إمبراطورية معامل التحاليل تهدد المصريين.. والبرلمان: قانونها من الخمسينيات

الاربعاء 27 فبراير 2019 | 11:42 مساءً
كتب : مصطفى الخطيب

ليلى أبو إسماعيل: كثرة التشريعات أجلت مناقشة مشروعى الجديد منذ الانعقاد الثانى

وكيل لجنة الصحة بالبرلمان: قوانين الخمسينيات لم تفرق بين معامل «التربة» و«الإكلينيكية»

عصام القاضى: لا ترتقى لتكون «ظاهرة».. ويجب تغليظ العقوبات على المتخاذل

بهاء طاهر: لا بد من وجود دائم لطبيب بشرى بها.. وابتعاد أصحاب المصالح عن المنظومة

نقيب الأطباء: القطاع الصحى مشكلاته كثيرة.. ولا أحد يكترث لمطالبنا بإصلاحه

طارق كامل: «الصحة» هى الجهة المالكة لسلطة الضبطية القضائية والتفتيش عليها

محمد فؤاد: تعدد جهات إصدار التراخيص سمح لغير المتخصصين بمزاولة المهنة

انتشرت معامل التحاليل الطبية بنسبة كبيرة فى الفترة الماضية؛ مما أدى إلى وجود فوضى فيها بسبب الأخطاء المتكررة التى تحدث داخل جزء ليس بالقليل منها بسبب النتائج غير الدقيقة.

الدكتورة إيناس عبد الحليم، وكيل لجنة الصحة بمجلس النواب، سبق وأن تقدمت بطلب إحاطة إلى الدكتور على عبد العال، رئيس البرلمان، موجهًا إلى الدكتور مصطفى مدبولى رئيس الوزراء، والدكتورة هالة زايد وزيرة الصحة، بشأن إمبراطورية معامل التحاليل الطبية التى خرجت عن سيطرة المسئولين فى وزارتها، مشيرة إلى أن نتائج تحاليل العينات أغلبها غير دقيقة؛ مما يضع الأطباء فى حيرة بدلًا من مساعدة المرضى بالعلاج المناسب.

نسبة الخطأ فى المعامل الطبية أثارت جدلا واهتماما كبيرا بين النواب، حيث يرى البعض منهم أنها تصل إلى 99% فى النتائج التى تعطيها، بيما يرى آخرون أنها لا تصل إلى 70%، وأن ما يحدث ليست إلا "أخطاء أجهزة" وغير مقصودة، وأن الحل يكمن فى الذهاب إلى من يحمل سمعة طيبة منها.

القانون الأزلى

وبعد الضجة العارمة التى حدثت فى الآونة الأخيرة؛ بحثنا فى القانون المنظم لعمل معامل التحاليل الطيبة حيث وجدناه موضوعا فى العام 1954 برقم رقم 367، أى منذ 65 سنة، ولم يتم تعديله إلى الآن، وهو يتيح لخريجى كليات "الطب البيطرى، والزراعة، والعلوم، والصيدلة، والطب البشرى" فتح المعامل، كما يخلط بين معامل التشخيص الطبى ومعامل اللقاح والأمصال ومعامل الأبحاث العلمية.

العقوبة فى هذا القانون تقتصر على غرامة 200 جنيه فقط فى حال فتح معمل دون ترخيص؛ مما سهل من انتشارها بشكل كبير، أدى لفوضى عارمة.

حالات تروى مأساتها

وروى لنا عدد من الأشخاص مآسيهم داخل معامل التحاليل، حيث روى أحد الشباب، رفض ذكر اسمه، قائلا: "إنه منذ فترة شعر بآلام فذهب إلى إحدى العيادات الطبية فطلب منه الطبيب بها إجراء تحاليل بأحد المعامل ليتضح من نتائجها أنه مصاب بفيروس «سى» ما أدى لإصابته بحالة نفسية سيئة، ولكن طبيب العيادة شك فى نتيجة التحليل وطلب منه إجراء تحليل آخر فى معمل مختلف؛ ليتبين أنه غير مصاب بالفيروس، وهو ما فسره الطبيب بأن التحليل الأول- الذى أثبت الإصابة- ربما يكون قد اختلط مع عينة شخص مصاب بالفعل، نتيجة عدم تطهير الأجهزة ومعايرتها بشكل دورى ومستمر.

