تتفاقم أزمة صناعة الورق، ويدق ناقوس الخطر أبواب المصانع التي وصلت لحال يرثى له، منتظرة الدعم، وعلى الرغم من الوعد بحزمة إجراءات تعطي لها قبلة الحياة، إلا أن هذا الوعد لم يتحول إلى واقع إلى الآن.
صناعة الورق لم تكن مجرد وربح واستثمار للدولة فقط، بل هي صناعة ومتطلب أساسي يحتاجه كل منزل وكل فرد مصري، فلا يوجد أسرة واحدة لا تحتاج للورق في حياتها اليومية، من مدارس وجامعات ودراسة وكتابة وورق صحف ونتائج وغيره من تفاصيل الحياة اليومية التي يدخل فيها الورق بشكل واضح.
لا تقل أهمية صناعة الورق، عن صناعة السكر، فلا يمكن أن تفتتح مدرسة بدون ورق، ولا يمكن أن تبدأ دراسة بدون ورق، وبذلك فإن العملية التعليمية بأكملها تحتاج إلى صناعة الورق، ولا يمكن لدولة أن تنهض بدون التعليم.
وتعتمد صناعة الورق في الأساس على مواد خام، وهى «الباجاس» أو مصاصة القصب، وصودا كاوية، وكلورات صوديوم، بالإضافة إلى مواد خام يتم استيرادها بالإضافة إلى الخشب طويل الألياف، وتبدأ المرحلة الأولى من صانعته بعملية الغسيل، والتى تكون فيها مصاصة القصب تحتوي على سكريات وصموغ وشموع، وألياف، وهذه هي الأشياء التي يتم استخلاصها من مصاصة القصب، وتحتاجه صناعة الورق، وتسمى هذه مرحلة الطبخ باستخدام الصودا الكاوية ودرجة بخار عالية، وتأتي المرحلة الثانية وهي غسيل أيضا، وهذه المرحلة تتم من خلال استخدام مواد تبييضية، للتخلص من الصبغة السوداء التي نتجت من مرحلة الطبخ، ثم مرحلة إضافة الألياف الطويلة من الخشب بنسبة 10%، ثم مرحلة فرد الورق، ثم التجفيف بأطوال وأعراض بناء على طلب العميل وهى المرحلة الأخيرة، وتأخذ هذه الدورة 24 ساعة عمل، ثم بعد ذلك تذهب إلى المطابع.
سلسلة من الأزمات
وعن تفاصيل الأزمة، أوضح عمرو خضر، رئيس شعبة الورق بغرفة القاهرة التجارية، أن أزمة صناعة الورق تمر بتعثرات مختلفة، البعض منها يعود لارتفاع الدولار وارتفاع بعض المواد التي يتم استيرادها والتي تدخل في صناعة الورق، والآخر انخفاض محصول قصب السكر، الذي تدخل مخلفاته في صناعة الورق.
وأكد «خضر» ، أن هناك حلول كثيرة للتغلب على أزمات صناعة الورق، أبرزها تشجيع المستثمرين على بناء مصانع جديدة للورق، لإشباع السوق المحلي وخفض الاستيراد، لزيادة الصادرات وجلب العملة الصعبة، بالإضافة إلى تطوير المصانع الوطنية والاهتمام بها، لرفع انتاجيتها.
واعترض رئيس شعبة الورق، على مطالب فرض رسوم على المنتج المستورد، قائلا: "الحل ليس من خلال فرض رسوم وقائية على الورق الأبيض المستورد، لأنه سيؤدى لرفع سعر الورق بشكل عام بالسوق المحلي، وبذلك تتفاقم الأزمة بشكل أكبر".
وأوضح خضر، أن الدولة طرحت أراضٍ ممهدة بالمرافق لجذب الاستثمار وبناء مصانع ورق عليها، مؤكدا أن هذا الأمر هو دعم كبير من الدولة وحل نهائي لهذه الأزمة.
الطاقة بالدولار.. أزمة قاتلة للصناعة
وكشف عبد السلام أمير رئيس اللجنة النقابية للعاملين بشركة إدفو لب ورق الكتابة والطباعة، وعضو مجلس النقابة العامة للكيماويات، أن أهم التحديات التي تواجه صناعة الورق الآن هو ارتفاع سعر الدولار، موضحا أن جميع تعاملات المصنع تتم بالعملة الصعبة، وأن الطاقة المستخدمة في الصناعة هي الغاز الطبيعي، ويتم حسابه بالدولار أيضًا، وبذلك يرتفع سعر الطاقة مع كل ارتفاع للدولار، وبذلك يصبح سعر المليون وحدة حرارية ٤،٧٥ دولار، وهذا يؤثر بالسلب على تكلفة طن الورق.
