مرت الدقائق ببطء شديد، لحظات كانت هي الأصعب على الصغيرة فإمّا أن تستكمل طريق حلمها الذي تحدّت الجميع لتحقيقه، أو تعود بأدراجها إلى عُزلتها من جديد فاقدة الأمل في الحياة، شردت الفتاة لدقائق حتى استيقظت على صوت أحدهم يُنادي باسمها مُطالبًا إياها بالصعود على منصة التتويج.
"بسملة أيمن" فتاة في الرابعة عشر من عمرها، تدرس بالصف الثاني الإعدادي، واحدة من أبطال لعبة الكاراتيه "للأقزام"، بل تعتبر "بسملة" هي الفتاة الوحيدة من أبناء مجتمع "قصار القامة" التي احترفت تلك اللعبة، واجهت الصغيرة صعاب عديدة دفعت والديها للتفكير في مساعدتها خاصة وأنّها تأثرت نفسيًا بدرجة كبيرة، وصل الحال إلى التعدي عليها من قبل أطفال الحي والمدرسة.
ذات يوم عادت "بسملة" إلى المنزل يبدوا عليها الحُزن، لاحظت الأم أنّ هناك شيئًا ما أصاب طفلتها خاصة وأنّها لم تتفوه بأي كلمة على غير عادتها حتى بادرت بسؤالها عن ما ألمّ بها، فإذا بدموع الصغيرة تنهمر وبدأت في التوسل إليها بألا تسمح لها بالخروج من المنزل مرة ثانية، خاصة وأنّ الأم كانت تُصر في بعض الأحيان أن تخرج الطفلة بمفردها لقضاء بعض احتياجات المنزل، حتى تعتاد على مواجهة المجتمع.
لم تتعجب والدة "بسملة" من طلب طفلتها فليست المرة الأولى التي تشاهدها فيها بتلك الحالة السيئة، حيث تعرّضت الطفلة خلال السنوات القليلة الماضية منذ أن قررت والدتها تشجيعها على الخروج من المنزل إلى تنمر وصل أحيانا حد العنف، "كنت بمشي في الشارع بيرشوا عليا مايه وبيرموني بالطوب وكنت بسمع دايمًا جملة شوفوا دي قزمة وشكلها وحش".
كانت "بسملة" تتقبل التنمر الدائم عليها ممن هم في نفس عمرها، كونهم أطفال لا يفقهون شيئا "حسب قولها" لكن مالم تتحمله هو تنمر الكبار، وسردت الصغيرة أحد المواقف التي خُلد في ذاكرتها بقيام إحدى أولياء الأمور بتعنيف طفلتها والتي كانت صديقة لـ"بسملة" في الفصل الدراسي، لمجرد أنّها شاهدتها تتعامل معها وتساعدها على إنجاز أمر ما في فناء المدرسة.
وُضعت الأسرة أمام اختيار صعب، لم يكن هناك حل سوى أن توافق على رغبة الصغيرة بـ"العُزلة"، لكنّ القدر كان له رأي آخر، طرأت على الأب والأم فكرة إلحاق نجلتهم بإحدى النوادي لتعليم الفنون القتالية حتى تستطيع الدفاع عن نفسها، بالإضافة إلى محاولة التأقلم من جديد مع المجتمع، التحقت بسملة في سن الحادية عشر من عمرها لممارسة رياضة الكاراتيه، بدأت التدريب بنادي الخصوص في محافظة القليوبية، ولأنّ النادي كان يبعد مسافة طويلة عن منزلها القاطن في مدينة بدر، فلم تكن تقوى على الذهاب يوميّا للتدريب، فقررت أيضًا أن تذهب إلى أحد النوادي الصغيرة القريبة من مسكنها.
"أنا مش زيادة على الحياة" جملة آمنت بها "بسملة" وخاضت بسببها رحلة صعبة رافقتها فيها شقيقتها الصغرى، اتخذت من لعبة الكاراتيه سلاحًا واجهت به التنمر، 3 سنوات حصدت فيهما العديد من البطولات والميداليات، لتتوج تلك المسيرة الصغيرة بحصد الحزام الأسود في اللعبة لتكون الفتاة الوحيدة على مستوى العالم من "الأقزام" التي تحصد هذا الحزام، بل تعد الفريدة من نوعها التي وصلت إلى مراحل متقدمة في لعبة الكاراتيه، بالرغم من أنّ جميع منافسيها كانوا أشخاصًا من خارج فئة "قصار القامة".
بعدما حصدت "بسملة" الحزام الأسود باتت حديث الكثيرين، تغيرت معاملتهم إلى حد كبير معها حتى أنّ البعض ممن أساء لها عادوا إليها معتذرين، لم تكتف الفتاة بلعبة الكاراتيه لتقرر خوض تجربة أخرى وهي السباحة، لكنّها واجهت صعوبة في تحقيق تلك الرغبة كون النادي يبعد مسافة كبيرة عن منزلها، وهي لا تقوى على الذهاب بمفردها بدون والدها.
لم يكن حلم الفتاة رياضيًا فقط، بل تأمل الصغيرة أن تصبح مرشدة سياحية خاصة وأنّها مُتفوقة دراسيّا، تُدرك جيدًا صعوبة هذا الأمر لكنّها ستبذل قصارى جهدها لتحقيقه، وجهت الصغيرة رسالة لكل من يتعامل معها أو حتى مع غيرها من أبناء جنسها "قصار القامة"، "إحنا مش متخلفين إحنا بس ربنا خلقنا مختلفين".
اقرأ المزيد
استغاثة غريق.. سر تحول "النخيل" من مصيف أولاد الذوات إلى شاطئ الموت
"عامان في خدمة الجنود".. طفلة عراقية تروي مأساتها تحت الأسر الداعشي