الكفاءة والإجتهاد، شكّلا أحلام الشاب أحمد فريد، الذي استطاع أن يصل عن طريقهما إلى حدود الفضاء، ليصبح أوّل مصري يعمل في الوكالة الألمانية للفضاء، فلم يكن في مخيلته منذ الصغر أن يصبح عالم فضاء، ولكن الفكرة تبلورت لديه مع سنوات نضوجه.
ورغم صعوبة تحقيقها إلاّ أنه عمل على تطوير ذاته، بمساندة من والديه، فبعد تخرجه من إحدى الجامعات الخاصة في مصر، عمد إلى نهل العلم، في الحاسب الآلي والتكنولوجيا من الجامعة الأمريكية، فكان الباب لعوالم أُخرى أعادت تنظيم أُحجيات حياته وجعلته يُدرك ما يصبو إليه.
"تم اختياري أنا وشخصان من ضمن 4500 شخص، تقدموا لمنحة من شركة IBM الدولية، ليعملوا في مقر الشركة الرئيسي في مصر، ثم جاء سفري بالصدفة لألمانيا منذ 15 عام، للعمل في معهد الاقتصاد والإحصاء، كفرصة تدريبية بأجر رمزي لمدة شهرين، وعقب ذلك أعلنت الوكالة الألمانية للفضاء، عن حاجتها لعاملين فتقدمت وتم قبولي، واستطعت أن أثبت جدارتي وأتدرج في المناصب حتى وصلت لمنصب "متحكم مركبات فضاء" بوكالة الفضاء الألمانية"، هكذا استهلّ فريد حديثه مع "بلدنا اليوم".
لم تكن اللغة هي العائق الوحيد أمام فريد في ألمانيا، بل كانت طبيعة الدولة ذاتها، وأسلوب الحياه بها، ما هيأه إلى تحمل الصعاب، واثبات جدارته حتى يكمل ما بدأه، "المنصب لم يكن هدفي السامي في الغربة، بل الوصول إلى مشروع يفيد البشرية، وهو ما عملت على تحقيقه برغم أنني المصري الوحيد، وعدم وثوق البعض في قدراتي، اجتهدت لاثبات نفسي بالشكل الأمثل، نا شكّل عبىء عليّ نظرًا لأنني أمثّل المصريين جميعًا، ونجاحي أو فشلي سيؤخذ على محمل الجد، بخلاف أي جنسيات أخرى لتعددها داخل الوكالة".
يفخر العالم المصري في أبحاث الفضاء، بهُويته المصرية، ولغته الأم، وهو ما ترك أثره في عمله، من اعتزاز رؤسائه به، واندهاشهم لما وصل إليه، راويًا أحد الامثلة على ذلك، حينما كان يعمل في معهد الاقتصاد والإحصاء، وكرمه المعهد باختياره لاستقبال الرئيس الألماني حينها، الذي قام فريد باهدائه قطة فرعونية، كتذكار بسيط في لفتة إنسانية جميلة.
وعن أهم المهام والمشاريع الفضائية التي شارك فيها فريد، كان الحدث العالمي الكبير، بإطلاق المكوك الأمريكي "أطلانتس"، وترأسه لمجموعة أفريقية من خبراء الفضاء من المغرب، ونيجيريا، وغانا، علاوة عن فخره لوجوده ضمن فريق أضخم المشاريع الموجودة على الكرة الأرضية، وهي محطة الفضاء الدولية التي يشارك فيها 5 كيانات دولية، ومهمتها الدوران حول الأرض.
يرى فريد، أن مصر قادرة على إنشاء وكالة للفضاء، وتصديق الرئيس عبد الفتاح السيسي على وجودها، تعد نقطة البداية لذلك، لافتًا إلى ضرورة تحديد نشاطها وتطويره، بالتعاون مع الوكالات المختلفة حول العالم: "علوم الفضاء مطلوبة، وان لم نملك المبالغ الكافية فلدينا العقول، التي أتمنى أن يعالج القصور الذي يعاني منه التعليم في مصر الآن، ويعود لسابق عهده حتى يغذيها بشكل جيد وفعّال، وعلى الشباب أن يتقنوا العمل ويعلمو أنه لا يوجد نجاح من غير فشل، فقط عليهم عدم الاهتمام بالشهادات، وتحديد أهدافهم وتكملة ما بدؤوه للوصول إلى القمّة".
