آهات وأنين تسمعه المارة، يجلس دون طعام، ليس بجانبه زجاجة مياه، يرتجف من شدة البرودة، قميصًا واحدًا يرتديه، شعرًا كثيفا يخفي ملامح وجهه، فمنذ شهور لم تطيل المياه أطراف شعره أو تسيل على جسده، هذا هو حال الرجل الخمسيني الذى جاءته ملائكة الرحمة تزيل عنه الأوجاع.
عماد عبد العليم، الرجل الخمسيني، عمل نقاشًا مرة وحدادًا مرة أخرى، وظروف الحياة منعته من التقدم للأمام، وخسفت به لسابع الأرض، وعاش وحيدًا بلا أهل أو جيران، بل كانت الحشرات خير صديق ملازم له، اخترقت جسده واتخذت منه جحورا تسكن به.
تحت كوبري السواح كان يجلس، وسط القمامة كان يتهته بكلمات الوجع، ينتظر أهل الرحمة تأتي له بقطعة من الخبز، وكسوة من القماش يرتديها، أو وسادة يستند عليها بدلا من أكياس القمامة التي أحلت بدلاً من الوسادة، عبارات مأساوية رواها عماد، أثناء انتشاله من ذلك المكان.
عربة بيضاء، بها سائق ورجلين، وفتاة، يجلس في الخلف شاب يتخذ من كل منظر لقطة يتذكرها ويضعها ضمن أرشيفه الفوتوغرافي، يشاهد الرجلين، العم عماد من بعيد يجلس، وبسرعة فائقة ينتشلونه بعد أن يقنعوه بأنهم يريدون حمايته.
وجبات ساخنة يقدمونها حتى يستطيع الوقوف على قدميه، ويستقل السيارة معهم، بعد انتشاله من القاذورات لمكان بعيد به الراحة والونس والرعاية، وأناس أخرى يحيطونه يشاركهم حياتهم ويندمج مع أشخاص يحبونه.
بعد ركوبه السيارة، يستريح العم عماد على الأريكة، ويبدأ في تقديم الشكر والدعاء لفرق الإنقاذ التي اتتشلته من الشارع، أثناء القيام بعملها، لتحقيق الحياة الآدمية والكريمة له، وتوفير الخدمة والرعاية لكل من يجدهم في طريقة.
فرق التدخل السريع، أنقذت العم عماد من خطر قاتل كان يحوم حوله، ومن مرض كان ينتشر في جسده، فالفترة التي قضاها في الشارع كانت كفيلة أن تؤدي بحياته إلى الموت، ولكن شاء القدر أن يحييه ويعفيه، بعد أن انتبهت الدولة لتفشي تلك الظاهرة، وبادرت الوزارة التي يتبع لها الفريق بانتشال كل المشردين من الشارع.
يقول عماد: "نفسي حد يطلع لي بطاقة، ويجبلي ضامن، وأقف على رجلي وأروح اشتغل، معاييش فلوس ولا ورق ولا مستندات تثبت شخصيتي، ومعنديش عيلة ولا أعرف حد، أنا بعرف أقرأ واكتب"، بتلك الكلمات روى العم عماد قصته مع محررة "بلدنا اليوم"، أثناء قيامها مع فرق التدخل السريع، لإنقاذ المشردين، حتى دخوله لدار الفريد، بمنطقة فيصل دائري.
وتابع: "لحظة دخول العم عماد، كانت لحظة فارقة في مخيلته، قائلا: "مكنتش مصدق إنى هروح بيت فعلا ودار حلوة كده، وأن يكون الاستقبال بهذا الشكل، كان نفسي أحلق شعري من زمان، وآخد العلاج، والبس ترنج جديد، وأكل طعام سخن بمعلقة مش بإيدي، أو إنى أنام على سرير زي بقية البشر".
ومن هنا بدأت الحياة الكريمة لعم عماد، وتم استخراج بطاقة شخصية له، والعيش في دار بها رعاية اجتماعية جيدة، يسكن بها 45 مسن كانوا يتخذون الشارع مسكن لهم.