من الطبيعي أن تكون مصر ليست بمنأى عن الأزمات المتباينة التي يتعرض لها العالم، من واقع انفتاح العلاقات المصرية الخارجية على دول العالم كافة، فإن ما يحدث الآن ويشهده المجتمع البشري من اضطرابات سياسية نتج عنها أزمة اقتصادية عالمية كبيرة لم تشهدها اقتصادات العالم منذ الحرب العالمية الثانية، حتى صارت أغلب الاقتصادات ترزح تحت وطأة الأزمة بما يعمق من حالة عدم الاستقرار لديها، إذ تشهد هذه الأزمة تطورًا مستمرًا في وقت لم يتعاف فيه الاقتصاد العالمي من تداعيات جائحة كورونا بعد.
ورغم استمرار ارتفاع معدلات التضخم في العديد من البلدان نتيجة اختلالات العرض والطلب وتشديد السياسات النقدية أثناء الجائحة، خلافًا للتداعيات الإنسانية الفادحة للحرب الروسية - الأوكرانية التي أدت إلى إبطاء النمو الاقتصادي ورفع معدلات التضخم، والارتفاع الحاد في مستويات المخاطر وغيرها من التداعيات المختلفة بشتى صورها، ووسط هذا الكم من التحديات وتعاقب الأزمات التي ألقت بظلالها ولا تزال على الاقتصاد، تواصل الدولة المصرية ـ رغم تأثرها بطبيعة الحال ـ إصرارها على المواجهة دون كلل أو ملل، باتباع جميع المسالك الممكنة، واتكاء أيضًا على رصيد من إنجازات استبقاية، كانت عاملًا مهما من قبل في تلافي الأضرار الناتجة عن الجائحة، حتى إن مصر كانت من بلدان الأسواق الصاعدة القليلة التي حققت معدل نمو موجبًا، وكان هناك إنفاق صحي وإنفاق على اللقاحات.
وكانت الرؤية الإستراتيجية للقيادة السياسية ثاقبة تحسبًا لمواجهة أزمات عالمية محتملة، فتم بناء صوامع تخزين إستراتيجية للقمح، واستطاعت مصر تكوين احتياطي يكفي 8 أشهر، ولتواصل الدولة إيجاد التوازن في الأزمة الحالية من خلال حزمة من الإصلاحات أسهمت بشكل كبير في دعم الاقتصاد، والقدرة على التعامل المرن مع الصدمات العالمية، وتوفير بيئة محفزة للاستثمار والنمو وداعمة للنشاط الاقتصادي، وكل ذلك وصولًا إلى المستهدف الرئيسي وهو رفع مستوى معيشة المواطن، بما يحقق له توفير جميع السلع والخدمات التي يحتاجها؛ وذلك باستمرارية مقدرة دخله على توفير جميع الاحتياجات، دون التأثر بوطأة الأزمات، والعمل على امتصاص أكبر قدر من الصدمات الاقتصادية، مع ارتفاع أسعار السلع والخدمات، والارتفاع الكبير في تكاليف الشحن، واضطراب سلاسل الإمداد والتوريد، كل ذلك مع مراعاة تعظيم الاستثمارات لتحسين حياة الناس وتعميق دور القطاع الخاص، ومراقبة الأسواق، كما استطاع الفكر الإستراتيجي للقيادة أن يجعل من الأزمة منحة لتحويل مصر لأكبر مركز لإسالة الغاز الطبيعي، وتصديره إلى أوروبا الأمر الذي كان بمثابة طوق النجاة للمواطن الأوروبي، ولا تزال الجهود مستمرة في جميع الاتجاهات إلى أن وجه الرئيس بالتوسع في إجراءات الحماية الاجتماعية بزيادة عدد الأسر المستفيدة من برنامج "تكافل وكرامة" ليصبح حجم المستفيدين من المواطنين أكثر من 20 مليون مواطن على مستوى الجمهورية.
وكذا صرف مساعدات استثنائية لـ 9 ملايين أسرة لمدة 6 شهور مقبلة، وللعاملين بالجهاز الإداري للدولة الذين يحصلون على راتب أقل من 2700 جنيه شهريًا، فضلًا عن تعزيز الأمن الغذائي للأسر الفقيرة والأمهات والأطفال، عبر التوسع في طرح كراتين السلع الغذائية المدعمة بنصف التكلفة، والشراكة بين وزارتي الأوقاف والتضامن الاجتماعي بتوزيع لحوم الأضاحي على مدار العام، مع الاستمرار في دعم الخبز، والسلع التموينية، والدعم النقدي المتوسط، ودعم برامج الصحة، وصناديق التأمينات والمعاشات، ودعم الإسكان، لتؤكد كل هذه الإجراءات وغيرها مما رسخته الدولة من قواعد ورؤى واضحة لمواجهة التحديات المختلفة، العزم المؤكد والخطوات الجادة في اتجاه بناء الدولة على المستويات كافة، والمضي قدمًا في تنفيذ خطط التنمية المختلفة التي شملت محاور مهمة أبرزها بناء المواطن وتوفير احتياجات الحياة الكريمة، وتهيئة الأجواء والبيئة المصرية لإصلاح اقتصادي واجتماعي شامل، ليظل المواطن احتياجاته وهمومه في صدارة المشهد على الدوام.