يعد السيناتور الأمريكي الجمهوري (جون ماكين)، أحد أبرز رجال السياسة البارزين داخل الوسط الأمريكي، حيث يتمتع بشعبية عالية لدى الجمهور الأمريكي، كان أحد المعارضين لإدارة الرئيس الأمريكي الأسبق "بوش"، في إدارته لحرب العراق، وأحد أبرز المعارضين لمعسكرات "جوانتانامو" وما يتم بها من تعذيب وانتهاك لحقوق الإنسان، وقد أعلن ترشحه لاتنخابات الرئاسة الأمريكية عام 2000، وتوفي اليوم الأحد 26- 8 - 2018 بعد صراع طويل مع مرض "السرطان".. وعقب رحيله، نستعرض في هذا التقرير حياة (جون ماكين) وصفاته وتاريخه السياسي داخل الوسط الأمريكي.
نشأته
ولد جون ماكين عام 1936 وهو ينحدر من عائلة شغلت مناصب رفيعة في البحرية الأمريكية؛ لأن والده قائد عسكري كبير قاد القوات الأمريكية في بعض فترات حرب فيتنام وجده قائد معروف.. تلقى ماكين التعليم الثانوي في مدرسة داخلية تابعة للكنيسة الأسقفية الأمريكية، ثم واصل دراسته في أكاديمية البحرية الأمريكية في مدينة أنابوليس بولاية ميريلند، والتي تخرج منها أبوه وجده أيضًا، ولم يحصل ماكين على نجاح كبير في دراساته الأكاديمية إذ تخرج في المرتبة الـ894 من بين 899 طالباً، وتخرج ماكين في الأكاديمية البحرية الأمريكية في 1958.
بعد تخرجه في الأكاديمية العسكرية في 1958، تجند ماكين وتعلم الطيران، في 1960 أخذ يعمل طيارا وكان مرابطا على متن حاملة طائرات أمريكية في البحر الكاريبي وفي الشرق الأوسط، في 1967 تم إرساله إلى فيتنام، أيام حرب فييتنام، ليقود طائرات "إيه-4 سكاي هوك"، عندما كان على متن حاملة طائرات في خليج تونكين،
نجاته من موت محقق
نجا من الموت في كارثة أسفرت عن مقتل 134 جنديا آخر.. نجمت هذه الكارثة عن إطلاق صاروخ على طائرة ماكين أو الطائرة المجاورة له خطأ، مما أدى إلى سلسلة من الانفجارات وحريق على متن حاملات الطائرات.. تمكن ماكين من الخروج من طائرته وحاول مساعدة طيار آخر، ولكنه أصيب بجروح إثر أحد الانفجارات.. كانت إصابته طفيفة فعاد إلى الخدمة بعد شفائه.
وقوعه في الأسر
وخلال سنوات وقوعه في الأسر تحول ماكين إلى بطل قومي، خاصة في ظل معاناته وبسبب أسرته العريقة المشهورة، لذا لم يتعجب كثيرون من أن تلقى سيرة ماكين الذاتية نجاحا كبيرا، وتساعده في حملته الانتخابية خلال العام 2000 ، حتى إن هوليود حولت سيرة ماكين الذاتية إلى أحد أفلامها.
صفاته
أما عن صفاته فقد عرف "ماكين" بمواقفه المحافظة دينيا والداعمة للتجارة الحرة وللحد من الإنفاق الحكومي والحد من برامج الرفاهية وهي جميعها مواقف جمهورية مهمة، ولكنه في الوقت نفسه يحمل كثيرا من الأفكار المستقلة عن أبناء حزبه، كما يمتلك إصرارا وقدرة على معارضة الحزب وقيادة مشاريع سياسية ناجحة داخل مجلس الشيوخ ضد إرادة غالبية الجمهوريين.
معارضته للرئيس "بوش"
وقد عارض سوء إدارة الرئيس بوش ووزير الدفاع الأمريكي السابق دونالد رمسفيلد لحرب العراق في أكثر من مناسبة ، وعارض معسكر "جوانتانامو" واستخدام القوات الأمريكية للتعذيب في استجواب المعتقلين.
هذه المواقف أثارت حفيظة الجمهوريين ضده، خاصة أنه يمتلك مصداقية كبيرة لدى الشعب الأمريكي فيما يتعلق بهذه القضايا لكونه سجين حرب سابقًا، وجرأته على معارضة الجمهوريين بخصوص قضايا كالتعذيب كانت بمثابة صفعات سياسية قوية لهم.