وبمناسبة إحياء العالم الشهر الماضي، الذكرى الـ50 لهبوط الإنسان للمرة الأولى على سطح القمر عبر مهمة "أبولو 11"، لا يستبعد عالم الفضاء المصري، تكرار التجربة، ولكن على أساس علمي، "التجربة الأولى من 50 عام كانت حالة تكنولوجية واثبات قوة الولايات المتحدة الأمريكية، في الهبوط على القمر، في تحدي للإتحاد السوفيتي الذي سافر إلى الفضاء، والآن هناك خطط لبناء مستعمرات على القمر من روسيا والصين والاتحاد الاوربي، وأخرى لبناء قرية "سمارت" على سطح القمر، ولذا فالرحلة القادمة ستكون علمية بحتة".
ويعكف فريد، حاليًا على مشروع يدعى "سويت ووتر"، لحل أزمة تلوث المياة في إفريقيا، ببناء "ستالايت"، قمر صناعي مصغر يحوي جهاز يتمكن من اكتشاف المياة العذبة في 67 بحيرة، واكتشاف نوع معين من البكتيريا التي تنمو فيها بعد الفيضان، وتؤدي إلى اصابة من 6 إلى 7 مليون افريقى سنوياً بأمراض مزمنة تصل بمصابيها للوفاة.
ويعمل فريد، على هذا المشروع منذ عامين، بالتعاون مع جامعتين في ألمانيا، ويسعى جاهدًا إلى إشراك عناصر إفريقية ضمن فريق العمل، إلاّ أن الدعم المادي هو ما ينقصه من أجل تنفيذ الجهاز على أرض الواقع.
ونوّه العالم المصري، إلى أهمية تبادل الخبرات في مجال الفضاء بين مصر والدول الأخرى، لافتًا إلى استعداده الكامل لنقل خبراته ومشروعه لخدمة مصر إن طُلب منه ذلك "أسعدني للغاية مقابلة وزيرة الهجرة، ذات الطاقة الإيجايية، واستعرضنا خلال اللقاء مشروعي، ويشرفنى الانضمام لمؤسسة مصر تستطيع، ولكن حتى الآن لم يتواصل معي أحد بخصوص ذلك".
بتدرجه على سلالم العلم، لم يغب عن باله الفضل الكبير لوالديه اللذين وضعا اللبنات الأساسية في شخصيته، فصنعاها كما يعتز بها الآن، " لولاهم ما كان لي وجود، فوالدتي سيدة عظيمة تقف بجانبي وتشد من أزري في دربي الذي أسلكه، أما والدي الذي ترقّت روحه من شهرين، كان دكتور من ملائكة الرحمة يحترمه الجميع، فعلمني كيف أعامل الناس بما أُحب أن يعاملوني به، وبذر بداخلي حب الخير، والعمل من أجله ليتذكرني الناس ويرددون إسمي بالطيب".
ومع بلوغ طموح فريد، عنان السماء، كانت لأحلامه وجهة أخرى، استطاع أن يحققها، فبرع في مجال التمثيل، الذي ولجه بالصدفة، حينما تراكمت عليه رسوم مشاهدة التليفزيون لرفضه دفعها كونه لم يكن من شغوف بالمشاهدة، فقرر خوض المجال لدفع الرسوم من حصيلة تمثيله، ونال بعض الأدوار التي أظهرت موهبته، معربًا عن تطلعه في أن يؤدي دور مصري في أحد الأفلام، ليثبت خلال ذلك أن المصري قادر على تحقيق المستحيل.