" ابني مات، ضنى عمري ملحقتش أنقذه، وأخوه التاني بيقولولي عايش، بس أنا عارف إنه مات ومحدش عايز يعرفني، ما أنقذتش غير نفسي، بس مش بإيدي، ليه يبني حرقت قلب أبوك وأمك"، كلمات تلفظ بها الأب الأربعيني، ويده جريحة نتيجة حالة الاختناق التي أصابته أثناء الحادث.
"فجأة الساعة 3 بليل، صحيت عشان أشرب، ألاقي النار محوطانا من جميع النواحي، والدخان يكتم أنفاس أولادي، وزوجتي مغمي عليها، ويتعالى صوتي يا محمد شوف إخواتك الصغيرين، النار هتكلهم".
"دمية صغيرة، ملقاة على الأرض، تنادي تعالي يا أحمد إلعب معايا، انت مش بتصحى ليه، وسايبني مرمية على الأرض، تعالى وسيب النار اللي هتكلك "أصحى فوق" رسالة لعبة الطفل الذي توفاه بعدما أن التهمت النار جسده، وتركت ألعابه، ودراجته التي كان يستقل بها في الشقة، أثناء اللعب.
لم تخش النار أن تخمد، وتترك الطفل البريء يلهو ويلعب، فماذا فعل لها حتى تفترسه، وتأخذه من حضن والديه، تاركة الذكريات في كل ركن في البيت، فهنا كان يلعب بدميته التي كانت تلازمه طوال الوقت، وهناك كان يستقل دراجته في حيلة منه أنه يذهب للعمل ويرجع لدميته يقدم لها الطعام.
ذهبت كالريح، تنهش جسد الآخرين، فلم تهدأ النار وتترك الأحبة يرعرون في الدنيا كالزهور، بل اندلعت في كل حجرة تأكل وتلتهم كل ما تجده أمامها، بل هجمت عليه، وكتمت أنفاسه، ولن تمكنه من الاستيقاظ، فقوتها وجبروتها كانت أقوى من شاب نحيل الجسم، خلقه الله ليتنفس الهواء النقي، ولكن شاء القدر أن تحوطه النيران من جميع جوانبه، بعدما شزرت أسلاك الكهرباء، وتحولت لنيران، وتركته على قيد الحياة مودعا أبيه وأمه، وكل أصدقائه برسالة أمل أن يعاود الحياة مرة أخرى، فهو مازال في العناية المركزة حتى الآن.
"اصحي يا أم الأولاد، قومي خليكي معانا، محتاجينك، ربنا خطف مننا اتنين أحبة، بس مش هيغلوا عليه، الله جاب الله خد الله عليه العوض، يلا فوقي، النار هتموتنا، وعايزة تخدك مني، ياريتني كنت بدالكم، بس لازم أنقذكم"، بدأ الأب ينقذ مراته ويحاول أن يفيقها، ويبعدها عن النيران، التي انتشرت في البيت كسرعة البرق، تلتهم كل ما يقف في طريقها.
ملابس الخروج، وبطاطين، ومفروشات، وأجهزة البيت، في مهب الريح، تذريها الرياح في كل حجرة، فأصبحت كالرماد، بعد أن التهمتها النيران، تاركة الأب والزوجة والابن الأكبر، في غضب منها أنها لم تنهش جسدها، مترجيين منها عدم العودة مرة أخرى، وتترك الأسرة تعيش على أجمل الذكريات.