وقد عرف "ماكين" بمواقفه الداعمة للحد من استخدام الأسلحة الصغيرة، ولمساندته تشريعات تسمح للمهاجرين غير الشرعيين بالحصول على الجنسية الأمريكية بشروط كحل لمشكلة الهجرة غير الشرعية في أمريكا، كما يطالب بجهود أمريكية أكبر على ساحة حماية البيئة ومواجهة مخاطر الاحتباس الحراري، وهي جهود عارضتها إدارة بوش لفترة طويلة.
تاريخه السياسي
وأما عن حياة "ماكين" السياسية، فهو أحد أشهر الساسة الأمريكيين على الإطلاق وأكثرهم نفوذًا، كما أكسبته احترام الكثير من الديمقراطيين والمستقلين ، حتى يشاع أن ماكين كان اختيار السيناتور الديمقراطي جون كيري الأول نائبا له في انتخابات عام 2004 الرئاسية في مواجهة جورج بوش وديك تشيني، ولما رفض ماكين عرض كيري تحول الأخير إلى جون إدواردز.
وفي تلك الفترة خرج ماكين للجماهير ليعلن مساندته لجورج دبليو بوش ولسياساته، ما رفع أسهم ماكين عالية في أوساط الحزب الجمهوري وأسهم أيضًا في حشد الدعم خلف حملة جورج دبليو بوش الرئاسية 2004.
ترشحه للرئاسة الأمريكية
ماكين شارك مع السيناتور الليبرالي المعروف "راسل فاينجولد" في وضع وتمرير قوانين تحد من سيطرة المال على الانتخابات الأمريكية في أوائل عام 2001، وهو تشريع أغضب قادة الحزب الجمهوري المعروف بأنه حزب الأثرياء.
وهذا يعني أن فوز ماكين بالرئاسة الأمريكية سوف يعني وصول رئيس جمهوري يمتلك أجندة بها العديد من البنود الليبرالية التي تتعارض مع أجندة الحزب، وهو أمر أكسبه عداء غلاة المحافظين الذين ما زلوا يقفون ضده حتى الآن.
ومن أمثال أولئك ثلاثي الإعلام اليميني المحافظ المعروف (شون هانيتي و آن كالتر ورش ليمبو)، وهم من أشهر الكتاب والمذيعين الذين مازالوا يجاهرون برفض جون ماكين ممثلا لهم حتى يومنا هذا.
أكثر من ذلك عرف ماكين بعلاقته العدائية وانتقاداته العلنية اللاذعة لبعض أكبر قيادات قوى اليمين المسيحي المتدين في الولايات المتحدة (البروتستانت التبشيريين) من أمثال القس الراحل جيري فالويل والقس بات روبتسون، حين وصفهم بعدم التسامح.
يقول البعض إن علاقة ماكين السلبية بقادة اليمين المسيحي المتدين الذي ارتمى بوش في أحضانه وتحدث إليه بلغته على أنه واحد منه كانت القشة التي قصمت ظهر البعير وأسهمت في فوز بوش وهزيمة ماكين في انتخابات عام 2000 بعد أن كان ماكين متقدما على بوش في أوائل الانتخابات بحكم أن الولايات التي شهدت انتخابات تمهيدية في بداية السباق الرئاسي كانت ليبرالية إلى حد ما وسمحت بتصويت الليبراليين والمستقلين لصالح ماكين.
ولكن مع مضي عجلة الانتخابات التمهيدية إلى الأمام ودخول الانتخابات مراحلها المتقدمة واحتكام الجمهوريين لولايات الوسط والجنوب التي تعرف أغلبية جمهورية أكثر تدينا ومحافظة مال البروتستانت التبشيريون لبوش فمالت كفته وفاز بالانتخابات وفشل ماكين وكان عمره في ذلك الوقت في أوائل الستينيات.
حين أعلن عن الانتخابات الرئاسية بعد الرئيس جورج بوش الابن، كان جون ماكين كمرشح جمهوري ضد الرئيس المنتخب من الحزب الديمقراطي باراك أوباما، في الانتخابات الرئاسية الأمريكية وقد تقدم على باراك أوباما بنسبة 47.6% صوت، وكان حينها باراك أوباما 44.8%صوت وبعد شهرين تقدم باراك اوباما على ماكين بنسبة 50.8% صوت، وفاز باراك أوباما على جون ماكين وفاز بثلاث مناظرات ما قبل الرئاسة وظل جون ماكين كعضو في مجلس الشيوخ الأمريكي من 1987 إلى الآن.