على مدار الأسابيع الأخيرة، عقدت قيادات بجماعة الإخوان لقاءات تنسيقية مع مسؤولين أتراك لمناقشة أوضاع أعضاء الجماعة في تركيا، والحملات الأخيرة التي شنتها السلطات التركية ضد المهاجرين النظاميين في عموم البلاد.
وأتت اللقاءات الأخيرة متزامنة مع لقاءٍ عقده الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مع وفد من الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ضم 20 من قيادات جماعة الإخوان والمحسوبين عليها، ومنهم وصفي عاشور أبو زيد ومحمد الصغير، بالإضافة لرئيس المجلس الإسلامي السوري أسامة الرفاعي، والموريتاني محمد المختار الشنقيطي.
ووفقًا لبيان إعلامي صدر عن الاتحاد، في أغسطس الجاري، فإن اللقاء تضمن مناقشة أوضاع المهاجرين في تركيا، وأعرب خلاله الرئيس التركي عن استمراره في اتباع نهج دعم المهاجرين، وهو ما يعني ضمنيًا الاستمرار في دعم جماعة الإخوان وأفرعها.
وفي أعقاب اللقاء، التقى عدد من ممثلي جماعة الإخوان في تركيا بمسؤولين أتراك للاتفاق على حل الملفات العالقة المتعلقة بوجود أعضاء وأنصار الإخوان في البلاد.
ووفقًا للمعلومات المتوافرة فإن تركيا تعتبر الملاذ الآمن الأهم لقادة وأعضاء جماعة الإخوان المصريين الذين انتقلوا إليها منذ عام 2013، إذ حصل نحو 1700 قيادي من الجماعة على الجنسية التركية، فضلًا عن مئات آخرين حصلوا على إقامات قانونية، وآخرين حصلوا على إقامات إنسانية ولجوء في البلاد.
وراجت خلال الفترة الأخيرة، إشاعات حول الحملة التي شنتها السلطات التركية ضد المهاجرين غير النظاميين، ونشرت بعض المنصات الإعلامية تقاريرًا عن قرب تسليمهم لمصر، وهو ما نفاه مسؤولون أتراك خلال لقاءات أُجريت مع قيادات إخوانية في الفترة الأخيرة.
ومن الجدير بالذكر أن أعضاء جماعة الإخوان يحظون بمعاملة استثنائية من قبل الجانب التركي، لكن دون أن تُعلن السلطات التركية عن ذلك، وخلال الحملة التي شنتها وزارة الداخلية التركية ضد المهاجرين غير النظاميين في الفترة الأخيرة، كان هناك تنسيق بين الجماعة والجانب التركي.
وخصصت جمعية الجالية المصرية بتركيا والتي يترأس مجلس إدارتها القيادي الإخواني عادل راشد عددًا من المحامين من بينهم المحامي الإخواني مختار العشري ومحامي تركي آخر، للعمل على حل مشكلات أعضاء الإخوان الذين يُقبض عليهم خلال تلك الحملة.
وبالفعل، جرى إطلاق سراح أعضاء الإخوان الذين تم توقيفهم من قبل الأجهزة الأمنية التركية رغم مخالفة العديدين منهم لشروط الإقامة القانونية في البلاد، وانتهاء إقامات بعضهم.
لقاءات واتفاقات بين قيادات الإخوان
إلى جانب ذلك، عقد مدير إدارة الهجرة التركي الجديد فاتح أينا لقاءات مع ممثلين عن كيانات أنشأتها جماعة الإخوان في تركيا ومن بين هذه الكيانات جمعية الجالية المصرية في تركيا، ورابطة الإعلاميين المصريين بالخارج.
وأصدرت رابطة الإعلاميين المصريين بالخارج، بيانا، قالت فيه إن رئيس مجلس إدارة الرابطة أحمد عبد العزيز، والذي شغل سابقًا منصب مستشار الرئيس الإخواني محمد مرسي، ونائبه حمزة زوبع حضرا مع عدد من ممثلي جمعيات ومؤسسات أهلية أنشأها الإخوان في إسطنبول، لقاءً مع مدير إدارة الهجرة فاتح أينا، بناءً على دعوة وجهتها لهم الإدارة بإسطنبول.
وذكرت الرابطة أن مدير إدارة الهجرة التركية تحدث عن سياسة الإدارة الجديدة في التعامل مع ملف المهاجرين- بما في ذلك أعضاء جماعة الإخوان-، وشدد على أنه لن يتم ترحيل أي من أعضاء الجماعة المصريين الذين يقيمون بصورة نظامية أو ممن سبق لهم التعامل مع إدارة الهجرة من قبل.
وبحسب السياسة الجديدة التي اعتمدتها إدارة الهجرة التركية فإن التعامل بينها وبين الإخوان المقيمين في تركيا، وغيرهم، سيكون بصورة مباشرة ودون الحاجة إلى وسط، بخلاف ما كان يتم في السابق.
واتفق قيادات الإخوان مع مدير إدارة الهجرة على تشكيل لجنة من ممثلي المؤسسات الإخوانية للعمل على حل مشكلات أعضاء الإخوان الذين انتهت إقامتهم برئاسة نائب رئيس الجالية المصرية بتركيا أسامة عبد القوي، وعضوية إسلام حماد، أمين لجنة العلاقات التركية بمجلس إدارة رابطة الإعلاميين المصريين بالخارج وآخرين.
ومن المقرر أن تعقد اللجنة التركية - الإخوانية اجتماعات تنسيقية لمناقشة مشكلات الإقامة الخاصة بالإخوان في تركيا والعمل على توفيق أوضاع أعضاء وأنصار الإخوان المقيمين داخل البلاد.