وتابع «أمير» ، أن هناك أزمة أخطر من سعر الدولار تهدد الصناعة بالكامل، وهي (المصاص)، الذي أصبح أيضا غير متوافر في مصر؛ نظرا لانخفاض محاصيل قصب السكر التي ينتج منها، مضيفا أن سعر طن المصاص يحدد بالمكافئ من الغاز الطبيعي، وبذلك ارتفاع سعر الدولار يتسبب في ارتفاع تكلفة المادة الخام.
تعثرات في إنتاجية المصنع
وتابع رئيس اللجنة النقابية، أنه يتم استيراد حوالى ١٥% من المادة الخام من الخارج وهذه نقطة آخرى في المعوقات التي تواجه الصناعة، مشيرا إلى أن الطاقة الفعلية لمصنع ادفو ٦٠ ألف طن يتم انتاج ٤٠ فقط بسبب نفص المادة الخام الرئيسية وهى المصاص.
توقف لأكثر من عامين
وأكد "عبدالسلام"، أن هناك حلولًا بديلة لمصاص القصب الجزء الأساسي من أزمة الصناعة، وتم طرح قش الذرة بديلا للمصاص، وأجريت تجارب فعلية عليه، وأثبتت نجاحها واستخدامها بالفعل العام الماضي، ولكن تكلفة النقل مرتفعة جدا.
وعن تعرض المصنع لخطر الغلق، قال "الأمير": "مر المصنع بمشاكل تسببت في توقفه عايم 2019 و2020 ولكن بفضل الله وجهود الدولة التي أتت برئيس مجلس إدارة جديد قام بتشغيل المصنع بعد توقف عامين، حيث قام بتنويع المنتج إلى منتجات يتم تصنيعها لأول مرة في مصر ويتم استيرادها بالكامل من الخارج وهى ورق الأكواب وورق علب الأغذية المعقمة وورق الكرتون البني والأبيض، بالإضافة إلى ورق الكتابة".
وأشار إلى أن المصنع الآن يحقق أرباح للسنة الثانية على التوالي، وإن لم يكن بالقدر المطلوب، نظرا لجميع العوامل التي تواجه الصناعة بشكل كامل في مصر.
النخل ومخلفات الذرة حلول بديلة للصناعة
وعن مقترحات النهوض بصناعة الورق فى مصر، أكد عبدالسلام على ضرورة الترغيب في الاستثمار بهذه الصناعة، نظرا لنقص فترة استرداد رأس المال كما تشير دراسات الجدوى، والاعتماد بشكل كبير على المخلفات الزراعية كمادة خام مثل جريد النخل وسيقان بوص الذرة وسيقان الموز ومخلفات تقليم الاشجار.
وأكد أن الإقبال على الورق المحلي أعلى، نظرا لأنه رخيص الثمن ولا توجد عمله للاستيراد، موضحا أن مصانع الورق فى مصر لا تغطي سوى ٤٥% من الاستهلاك المحلي، وأن القطاعات الحكومية وخاصة وزارة التربية والتعليم تتجه الى الورق المحلي، حيث صعوبة تدبير العملة للاستيراد.
واستطرد حديثه:" يوجد نقص فى العمالة ويتم تعويضها من خلال تعيين عمالة بأجر يومي لسد العجز"، وأوضح أن عدد العاملين 750 عاملا مباشرا، و 1500 غير مباشر.
وأكد عضو مجلس إدارة الصناعات الكيماوية، أن مصر كانت تصدر الورق إلى دول السودان وليبيا وتونس والمغرب، ليصل بها الحال إلى عجزها عن توفير أكثر من نصف احتياجها المحلي.
وناشد "عبدالسلام"، رئيس الجمهورية بسرعة التدخل وإنقاذ الصناعة الوطنية من خلال دعمها في الطاقة اولا، ثم بناء وتطوير في نفس المصانع الوطنية، نظرا لتوافر البنية التحتية، وذلك لتوفير فرص عمالة أولا، ثم رفع إنتاجية المصانع لتغطية السوق المحلي، ورفع قيمة الصادرات التي بدورها تقوم بجلب عملة صعبة للبلد.
٨٠٠ عامل في قنا يئن من الوضع الاقتصادي
لم يختلف الأمر في شركة قنا للورق، عن الوضع التي تمر به شركة لب الورق بإدفو، فجميع الظروف تنطبق عليها كصناعة ورق وطنية، ولم يتبقى غيرهما، وتحديدا عقب غلق المصنع الثالث في إنتاج الورق، بمدينة أبوقير بالإسكندرية، نظرا لتهالك المعدات، بالإضافة إلى مخالفة شروط البيئة والمناخ.
تضم شركة قنا للورق، التي تبعد عن محافظة قنا مئات الكيلومترات، في مدينة قوص، أكثر من 800 عاملا، إضافة إلى العمالة اليومية، التي تئن وتصارع مع الوضع الاقتصادي للمصنع.
وفي ظل هذه الظروف يصارع مصنعان فقط كل هذه الأمور للاستمرار، وحماية الصناعة الوطنية، خشية سقوطها وتحمل الدولة عبء جديد في توفير عملة صعبة لاستيراد الورق.