وقالت إحدى الحالات أيضا إنها كانت مصابة بآلام فى الحنجرة وذهبت إلى الطبيب الذى طلب منها إجراء بعض التحاليل، والتى بينت أنها مصابة بورم فى الحنجرة، وعندما ذهبت للطبيب شكَّ فى نتائج التحاليل وطلب منها إجراء آخر جديد، وتبين من نتائجه أنها تحتاج لـ"إزالة اللوز" على الرغم من أنها أجرت التحليل فى المرة الأولى بأحد المعامل الشهورة.

دور الانعقاد الثانى

ليلى أبو إسماعيل عضو لجنة الصحة بمجلس النواب، تقدمت بمشروع قانون التحاليل الطبية، لرئيس المجلس منذ دور الانعقاد الثانى، مؤكدة أنه لم تتم مناقشته حتى الآن؛ بسبب وجود قوانين كثيرة داخل البرلمان.

وأوضحت أن القانون ذو طبيعة خاصة جدا، ويحتاج إلى حوار مجتمعى؛ لأنه يشمل أكثر من جهة ونقابة مختصة، مشيرة إلى أن سبب تقدمها بمشروع القانون؛ هو أن الحالى عفا عليه الزمن، خاصة أنه منذ عام 1954 ولم تجر عليه أى تعديلات ولا يتناسب مع الفترة الحالية، مؤكدة أن هناك فوضى عارمة فى معامل التحاليل وانتشارها بشكل كبير، ويجب أن يكون هناك تقنين لها.

وأضافت أن مشروع القانون الذى تقدمت به، ينص على أنه لا يجوز للطبيب العادى أن يأخذ رخصة لفتح معمل، ويجب أن يكون طبيبا متخصصا فى المعامل، حيث أن القديم لم يكن يحدد من هو المخوَّل بفتح معمل، مشيرة إلى أن العقوبة بالقانون القديم 200 جنيه فقط وهذا شىء غير معقول، أدى إلى انتشار معامل بئر السلم والفوضى بها بشكل كبير، ونتائج الأخطاء زادت بشكل كبير سواء فى الصغيرة منها والكبيرة أيضا، خاصة أن تلك النتائج يعتمد عليها الطبيب فى التشخيص، وعلى ضوئها يحدد العلاج المناسب.

لا رقابة

وأشارت إلى عدم وجود رقابة حقيقية على هذه المعامل؛ مما أدى إلى انتشار الفوضى العارمة وزيادة الأخطاء؛ بسبب عدم تخصص من يعملون داخلها، لافتة إلى أنهم يتعاملون مع أرواح الناس؛ لذا يجب التعامل معها بحرص ودقة، ونتمنى صدور القانون فى دور الانعقاد الثانى.

بدون خبرة

ومن جانبها قالت الدكتورة إيناس عبد الحليم، وكيل لجنة الصحة بمجلس النواب، إن هناك بعض معامل التحاليل تكون تحت إشراف طبيب يعطى الاسم للمعمل ولكن لا يديره، ومن يعمل به فنيون وخريجو معاهد علوم صحية ليست لديهم خبرة ودراسة مثل خريجى كليات الطب، وبالتالى فإن نتائج التحاليل تختلف من معمل لآخر وهو ما يصعب عمل الطبيب من اتخاذ قرار العلاج المناسب بإجراء جراحة عاجلة أو بالعلاج الطبى للمرضى.

وأشارت إلى أن قوانين الخمسينيات بها أخطاء ويجب تعديلها حيث أعطت الحق لخريجى الزراعة والصيدلة والعلوم بفتح معامل ولكن ليست معامل طبية بل معامل تربة، فخريجو الطب البيطرى والصيدلة فى المحافظات كان يسمح لهم بإنشاء صيدليات لتقديم أدواية الطب البيطرى، ولكن وبالمخالفة للقانون؛ أصبحوا يتوسعون ويبيعون أدوية بشرية.

غير مطابقة للمواصفات العالمية

وأوضحت أن معظم معامل التحاليل غير مطابقة للمواصفات المحلية أو العالمية، وخلت من طبيب متخصص فى التحاليل، بينما وجد ببعضها أشخاص ليسوا أطباء ولا ممرضين ولا كيميائيين، فهناك كيميائيون يتعدون حدود الرخصة التى حصلوا عليها بإنشاء معمل مايكرو بيولوجى "متخصص فى تحاليل البول والبراز والمثانة فقط"، لكن هم يقومون بكل التحاليل رغم عدم أهليتهم، ومن ثم تحدث الأخطاء المتكررة الكبيرة.

