رد مجمع البحوث الإسلامية، على تساؤل أحد المتابعين القائل: " قمت بإجراء عملية جراحية، ورفض الطبيب أخذ مقابل مادي، وأريد أن أضحي عنه فهل هذا جائز؟".
وأجاب المجمع موضحا: " الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد فتفيد لجنة الفتوى بالآتي":
المبادئ:
1. الهبة سبب صحيح من أسباب التملك.
2. الأضحية من العبادات التي تجوز فيها النيابة عن الغير.
3. يشترط لصحة النيابة عن الغير في الأضحية أن يأذن الأصيل.
4. قبول الهبة مرده إلى الطبيب.
التفصيل :
أولا: الهبة سبب صحيح من أسباب التملك.
الهبة : تمليك المال في الحياة بغير عوض، وما فعله الطبيب من تنازله عن أخذ المقابل المادي يعد من الهبة، وقد حثنا القرآن الكريم على المروءات وكريم الأخلاق برد الهدية بمثلها أو أحسن منها، قال تعالى {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا} [النساء: 86] ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " وَمَنْ صَنَعَ إِلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا مَا تُكَافِئُونَهُ فَادْعُوا لَهُ حَتَّى تَرَوْا أَنَّكُمْ قَدْ كَافَأْتُمُوهُ ». سنن أبى داود-ن (2/ 52)، وإذا قبض الموهوب له الهبة يصير مالكا لها ويحل له كل التصرفات التي تحل لمالكها ومنها التضحية.
ثانيا: الأضحية من العبادات التي تجوز فيها النيابة عن الغير.
العبادات : منها عبادة تقبل النيابة كالزكاة والحج، ومنها عبادة لا تقبل النيابة كالصلاة، والأضحية من العبادات التي تقبل النيابة ، ويستدل لوقوع النيابة في الأضحية بما ثبت عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَاهُ غَنَمًا يَقْسِمُهَا عَلَى صَحَابَتِهِ، فَبَقِيَ عَتُودٌ، فَذَكَرَهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «ضَحِّ بِهِ أَنْتَ» صحيح البخاري (3/ 98) وزاد الترمذي " يَقْسِمُهَا عَلَى أَصْحَابِهِ ضَحَايَا " سنن الترمذي (3/ 140) ، وعن أبي هريرة قال ضحى رسول الله صلى الله عليه و سلم بكبشين أقرنين أحدهما عنه وعن أهل بيته والآخر عن من لم يضح من أمته . سنن الدارقطني (4/ 276) فتدل هذه النصوص على جواز النيابة في الأضحية.
ثالثا: يشترط لصحة النيابة عن الغير في الأضحية أن يأذن الأصيل : وذلك لأن الأضحية عبادة ، والعبادة لا بد فيها من النية ، وإذا لم يأذن الأصيل فلا تقع الأضحية عنه ، قال الرافعي : لا تجوزُ التضحيَةُ عن الغَيْر بغَيْر إذْنه " العزيز شرح الوجيز : 7/ 130.
رابعا : قبول الهبة مرده إلى الطبيب.
الهبة مستحبة في حق الواهب إن كانت ابتغاء المودة والمحبة ولم يكن للواهب من ورائها غرض محرم ، أما قبول الهبة فأمر يرجع للموهوب له فله الحق في القبول كما له الحق في رد الهبة ، وعند عدم قبول الهبة لا يكون ملاما ؛ لاسيما إذا استشعر الموهوب له المنة بالهبة.
وبناء على ما سبق: فإنه لا مانع أن يرد السائل هدية ( كأضحية أو ما تيسر ) لمن قدَّم إليه معروفا ، فإن قبلها الطبيب صحت الأضحية عن الطبيب وللسائل ثواب الهدية، وإن ردَّها الطبيب، فلا تقع أضحية عن الطبيب، وللطبيب الحق في اتخاذا القرار الذي يراه مناسبا.
هذا إذا كان الحال كما ورد بالسؤال والله أعلم بالحال.