بدأ الفكر المتطرف والتفسير الخاطئ للدين يظهر فى الآونة الأخيرة، وظهرت جماعات متطرفة تدعي انتماءها إلى الإسلام تحلل ما حرمه الله، وتحرم ما حلله، وتسعى لاستقطاب الشباب لزرع الأفكار الإرهابية والمعتقدات الخاطئة فى رؤوسهم، مستخدمة فى ذلك وسائل الاتصال الحديثة مثل مواقع التواصل الاجتماعى، فى نشر تلك الأفكار الخاطئة؛ ليتمكنوا من توصيلها ونشرها بين جموع الناس.
وكان على الأزهر باعتباره المؤسسة الدينية الأولى فى العالم المنوطة بالدفاع عن الإسلام ونشر فكره الوسطى المعتدل، أن يستخدم نفس الأساليب الحديثة التي يلجأ الجماعات الإرهابية إليها؛ من أجل التصدي لمثل هذا الفكر المتطرف ومحاربة الأفكار الخاطئة ونشر الدين الصحيح، وذلك بعدما فشلت الوسائل التقليدية فى تحقيق الهدف المرجو.
الأزهر والإفتاء على الـ"فيسبوك"
رأت مشيخة الأزهر ضرورة انتشارها على السوشيال ميديا حتى تستطيع نشر صحيح الدين وتوصيله للناس بسهولة، حيث أسست صفحتها على فيسبوك، وكذلك لكل قطاع من قطاعاتها، ووثقت صفحتها الرسمية إلى جانب صفحة مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، والتى يزيد عدد متابعيها عن المليون ونصف المليون.
وتقدم صفحة مشيخة الأزهر كافة البيانات الرسمية الصادرة عن المركز الإعلامى للمشيخة وكذلك حكم ومواعظ وأقوال للإمام الأكبر شيخ الأزهر بجانب فتاوي وأحاديث وتفسير لآيات القرآن والتى تستغلها الجماعات المتطرفة فى تضليل وتشويه صورة الإسلام.
كما تنشر صفحة الإفتاء الأحاديث النبوية والحكم ونصائح دينية على مدار 24 ساعة، بالإضافة إلى الرد على استفسارات المتابعين وتوجيههم فى حالة طلب فتوى من الدار بإرسالها على موقع الدار، فضلًا عن نشر بعض الفتاوي التى تصدرها الدار عن الأحوال التى تهم المتابعين والمواكبة للواقع، وكذلك فيديوهات مصورة للفتاوي بلغة الإشارة؛ استجابة للمواطنين، والتى يستفيد منها فاقدو السمع.
مرصد الأزهر بعدة لغات
فى العام 2015 تم إنشاء مرصد الأزهر لمكافحة التطرف، حيث يعتبر أهم الدعائم الحديثة لمؤسسة الأزهر الشريف، وعينه الناظرة على العالم، لا سيما وأنه يعمل بـ8 لغات أجنبية حية هي "الإنجليزية، الفرنسية، الألمانية، الإسبانية، الأوردية، الفارسية، اللغات الإفريقية، الصينية".
ومن خلال ذلك المرصد؛ تتم أعمال الرصد بشكل يومي، وتنطلق كل وحدة من قائمة معينة للبحث فى مصادر- تم تحديدها مسبقًا من المشرف على الوحدة، والتى تشمل أشهر الصحف والمجلات والمواقع الإخبارية ووكالات الأنباء، والمراكز البحثية، ومراكز الدراسات المعنية بدراسة التطرف، بجانب تحليل الأخبار وكتابة المقالات والتقارير اليومية والأسبوعية والشهرية ونشاط الترجمة وكتابة القضايا التحليلة المجمعة.
وكان لحملات التوعية التى أطلقها المرصد وما زال يطلقها، صدى واسع بين الشباب، ومردود إيجابي على أفكارهم وتوجهاتهم.
دعاة فى القهوة
منذ عامين دعا شيخ الأزهر إلى انتشار الدعاة على المقاهي ليتواصلوا مع الشباب فى أماكن تواجدهم، وكان ظهورهم فى البداية مُستغربًا، لكن سرعان ما تجاوب الناس معهم، وأصبح وصول الرسالة المطلوبة أكثر سرعة للفئات المستهدفة، حيث يتم اختيار الأماكن التى يذهب إليها الوعاظ بعناية، وبالتنسيق مع منطقة الوعظ فى أى محافظة، وكذلك مع صاحب المقهى، وأيضًا لا يتم الدخول فى هذا النشاط مع جمهور لا يتردد على هذا المقهى بصفة مستمرة.