كما أشارت إلى أن بعض أساتذة الأورام أكدوا أن بعض معامل التحاليل فى مصر أظهرت نتائج تحاليل لبعض المرضى تثبت معاناتهم من أورام سرطانية، فى حين أن نفس المرضى أعادوا التحاليل فى معامل أخرى أثبتت عكس ذلك، لافتة إلى أن هذا الخطأ قد يؤدى إلى نتائج كارثية تضر المريض.

وتابع وكيل لجنة الصحة بالبرلمان، أن كل معامل التحاليل على مستوى العالم بها نسبة خطأ تصل لنحو 25%، ولا يجب أن تزيد عن هذا المعدل، وهو ما نراه فى أمريكا، ولكن فى مصر لا توجد إحصائية عن نسب الأخطاء رغم أنها كبيرة للغاية، وتسببت فى حيرة الأطباء أنفسهم من اتخاذ قرار العلاج المناسب للمريض.

ولفتت إلى أنها تقدمت بمشروع قانون التحاليل الطبية؛- باعتبارها تؤثر على حياة المريض- إلى لجنة الصحة بمجلس النواب، وسيتم مناقشته فى دور الانعقاد الحالى، منوهة بأن حياة المرضى لا يجب أن تكون مصدرا للرزق، فالقانون الجديد سيصلح أخطاء قانون 54 من حيث "تحديد من يحق له فتح معمل تحليل، ومن يحق له كتابة تقرير طبى، وتوحيد جهة إصدار التراخيص".

ومن جانبه قال الدكتور عصام القاضى عضو لجنة الصحة بمجلس النواب، إن هناك أخطاء فى نتائج تحاليل المعامل الطبية بلا شك، ولأن تجهيز العينة وتحضيرها وقراءتها أمر مهم جدا؛ يجب أن يكون هناك تركيز من قبل المتخصص فى إعداد نتائج التحاليل، لأن هناك أخطاء بالفعل، ولكن لا أستطيع أن أقول إنها ظاهرة.

التعديل

وأوضح "القاضى" أن الرقابة على معامل التحاليل وخاصة فى المستشفيات الحكومية تحتاج إلى رقابة شديد، لافتا إلى أن قانون معامل التحاليل يحتاج إلى تعديل وخاصة أن طارئا جدَ على المهنة وانتشرت أمراض كثيرة فيجب أن يكون هناك تعديل للقانون، وخاصة أن التشريعات جاهزة داخل لجنة الصحة بالبرلمان، ولا بد من تغليظ العقوبات على المعامل لأن الطبيب يأخذ رخصة المعمل ولا يكون متواجدا داخله، وهذه كارثة حيث يجب أن يكون هناك إشراف منه يتضمن وجوده به.

وأشار إلى أنه يجوز أن يعمل خريج العلوم، داخل معامل التحاليل، بإشراف الطبيب، خاصة أنه توجد لديه خبرة ويتعامل مع العينات بشكل جيد جدا.

غير مؤهلين

وقال الدكتور بهاء طاهر، أمين عام النقابة العامة للأطباء، إن قانون المعامل الطبية الصادر بتاريخ عام 54 سمح لغير الأطباء من خريجى كلية الزراعة والطب البيطرى، بإنشاء وفتح معامل تحاليل، وممارسة مهنة طبيب تحاليل طبية وهم غير مؤهلين لها.

وأضاف أمين عام النقابة، أن هناك تضاربا شديدا فى نتائج العينات بمعامل التحاليل وهى ما تؤدى إلى أخطاء فى التشخيص وتصعب على الأطباء مهمة تحديد الوصف المناسب للمرض وبالتالى كتابة العلاج المناسب أيضا للمريض، ما يؤثر بالسلب على صحة الإنسان.

حبيسة الأدراج

وأكد "طاهر" أن نقابة الأطباء طالبت بتعديل قانون المعامل الطبية بإلزام أى معمل بالعمل تحت إشراف طبيب بشرى، ولكن تعليمات النقابة لا زالت حبيسة الأدراج، فالأمر ليس مجرد عينة يتم وضعها فى جهاز تحاليل فتحاليل التربة ليست كتحليل جسم بشرى تختلف به طريقة أخذ العينة وتحتاج إلى ضوابط معينة، وكل فترة هذه العينات تحتاج إلى إعادة تحليل.