خبراء: تركيا لديها سياسة نفعية في التعامل مع الإخوان
من جانبه قال مصطفى كمال، الباحث المتخصص في الدراسات الأمنية والجماعات الإرهابية، إن تركيا ستتبع، في الفترة المقبلة، سياسة مزدوجة للتعامل مع أعضاء الإخوان المقيمين على أراضيها فمن ناحية سيتم تحجيم أنشطة أعضاء وقادة الجماعة الموصوفين بأنهم "مزعجين" وسَيتم التضييق عليهم ومنعهم من إصدار تصريحات عدائية تجاه مصر حتى لا يكون هناك توتر في علاقات أنقرة مع القاهرة أو غيرها من دول المنطقة، لا سيما أن الرئيس التركي ينتهج سياسة جديدة تقوم على تطبيع العلاقات مع تلك الدول.
واعتبر "كمال" في تصريحات خاصة لـ"بلدنا اليوم" أن تركيا لن تقوم بتسليم أي من قيادات جماعة الإخوان المتواجدين على أراضيها حتى ولو كانوا من قيادات الصف الثاني والثالث داخل الجماعة، مضيفًا أنه سيتم التعامل معهم وتوفيق أوضاعهم وفق للاتفاقات التي تتم بين الجماعة والمسؤولين الأتراك.
ولفت الباحث المتخصص في الدراسات الأمنية والجماعات الإرهابية إلى أن مدير إدارة الهجرة التركي الجديد لديه سياسة تقوم على وقف الحملات ضد المهاجرين بما فيهم أعضاء جماعة الإخوان، وسيتم أيضًا العمل على حل مشكلاتهم المتعلقة بالإقامة أو الانتقال في تركيا.
ووصف الباحث مصطفى كمال نهج تركيا تجاه جماعة الإخوان بأنه يتسم بالنفعية ويعتمد على مصالح تركيا، مشيرًا إلى أن الإخوان ستظل موجودة في تركيا وستعمل من خلال جمعيات مجتمع مدني وكيانات دعوية أخرى، وسيتم ذلك بالتنسيق مع السلطات التركية لضمان أن لا يُضر هذا الوجود بعلاقات تركيا مع دول الإقليم
وعلى ذات الصعيد، قال عبد الخالق بدران، الصحفي المتخصص في شؤون جماعة الإخوان، إن مسؤولين أتراك عقدوا في الفترة الماضية لقاءات مع جمعيات وكيانات تابعة للإخوان بما في ذلك جماعة الإخوان الأم (المصرية)، وجماعة الإخوان السورية.
وكشف "بدران" في تصريحات خاصة لـ"بلدنا اليوم" أن اللقاءات استمرت طوال الأسابيع الأربعة الماضية، وحضر بعضها والي إسطنبول داوود جول، ونائب الوالي ورئيس شعبة الأمن في إسطنبول زافير آكتاش، بالإضافة إلى ألب سردار دال مدير شعبة الاندماج في مديرية الهجرة.
ووفقًا للصحفي المتخصص في شؤون جماعة الإخوان فإن اللقاءات تناولت أوضاع اللاجئين في تركيا، بما في ذلك أعضاء جماعة الإخوان، وما حدث خلال الأشهر الأخيرة من توقيف المخالفين والتعامل الأمني العنيف مع بعضهم، مردفًا أن المسؤولين الأتراك تفهموا ما طرحه قيادات جماعة الإخوان الين شاركوا في اللقاءات ووعدوا بحله، ووضع آليه بالتنسيق مع وزارة الداخلية التركية لتمييز نوع الإقامات، وعدم تعرض أحد من أعضاء الإخوان أو أنصارها لتعامل أمني عنيف، كما طلبوا تحديد شخص عن كل جنسية يمكن التواصل معه في حال حدوث أي مشكلات، مع التأكيد على عدم التهاون مع أي مخالف أو مقيم بشكل غير قانوني.
ولفت "بدران" إلى أنه جرى تخصيص رقم تركي للاتصال به يكون مسؤول عن الترجمة بالعربية في حالات توقيف أي من أعضاء الإخوان أو غيرهم من المهاجرين العرب المتواجدين في تركيا، وكذلك منح أفراد الشرطة جهاز مرتبط بالهيئة يمكنهم من التحقق من قانونية الإقامة، موضحًا أن المسؤولين الأتراك طلبوا من قيادات الإخوان ضرورة التنبيه على أتباعهم بحمل الإقامة أو صورة منها على الأقل على هواتفهم المحمولة حتى لا تحدث مشكلات بينهم وبين أفراد الشرطة التركية.
ورغم التفهم الذي أبداه المسؤولين الأتراك، خلال الاجتماعات، إلا أنهم أكدوا أن هناك قرارات جديدة لا يمكن التراجع عنها، وعلى رأسها أنه لن يُسمح بالهجرة غير الشرعية إلى تركيا، أو التواجد في تركيا لأي شخص لا يحمل إقامة قانونية، وسيتم ترحيل المخالفين إلى خارج البلاد، سواء من دخل منهم بطرق غير شرعية، أو من دخلوا بطرق شرعية ولكن ليس لديهم إقامة قانونية، وكذلك أي شخص لديه ملف أمني، أو مرتكب لجرائم.
وتفتح إشارة المسؤولين الأتراك إلى عدم السماح للأشخاص الذين لديهم ملفات أمنية بالتواجد في تركيا الباب أمام ترحيل بعض قيادات وأنصار جماعة الإخوان المقيمين في تركيا إلى دول أخرى، خصوصًا أن أجهزة الأمن التركية تنسق مع دول إقليمية- بينها مصر- بشأن المطلوبين أمنيًا والمتورطين في قضايا عنف وإرهاب في مصر.