مركز الأزهر العالمى للفتوى
أما مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، يتم تقديم خدمات الفتوى الإلكترونية فيه باللغة العربية وغيرها، ونشر صحيح الدين وضبط الفتوى مما يسهم فى تقليل عدد المستفتين، والتيسير على المستفتين من خلال التعددية المذهبية التى يمتاز بها الأزهر الشريف، والتصدى للفتاوى المتشددة والحد من فوضى الفتاوى، وذلك بالاعتماد على فتاوى الفقه الإسلامي، مع مراعاة شروط الفتوى من حيث الزمان والمكان وعموم حال المستفتى، والمساهمة بمزيد من نتاج البحوث الشرعية والبحثية المتميزة لحل وحسم النوازل والقضايا الفقهية والشبهات المثارة حديثًا.
ويعمل المركز كذلك على زيادة الوعي بما يخص النساء من الفتاوي وتصحيح المفاهيم المغلوطة حول قضايا المرأة فى الشريعة الإسلامية، وإعداد وتأهيل الكفاءات العلمية المتخصصة من خلال برامج تدريبية ودورات شرعية وتثقيفية، من أجل تكوين علماء متخصصين وكوادر مهنية قادرة على التصدي للفتوى الشرعية ولتتبوأ محل الصدارة المحلية والإقليمية والدولية.
الرسوم المتحركة
أنشات دار الإفتاء مؤخرًا وحدة للفتاوي الصوتية القصيرة المصحوبة بالرسوم المتحركة "موشن جرافيك" واستخدامها فى الرد على الأفكار المتطرفة بطريقة سهلة وجذابة.
وتعمل الدار عبر الوحدة الجديدة على عرض الأفكار المغلوطة التى ترددها جماعات الظلام ثم الرد عليها ودحضها بطريقة ميسرة عن طريق تقديم المعلومات والفهم الصحيح عبر تقنيات الرسوم المتحركة.
وستتخصص الوحدة فى إنتاج أفلام رسوم متحركة لبلورة ردود قصيرة على دعاة التطرف والإرهاب فى قوالب تكنولوجية حديثة تمكنها من الوصول إلى الشرائح المتعددة داخل المجتمع، خاصة فئات الشباب، وترد على الدعاية المضادة والمضللة من جانب الجماعات المتطرفة التى تنشط فى مجالات التكنولوجيا والتصوير، وتستمد المادة الإفتائية التى تعمل عليها من مواد الرصد التى تصل إليها الوحدة القائمة على المؤشر العالمي للفتوى.
قوافل على الحدود
واهتم الأزهر فى السنوات الأخيرة بتكثيف القوافل الدعوية وأيضًا الخدمية إلى المحافظات الحدودية والمناطق النائية للتصدي للإرهاب والأفكار المنحرفة المنتشرة هناك، ولم يقتصر دوره على الداخل فقط؛ بل ينظم أيضا القوافل الدعوية إلى الكثير من دول العالم.
والقوافل منها "الدعوية التثقيفية" التى تستهدف نشر الوعي لدى المواطنين، و"الفكرية" لمحاربة الفكر المتطرف، و"الفقهية" لنشر الثقافة الشرعية من حيث الحلال والحرام، فضلًا عن "الطبية" و"الأسرية".
كما يتم إجراء امتحانات لمحو الأمية، وحملات توعية ثقافية من كليات الشريعة الإسلامية والدراسات الإسلامية، إضافة إلى ندوات توعوية للرد على المعتقدات الإرهابية من قبل وعاظ الأزهر.
وتضم القوافل العديد من أساتذة الجامعة لإجراء الكشف الطبي على أهالي المناطق التى تتواجد بها، وتقديم أدوية مجانية لهم علاوة على إجراءات عمليات جراحية لغير القادرين، بالتعاون مع الجمعيات الخيرية.
خليفة: أذهان الشباب تحتاج لوسائل حديثة للاقناع
بدوره، قال الدكتور أحمد خليفة، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، إن المؤسسات الدينية من الأزهر ودار الإفتاء ووزارة الأوقاف تسلك كل الطرق المتاحة حتى تصون العقول من التطرف وتحفظ العقائد، لذلك تم تطوير الأساليب المستخدمة فى التصدى للأفكار الإرهابية.
وأضاف خليفة، أن انتشار الوعاظ فى المقاهي والمؤسسات الحكومية سيكون له مردود قوى عند الناس، ويؤدي إلى النتائج المرجوة منه، من حيث تفاعل الناس معهم واستفسارهم عن بعض الأشياء فى الدين، بالإضافة إلى رد الوعاظ على الأفكار المتطرفة التى يدعو لها البعض.