وأشار إلى أن غير الطبيب لا يفهم هذا الحديث، متسائلا: "ألا توجد لدى القائمين بالمنظومة الصحية ضمائر توقظها".

وأوضح بهاء طاهر، أن نقابة الأطباء أخذت حكما تاريخيا من المحكمة الإدارية العليا دائرة المبادئ ينص على "أن لا تنفذ التحاليل التى تجرى على جسم الإنسان، إلا بإشراف طبيب بشرى؛ باعتبارها جزءا صميما من عمل الطبيب، ولا يجوز لغيره عمله"، مؤكدا أهمية ألا يؤثر أصحاب المصالح على المنظومة الصحية.

لا توجد استجابة

وقال الدكتور حسين خيرى نقيب الأطباء، إن العمل المهنى يمر بمشكلات عديدة، فالنقابة طالبت مرارا بحل مشكلات القطاع الصحى، ولكن لا توجد استجابة، حيث لم يكترث أحد لمطالبنا.

وأضاف "خيرى" أن ممارسة العمل بمجال التحاليل الطبية لا بد أن يتم من خلال طبيب خريج كليات الطب فقط، وليس ما يحدث من عمل خريجى كليات العلوم والزراعة والصيدلة به، مؤكدا أن نقابة الأطباء طالبت بتعديل قانون المعامل الطبية الصادر عام 54، وبعدم السماح لغير خريجى كليات الطب بالعمل فيها، ولكن الوضع لا يزال قائما، وهو ما يترتب عليه نتائج كارثية.

بدون ترخيص

قال الدكتور طارق كامل، عضو مجلس نقابة الأطباء، إن هناك قانونا ينظم مهنة الطب والأخصائى الصحى، يمنح لخريجى كليات العلوم والصيدلة والزراعة حق فتح معامل طبية؛ بشرط أن تخضع لإشراف طبيب بشرى.

وأشار إلى أن هناك معامل تجرى التحاليل وهى تعمل دون ترخيص، ونقابة الأطباء ليس لها دور بالأمر، فهى لا تملك سلطة ضبطية قضائية، ومن لديه سلطة التفتيش الدورى عليها هى وزارة الصحة، بحيث تتأكد من التراخيص والأوراق والاشتراطات الموضوعة لعمل أى منها.

وعن نسب الأخطاء الموجودة بالمعامل؛ أوضح أن أى معمل تحاليل يديره طبيب أو خريج كلية العلوم، قد تحدث به أخطاء، ولكن يجب ألا تسبب هذه الأخطاء نتائج كارثية، من حيث تشخيص مرض خاطئ، خاصة أن هناك أمراضا تعتمد فى كشفها على التحاليل الطبية، والطبيب وحده هو من يحدد وجود المرض من عدمه.

تضارب فى النتائج

قال الدكتور محمد فؤاد، رئيس المركز المصرى للحق فى الدواء، إن هناك أكثر من جهة تسجل إخطارات إنشاء معامل التحاليل الطبية، سمحت لغير خريجى كليات الطب بممارسة مهنة طبيب تحاليل، فالتعدد فى جهات إصدار التراخيص وكذلك السماح لغير الأطباء بممارسة المهنة؛ جعل هناك أزمة تضارب فى نتائج عينات التحاليل، مشيرا إلى أن هذه المعامل تعمل بموافقة وزارة الصحة.

وأضاف "فؤاد" أن أسعار التحاليل الطبية تختلف من معمل لآخر فهناك معامل سعر التحليل بها يصل لـ600 جنيه وتحليل آخر بسعر 40 جنيها، هذا الاختلاف يؤدى إلى تضارب النتائج، فهناك معامل تتسم تحاليلها بالدقة، وأخرى نتائجها كارثية.

وأكد أن بعض النقابات المهنية تمنح فرص عمل لأعضائها، من خلال منحهم تصاريح مزاولة المهنة، غير مكترثين لمصلحة المريض، موضحا أن الأمر ليس فى صالح البلد، وعلى الدولة توحيد جهات إصدار ذلك التصريح، وكذلك إصدار قانون يحدد من له حق المزاولة.

اقرأ أيضا