"المشردات"هؤلاء الفتيات الذين اتخذوا من الشوارع والأرصفة وأنفاق الكباري بيوتا لهن، حلمهن الشاغل ليست في غطاء أو وجبة ساخنة تحميهم من البرد القارس، أو من مبرد أو مروحة هوائية تقيهم من الحر وسط ارتفاع درجة الحرارة، وإنما في لحظة عطف تشعرهم بإنسانيتهم التي خلقوا عليها.
خيطًا رفيعًا كانوا يبحثن عنه هؤلاء الفتيات، حتى جاء من يحققن أحلامهن، التي هي أقل ما يمكن الاعتراف به وسط حياة الملايين من البشر، وما ينادي به الحقوقيون في أنحاء العالم.
هذا الخيط أو الممر أو طوق النجاة كما يدعون، خلال الفترة تنوعت مابين أن يكون شخصًا أو مؤسسة أو دولة بأكملها تتجه لإصدار توجيهات لاصطيادهم من افتراس الحيوانات .
"بلدنا اليوم" عايشن الناجيات من ظلمات الشوارع، بعدما تم انتشالهم من مأزق العيش إلى المأوى الجديد، ليروين لهم حكايتهم قبل وبعد المناجاة.
على ملاءة مهترئة، تنام شيماء، 17 عامًا، وسط حديقة صغيرة، بميدان الأوبرا، منذ 7 أشهر، لم تبرح مكانها، عانت من قرحة كبيرة وسط ظهرها، أتى إليها كل يوم سيدات من المارة أثناء خروجهم للعمل، حيث يمنحوها أرغفة من العيش وقطعة جبنة، أحيانًا علبة كشري، ثم يغادرونها، حتى يعودوا إليها في اليوم الثاني.
أحد المارة عندما علم، بوجودها ونومها في الشارع، قام بالاتصال بالخط الساخن لوزارة التضامن الاجتماعي، وعلى الفور تم انتقالها ونقلها لإحدى دور الرعاية التابعة لها، ومن هنا تبدأ "شيماء" رواية قصة حياتها.
تقول: " قضيت في الشارع حوالي 4 سنين، وجدت الشفقة من الناس كثير، لما كنت بصحى من النوم، بلاقي اللي بيديني ساندويتش العيش وأكلات أخرى لحمة وفراخ، وكنت بسيبها في الشارع، عشان ده مكنتش مشكلتي في الحياة".
"في الدار وجدت الروح والحياة، وأصبحت منذ التحاقي بالدار، فتاة نشيطة لدي أمل في الحياة".
"أميرة" التقطها أحد الصحفيين المندوبين لوزارة التضامن الاجتماعي، وهى تجلس منحنية على الأرض، وتضع كرنوتة فوق رأسها، وكانت تحيك المفروشات بالخيط والإبرة، وعندما توجه لها بالسؤال عن سبب عدم جلوسها في الشارع، أجابت أنه لايوجد أحد يمد يد العون لها، وينقلها لمأوى يحميها من أذى الشر.