قال الكاتب والمفكر حسن إسميك، إنه في الوقت الذي حاول فيه العثمانيون السيطرة على المنطقة العربية سياسيا اعتمادا على رابط الدين وحده، لم يَفُتهم ما تشكله اللغة العربية من أهمية في هذه المعركة، من هنا جاءت محاولات التتريك للشعوب العربية الخاضعة لها، في محاولة لفصل عرى الإسلام والعروبة، والقضاء على الحامل الحضاري الذي ساد منذ منتصف القرون الوسطى وطمس الهوية العربية، غير أن هذا المخطط باء بالفشل بسبب دور اللغة في العبادة وبذلك حمى الإسلام الهوية العربية مجدداً.
وأكد أنه أعقب ذلك محاولات قوى الاستعمار الغربي لإعادة تشكيل الشخصية العربية وفقاً لمقومات حضارتها، وكان من أهداف هذا السلوك نفي المساهمة العربية في الحضارة الإنسانية ونسب القسط الأكبر لإنجازات الحضارة الإسلامية إلى الحضارات المجاورة غير العربية كالفرس والهند والصين والترك.. إلخ..
وقد عادت قضية الترابط بين العروبة والإسلام لتشغل الرأي العام العربي خلال الفترة الممتدة من منتصف القرن العشرين، بعد ظهور الحركات القومية التي نشأت كمدافع عن الهوية العربية وتحولت فيما بعد إلى أحد قطبين إيديولوجيين متنازعين، حيث كان من نتيجة عمل الحركات القومية ظهور ما يسمى "العروبة الرسمية" أو "عروبة الأنظمة"، التي حولت هذا الانتماء إلى إيديولوجيا سلطوية تمالي ثنائية العروبة والإسلام في سبيل مصالح شخصية، وفي الوقت نفسه بدأت التيارات الإسلامية بالبزوغ والتشكلّ واضعة معاداة القوميين ضمن أولوياتها.
وأوضح إسميك أن التنازع بين هذين القطبين المتماثلين في القوة والمتعاكسين في الاتجاه، أعاق تكوين "كتلة تاريخية" متجانسة في الوعي والحركة، ودفع المجتمعات العربية في اتجاهات متباعدة متنافرة، شكلّت أساس ما نعانيه اليوم في منطقتنا من مشكلات وحروب وتخلّف وضعف.
أضاف: وفي الحقيقة فإن ما شاب العلاقة بين العروبة والإسلام لم يكن بسبب عوامل مرتبطة بكيان كل منهما المنفصل عن الآخر، لكن ما أثار هذا الجدل جاء نتيجة ممارسات الأطراف التي تتبنى أحد التيارين وتعتبر أنها تمثله بشكل كامل، حيث يعتقد القوميون أنهم وحدهم يمثلون العروبة، ويظن الإسلاميون أنهم حماة الدين الوحيدون، وهكذا تحولت العلاقة العضوية بين العروبة والإسلام إلى جزء من الحرب بين هذين التيارين، يمكن تلمسه بشكل واضح في التصادم الذي حصل بين التيار السلفي الذي تطور نحو تسييس الدين والتيار القومي ممثلاً بعبد الناصر في مصر.
تابع: كما كان من نتاج هذا العداء، رسم صورة قاتمة للعلاقة بين العروبة الإسلام، تُظهر كأن عاملاً مشتركاً يجمعهما هو "الإرهاب" أو "التخلف"، وتم صهر الهويتين العربية والإسلامية ضمن بوتقة "أعداء العلمانية والحضارة" ولم يكن ذلك إلا نتيجة ما فعله متطرفو التيارين طيلة عقود من محاولة احتكار السلطة والسير بالشعوب العربية والمسلمة نحو التخلف والفوضى، تحت ذرائع واهية شتى.
وأكد أن العروبة تجمع بين الوحدة والتنوع، وهي تنطبع بالإنسانية، فلا تقوم على دين أو جنس أو لون دون سواه، وهي عامل ثقافي اجتماعي قبل أن تفترض وجود دولة واحدة موحدة، وعلى نفس المقياس يأتي الدين الإسلامي ليجمع شعوباً وأعراقاً متعددة دون تمييز، إن لتشابك هذه الميزات لدى الطرفين أهمية لا تقدر بثمن، ونحن اليوم أحوج ما نكون إلى وضعها موضع التفعيل الحقيقي والتنعمّ بثمارها من جديد.
واستطرد أنه لا ينكر أن الطريق إلى إعادة هذا التكامل لايزال طويلاً ومحفوفاً بالمعيقات والمشاكل، لكنه سبيلنا الوحيد لنهضة أمتنا العربية والإسلامية من جديد. ولأنه لا يمكن أن نطلب من أيّ كان التنازل عن هويته وانتمائه، فإننا قادرون على أن نطلب منه المشاركة ووضع كل ميزات انتماءاته المختلفة في خدمة قضايانا وأرضنا وشعوبنا التي تستحق أن تنعم بالسلام بعيداً عن الاستقطابات والأيديولوجيات الهدّامة ذات الأهداف المشبوهة.