عشر سنوات قررت فيها أن تهجر الدنيا والبشر، وتمارس حياتها الطبيعية، مع النوع الآخر من الحيوانات، "القطة والسيدة العجوز".. رحلة بدأت بعد وفاة زوجها بعام واحد، بين أربعة حوائط في الطابق الثالث بأحد العقارات القديمة في منطقة فيصل، وجدت خلال هذه الفترة راحتها، ورمت وراء ظهرها هموم البشر ومشاكلهم، فغالبًا يجد الإنسان راحته، عندما يفقد التعامل معهم، ويتعامل مع الحيوانات، لأنهما في بعض الأوقات يظهرون أفضل من البشر بكثير.
هكذا عاشت مديحة زكريا البالغة من العمرة 58 عامًا، في منطقة فيصل، وبدأت رحلتها مع القطط في حياة زوجها، منذ 10 سنوات بقطة واحدة تدعى "بسكي"، ولكنها تفرغت لها بعد موته، حتى أنجبت القطة الصغيرة ذرية صالحة كما تقول عنهم السيدة الخمسينية، حتى امتلأ البيت بالقطط عن آخره، فتقول السيدة: "أنا هويتي تربية القطط منذ صغري، ولو فيا صحة وعافية كنت ربيت أكتر من كدة، ولكن صحتي مش مساعدة، دة بجانب أني بصرف عليهم كويس جدًا في الأكل" .
لم تستغل السيدة الخمسينية هذه القطط في مكاسب الدنيا، بل كل همها المتعة في تربيتهم ووجودهم في البيت، مردفةً :" أنا مش ببيع القطط دي، أي حد عاوز بشحتها، وفيه بلدي وأبيض ورمادي ومشمشي، وركبت تكييف مخصوص من أجلهم" لتروي السيدة سبب شراء التكيف، قائلةً إنها كانت دومًا في الصيف الماضي، تجد القطة الصغيرة، واقفة في باب الثلاجة، ما تسببت في عطلتها، والأخرى تقف في «حوض» المياة، بسبب الحرارة الشديدة الموجودة في المنزل، فكان ذلك سبب رئيسي في شرائها التكيف لهولاء.
رغم المشهور عن الحيوانات، والصعوبة الموجوده في التعامل معهم، إلا أن السيدة الخمسينية، أصبحت تتعامل معهم كأنهم أبنائها، فتسرد: "بقيت بتعامل معاهم كأنهم بشر، عارفين يعني ايه حمام، وايه غرفة نوم، وبيفهموا كلامي في كل حاجة" حتى أن تناول الطعام، تعودوا الامتناع عن الطعام إلا معيَ، بتعامل مع "الفرارجي" وبجيب منه رؤوس الفراخ، وبعمل سمك "ماكريل" في الصينية وأحط ليمون وكل حاجة علشان أقعد آكل معاهم، وبحط على رؤوس الفراخ ليمون وحبهان وورق لوري وبهرات كأنهم أولاد وفي النهاية كلنا بنقعد نأكل مع بعض، وفي معظم الأوقات بشتري لهم الأيس كريم في الجو الحار، وبقعد معاهم نكلها سوا".
أطفال تجسدوا في هيئة قطط، هكذا وصفتهم السيدة العاشقة لهم لمدة 10 سنوات، رحلة طويلة حملت بين طياها كل معاني الإنسانية، حتى أرغموا العجوز على تخصيص متسع من الوقت لهم للمرح وتغيير الأجواء، لتستطرد:" في وقت معين لهم بلعب معاهم فيه، وبعقد اتكلم معاهم في جميع مشاكلي وهما بيكونوا فهمني، وعارفين ملامح وجهي ما بين الحزن والفرح".
"مستحملش أشوف واحدة تعبانة".. بهذه العبارات استكلمت السيدة حديثها، واصفةً أنها لا تتحمل يومًا ما أن ترعى طفلتها الصغيرة "القطة" مريضة ولذلك لا بد من رعايتهم صحيًا: "وفي يوم كسرت رجل القطة الصغيرة، وعلى الفور ذهبت إلى مستشفى البيطري في الجيزة فلم أجد جهاز إشاعة، فذهبت إلى مستشفى نصر الدين فكانت مثل سبيقتها، وثالثًا ذهبت إلى المستشفى الموجودة في السكة البيضاء فلم أجد، وأخيرًا إلى المستشفى البيطري في العباسية، وعملت إشاعة عليها، والدكتور جبس رجلها غلط وظلت قرابة شهرين لا تستطيع المشي عليها، فذهب مرة ثانية إلى المستشفى وعملت لها العملية بالمسامير والشرائح، والحمد لله صحيت".