بعد ما يقرب من عقد من الزمن هيمنت فيه الدراما التركية على انتباه الجمهور العربى، حيث انتشرت فى كل ربوع الوطن العربى ورسمت صورة فى العقل تمجد فيه المجتمع التركى وتاريخه، ومن هذا المنطلق استغلت الحكومة التركية نجاحها فى الدراما وانجذاب المشاهدين لها، لتستخدمها كسلاح للسيطرة على العقول، حيث خرجت بالعديد من الأعمال الضخمة التى كونت صورة خيالية عن الأصول التركية، وخاصة الدول العثمانية، ولما لها من أفضال على منطقة الشرق الأوسط، وانتشالها من الدمار التى تعرضت له على يد الممالك الموجودة حين ذاك، ومن هنا خرج عمل فنى مشترك بين أبناء الدول العربية لهدف واحد وهو إظهار التاريخ الحقيقى، وفضح أكاذيب الدراما التركية التى زيفت من التاريخ، فى عدد من المسلسلات لعل أبرزها "الفاتح" و"قيامة أرطغول"، وذلك من خلال العمل الفنى "ممالك النار" الذى يأتى من إنتاج إماراتى ويعرض على شاشة "إم بى سى" السعودية، واشتراك عدد من الفنانين العرب من مصر وسوريا، ويتم تصويره بصحراء تونس، ليقف العالم العربى بذلك أمام المحاولات التركية فى تضليل العقل العربى، حيث يعتبر "ممالك النار" إضاءة على الإمبراطورية العثمانية الدموية.
حنان شومان: ممالك النار ضربة جديدة تقتل الدراما تركيا
وأثار المسلسل التاريخى الجديد "ممالك النار"، الذى يعرض حقبة معينة من الزمن تتمثل فى الحملة العسكرية العثمانية على مصر، ومحاولة تصدى السلطان المملوكى طومان باى لهذه الحملة التى يقودها السلطان العثمانى سليم الأول، لكن انتهت بسيطرة سليم الأول على مصر وقتل طومان باى، حالة الجدل العام؛ لأنها تلقى الضوء على العديد من الحقائق التاريخية حول الصراع الدرامى على السلطة فى الإمبراطورية العثمانية والمذابح التى ارتكبتها فى المنطقة العربية، وعرض الحقيقة كاملة عند وصف فترة الاحتلال العثمانى للدول العربية، وتكليف قادتها وسلاطينها بسلسلة من الانتهاكات الإنسانية والأخلاقية التى لا تنتهى ضد شعوب المناطق والبلدان التى سيطروا عليها فى وقت ما، وفقًا لهذا المنظور، قد يكون "ممالك النار" بداية مرحلة جديدة فى مسيرة الدراما التاريخية العربية، التى تكشف الكثير من الحقائق الغائبة لسنوات، والتى لم تجرؤ الدراما العربية على خلعها والكشف عنها، كما أن الجمهور العربى بدوره بدأ يكتشف مواهب فنية عربية جديدة لأول مرة على شاشات العرب، معظمهم من تونس ومصر.
أحمد سعد الدين: ممالك النار فضحت تاريخ تركيا
وفى هذا الصدد قال أحمد الديباوى باحث فلسفة الأديان، إن مسلسل ممالك النار ذو إنتاج ضخم وصل لـ40 مليون دولار؛ للخروج بعمل فنى قوى لإصلاح المغلوطات التاريخية، لكن سببين جعلا هناك جدل حول هذا المسلسل، الأول أنه من إنتاج دولة الإمارات، والثانى، تناول حياة السلطان طومان باى الذى يعتبر مملوكيًا متمصرًا، فهو كان رمزًا للصمود المصرى أمام الاحتلال العثمانى، كما أن الأتراك لديهم نزعة استعلائية، حيث يقولون إنهم جاءوا من أجل تحرير الشعب المصرى من الاحتلال المملوكى، لكنهم تناسوا أن المماليك الذين يحكمون مصر مسلمون، ولم يأتوا من أجل تحرير مصر من قوى كافرة، لكنهم جاءوا من أجل نهب الثروات والمصلحة الخاصة، كما أنهم ذاقوا المصريين أشد أنواع الظلم والتعذيب والقتل والنهب والسلب.
