطو قدماه نحو المحطة، وقع بين خيارين إمّا أن ينتظر بضعة دقائق أخرى في المنزل، أو الإسراع حتى يلحق العمل الذي يذهب إليه، لكنّه وطوال طريقه كان يدعوا الله أن ييسر له هذا الطريق الشاق والصعب، بالرغم من كونه ألقى باللوم على هذا العمل الذي يدفعه للخروج قبل آذان الفجر من المنزل والسير إليه دون أن يؤدي الصلاة التي لطالما كان يؤديها دون انقطاع، إلّا أنّ مواعيد العمل الجديد دفعته للخروج في وقت مبكر.
جلس على المحكة في انتظار القطار حاملًا بيده حقيبة سفره، فقد انتهت للتو الإجازة التي حصل عليها من وحدته بالجيش المصري، لم يتبقى له سوى أيام قليلة حتى ينتهي من أداء الخدمة، موعد عودته في التاسعة صباحًا ولبعد المسافة خرج من منزله مبكرًا لأجل الوصول في موعده حتى لا يتم عقابه على التأخير، دقائق حتى يصل المترو ليستقله مستكملًأ الطريق الذي على وشك الانتهاء.
على مسافة قريبة جلس عجوز خمسيني بدا عليه الإرهاق والتعب، مشقة العمل دفعته للخروج في الخامسة صباحًا من منزله حتى يستطع قضاء احتياجات بناته الثلاثه إحداهن على وشك الزواج والأخرى في الجامعة والثالثة في المرحلة الثانوية، الدقائق التي مكثها منتظرًأ قدوم قطار المترو كانت كفيلة ان يعيد شريط حياته بأكمله أمامه.
دقت إشارة المحطة معلنة عن قدوم مترو الأنفاق القطار الأول الذي يخرج من محطة حلوان متجهًا إلى المرج، جميعهم استعدوا للركوب كلا منهم حمل متعلقاته بيده ووقف على أطراف المحطة في انتظار فتح الأبواب، وكأن القدر كان يخبئ لهم شيئًا مع إعلان المترو عن فتح أبوابه بالمحطة رفع آذان الفجر، وكأّنها رسالة من الخالق لكل واحد منهم.
وكأنّهم كانوا ينتظرون الآذان حتى هموا مسرعين أخبروا أحد الركاب ذو اللحية كان متواجدا بينهم، يبدوا على هيئته أنّه رجلا صالحا، طلبوا منه أن يتقدمهم كإمامًا في الصلاة لم يتردد الشيخ ذو اللحية، هموا مسرعين لآداء الصلاة، انتهوا منها تغيرت ملامحهم علتها الطمأنينه وكأنّ كلا منهم كان يحمل رسالة في قلبه يريد أن يوصلها في سجوده، لم يمنعهم شيئ في تلبية نداء ربهم، بالرغم من خروجهم جبرا قبل الآذان إلّا أنّهم أدوا الصلاة بداخل القطار في مشهد وصف بكونه الأجمل، فما زالت مصر "فيها حاجة حلوة".