وأكد أستاذ الفقه المقارن، أن الأزهر يحاول جاهدًا فى نشر رسالته وتصحيح مفاهيم الدين، مشيرًا إلى نجاح الأزهر فى كل الوسائل التى يستخدمها، ولكن أذهان الشباب تحتاج إلى وسائل أخرى حديثة لإقناعهم وتحصينهم فكريًا، والأزهر وكل المؤسسات المعنية تقوم على هذه الأمور بأساليبها وأدواتها المختلفة.
زارع: نحن فى حالة حرب ضد الأفكار المتطرفة
وفى نفس السياق قال الدكتور أحمد زارع، المتحدث الإعلامي لجامعة الأزهر، إن انتشار الوعاظ فى المقاهي والمؤسسات الحكومية يستهدف الوصول إلى الناس فى هذه الأماكن وخاصة العامة منهم الذين يتلقون الأفكار المتطرفة دون رقيب أو مصحح للفكر المغلوط، لافتًا إلى الناس يطمئنون إلى الداعية الأزهري، خاصة وأن المصريين لديهم ثقة فى رجال تلك المؤسسة، فعندما يحدثهم فى صحيح الدين؛ سيكون تأثيره قويًا وإيجابيًا عليهم؛ مما يعمل على سرعة نشر الدين الصحيح وردع الأفكار الإرهابية.
وأضاف زارع، أننا فى حالة حرب ضد الأفكار الإرهابية، لذلك لابد من استخدام كل الوسائل المتاحة حتى يتم محاصرة الأفكار المغلوطة ونشر الصحيح منها.
وأشار إلى أن الجماعات المتطرفة تمتلك 160 ألف صفحة على مواقع التواصل الاجتماعي لنشر الأفكار السيئة، فضلًا عن مواقع الملحدين الذين ينشرون معتقدات سيئة للغاية، مؤكدًا أن 80% مما ينشر على مواقع التواصل الاجتماعي تعتبر أكاذيب وشائعات مغرضة وخطيرة.
وأكد متحدث جامعة الأزهر، أنه نظرًا لأن كل فئات المجتمع تستخدم مواقع التواصل الاجتماعي؛ فإن ذلك يساعد على سهولة نشر المعتقدات الدينية الخاطئة، لذلك كان لابد من الرد على هذا التطرف بذات الطريقة التى نُشر بها ونفس الوسائل.
وأوضح أن استخدام الرسوم المتحركة فى الرد على الفكر المتطرف؛ يعتبر طريقة ناجحة ستأتي بالهدف المرجو منها، موضحًا أن الأزهر يستخدم كل الفنون من الموسيقى والرسم والأغانى والأناشيد فى الرد على الجماعات الإرهابية.
وتابع أن الأزهر لم يقتصر على تصحيح مفاهيم الدين فى مصر فقط، وإنما يهتم بنشر الدعوة والتصدى للأفكار المتطرفة بمعظم دول العالم، حيث أنه ينظم قوافل دعوية وخدمية إلى بعض الدول، وتلقى هذه القوافل مردودًا قويًا.
كريمة: انتشار الوعاظ فى التجمعات البشرية يحجم التغول السلفى
من جانبه، أشاد الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الفقه والشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، بأداء مرصد الأزهر الشريف فى رصد الأفكار المتطرفة والرد عليها، بالإضافة إلى الكتب الدعوية المترجمة بعدد من اللغات.
وأضاف كريمة، أن الأزهر الشريف وقع برتوكولًا مع وزارة الاتصالات، وخطى خطوات مهمة فى استخدام التكنولوجيا الحديثة ومواقع التواصل الاجتماعي، مؤكدًا نجاح المؤسسة العريقة فى هذه الخطوة.
وأكد أهمية انتشار وعاظ الأزهر فى المقاهى والمؤسسات الحكومية وأماكن تجمع الناس، حيث تخرج الدعوة بذلك من إطارها الضيق إلى أماكن مختلفة، مشيرًا إلى أن الدعوة لا تكون فى الأزهر والمساجد فقط.
وأوضح أستاذ الفقه والشريعة، أن وجود وعاظ الأزهر فى أماكن تجمعات الناس، يساعد على إجراء حوار ومناظرات بينهم؛ مما يؤدى إلى تحجيم التغول السلفي، والمحافظة على المعتقدات السليمة.
وقال إن الرسوم المتحركة تعتبر من أهم الوسائل التعليمية فى الأزهر، واستخدام دار الإفتاء لها للرد على الأفكار المتطرفة؛ يعتبر خطوة جيدة، لأنها ترد على شبهات الخوارج، وستؤتي ثمارها.