تركيا حليف استراتيجى للإخوان
وأشار إلى أن تركيا حليف استراتيجى للإخوان المسلمين، لذلك ستضارب المصالح الإخوانية التركية مع مثل هذه الأعمال الفنية، حيث يكشف ممالك النار المظالم والمسكوت عنه فى التاريخ العثمانى، من هنا جاء الجدل الدائر حول المسلسل، وزادت بشكل أكبر بسبب الإنتاج الإماراتى، حيث يوجد تحالف إماراتى سعودى مصرى ضد قطر وتركيا، لذلك طبيعى يثار الجدل حول المسلسل.
أما عن التوقيت فهو طبيعى، وذلك لأن المسلسل تم تصويره وإنتاجه منذ فترة، لكن توقيت العرض كان متروكًا لشركة الإنتاج وقناة "إم بى سى" ولم يكن هناك أى تدخل سياسى لتوقيت عرض المسلسل، ولكن سبب هذا التوقيت يكون بالتزامن مع عرض المسلسل التركى "قيامة عثمان"، الذى يعتبر جزءًا ثانيًا لمسلسل "أرطغل" الذى أثار ضجة عالمية بسبب إنتاجه الضخم المدعوم من الحكومة التركية له وتذليل جميع العقبات أمام إنتاجه، لتسييس التاريخ لهم، مضيفا أنه لا يوجد صلة أو ربط بين مسلسل ممالك النار وسياسة الدول المنتجة له، بدليل أن المشاكل بين تركيا والدول العربية منذ فترة كبيرة، فلم يتم إنتاج أى مسلسل عربى منذ ذلك الحين، واللعبة كلها فنية وليست سياسية، بل السياسة من قبل تركيا مثلما ذكرنا من خلال إنتاج مسلسل "أرطغل" الذى زور التاريخ وأظهر العثمانيون مصلحين دون أى إظهار أى عيب أو خطأ من الدول العثمانية، فهو يأتى لمواجهة الأعمال الدرامية التركية التى انتشرت بشكل كبير فى الوطن العربى.
التاريخ العثمانى مملوء بالدم
واستطرد أن التاريخ العثمانى مملوء بالدم والدليل على ذلك آل عثمان أنفسهم كانوا يتولون الحكم عن طريق القتل وعن طريق المؤامرات، وكما يزعمون أن ممالك النار يعمل على تلميع التاريخ العربى ويزور التاريخ لصالح العرب، وهذا غير صحيح لأن التاريخ معروف وثابت، فهم قاموا بمجازر ضد العرب، خصوصا أنهم ينتمون لجنس آخر غير الجنس العربى، وهذه إشكالية أخرى لديهم، لذلك يفضلون أنفسهم عن الجنس العربى، حيث ينظرون للوطن العربى أنهم درجة ثانية، أم هم من الدرجة الأولى أصحاب الحضارة، موضحًا أن التاريخ العثمانى مشوه داخليا، ونحن العرب لدينا تضخيم فى أمر الخلافة الإسلامية، فإن أى فعل تقوم به الخلافة لا يرتبط بالشرط بالإسلام، فنحن لا يوجد لدينا الفصل بين الدين الإسلامى وبين أفعال المسلمين وسلوكياتهم، فالخلفاء المسلمون لديهم سلوكيات قد نتفق أو نختلف معها، لكن فى كل الأحوال لا تتصل بالإسلام فى شيء؛ لأن الإسلام دين قائم بذاته محفوظ.
وأوضح أن التاريخ العثمانى يشوبه كثير من الدمار والعنف والمؤامرات، كما أن التاريخ المملوكى أيضا يوجد به دمار، لكن المماليك عندما حكموا مصر قرابة 262 سنة، كان لديهم نزعة التقرب من المصريين كما يمثله المسلسل فى شخصية طومان باى، حيث كان يتكلم اللهجة العامية، كما أنه من حلب السورية، وكانت فى ذلك الوقت بلاد الشام تابعة لمصر تحت قيادة واحدة، لذلك لا فرق بين السورى والمصرى.