تعاني مصر من تراجع كبير في مجال السياحة العلاجية، في نفس الوقت الذي احتلت فيه تونس المرتبة الثانية عالمياً بعد فرنسا في هذا المجال بإجمالى عائد نص مليار دولار، ونمو قطاع السياحة العلاجية في دولة الامارات العربية بمقدار 15% مما جعلها واحدة من أكبر 14 سوقاً عالمياً في هذا المجال.
وبرغم الإمكانيات الهائلة والعوامل التي تتمتع بها مصر من الجو المعتدل والمناظر والثروات الطبيعية والكوارد المؤهلة، والمراكز الطبية العالمية فضلا عن وجود أكثر من 1000 موقع للسياحة العلاجية متنوعين ما بين العيون الكبريتية والرمال الاستشفائية إلا أن هناك حالة غريبة من الاهمال والتدهور، تعاني منها مواقع السياحة العلاجية في مصر لعل أبرزها ما حدث في منطقة "عيون حلوان" والذى يعتبر من أشهر مكان للمياه الكبريتية، التي تم هدم جزء منها لصالح تشييد أبراج سكنية بالمنطقة.
النائب عمرو صدقي رئيس لجنة السياحة والطيران بالبرلمان والخبير السياحي قال: أن السياحة العلاجية في مصر هي جزء من قطاع أشمل وأعم هو قطاع السياحة الصحية، والتي تتضمن ثلاثة أجزاء الأول هو السياحة العلاجية والثاني هو السياحة الاستشفائية والثالث هو السياحة الميسرة لكبار السن ولذوي الاحتياجات الخاصة.
وأضاف صدقي، يعتمد الجزء الاستشافي على الموارد الطبيعية التي وهبها الله لنا من التربة والهواء والمياه، موضحاً أنه بناءاً على أحدث التقارير الصادرة من وزارة الصحة تمتلك مصر أكثر من 1346 موقعاً يصلح للسياحة الاستشفائية بجميع أهدافها، فهناك مواقع تصلح للشفاء من الأمراض الصدرية وأخرى للأمراض الجلدية وأمراض العظام وأمراض الجهاز الهضمي وأخرى لفترة النقاهة.
قانون لتنظيم السياحة الصحية
وأوضح صدقى أن السياحة العلاجية، لم تتقدم أو تبدأ من الأساس حتى تتدهور، لأنها كانت خارج أجندة الأهتمامات لفترة طويلة بسبب الاهتمام بأنواع السياحة الأخرى الأكثر طلباً، وهذا هو السبب الرئيسي الذي دفع المسئولين حالياً إلى محاولة تنظيمها وتنشيطها من خلال وضع إطار قانوني يحكم العلاقة بين المرضى من السياح وبين الهيئات أو مقدمي الخدمة السياحية العلاجية.
وأشار إلى أن التنوع الهائل في موارد مصر الطبيعية ووجود المراكز والمشافي الحديثة والأطباء والكوادر الطبية المؤهلة، بالإضافة الى المنتجعات السياحية العملاقة دوافع رئيسية دفعت بهم من أجل التفكير والتخطيط لكيفية تطوير هذا القطاع المؤثر على الاقتصاد.
وتابع: هدفنا الآن هو تنظيم ونشر وتنشيط السياحة الصحية في مصر، ولذلك نعمل حالياً على إصدار قانون لتنظيم العلاقة بين القطاع السياحي والقطاع الطبي من خلال إنشاء كيان يتبع رئاسة الجمهورية التي تمثل أعلى سلطة في الدولة، وأشار إلى أن فكرة إنشاء هذا الكيان جاءت من أهمية هذا النوع من السياحة لمصر فضلاً عن خطورته لأنه له علاقة بصحة البشر التي هي أغلى ما يمتلكونه سواء من المصريين أو الزوار الأجانب.
وأوضح صدقي أن عمل القانون سيبدأ بعد وضع اللائحة التنفيذية التي تعمل على تنظيم العلاقة بين الجهات السياحية والزوار من المرضى، حيث أن العلاقة فيها مختلفة فالأماكن السياحية أشبه بالفنادق المتخصصة وتختلف كثيراً عن المستشفيات الطبية فهي مكان يرشحه الطبيب للمريض من أجل الإقامة فيه قبل العملية أو بعدها، ويتم إنشاؤها بهدف تقديم رعاية طبية خاصة مثل الالتزام بأنواع معينة من المأكولات أو الأنظمة الصحية، وتوفير حالة من الراحة والاستجمام اللازمين لفترة النقاهه ولعملية اعادة الحيوية للجسم، مشيراً أن دور الهيئات السياحية هنا يكون حوالي 80% .
بينما دور الهيئات السياحية في السياحة العلاجية التي تتعلق بكل ما يخص المشافي والأدوية والأطباء، ضئيل جداً فهو يمثل حوالي 20%، ويتمركز بشكل رئيسي في تقديم الخدمات المعاونة للأجهزة الطبية، موضحاً أن الهيئات السياحية هنا تعمل على استغلال الكوادر الطبية والمراكز والأجهزة الحديثة، من أجل استقدام عدد كبير من السياح الراغبين في إجراء الجراحات المختلفة سواء كانت تجميلية أو علاجية.
وقال نعمل أيضاً على تنظيم وتطوير قطاع السياحة الصحية الميسرة من خلال تدريب العاملين بها، لكي يكونوا على دراية كافية بكيفية التعامل مع كبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة، وكذلك توفير المنتجعات السياحية الصحية المؤهلة لمنحهم إقامة سهلة وميسرة.
السياحة العلاجية أفضل استغلال لموارد مصر الطبيعية
وقال اللواء حمدي الشامي وكيل أول وزارة السياحة السابق، أن السياحة العلاجية في مصر بدأت تأخذ خطوات تقدم ثابتة حيث تم تطوير العديد من الأماكن والمقاصد السياحية ، فضلاً عن إنشاء الكثير من المشافي والمستشفيات ذات الطراز العالمي والتي تقدم أعلى مستوى من الخدمات الطبية وتزويدها بأحدث الأجهزة والكوادر، وهو ما جعلها سبب في أن تكون مقصد للعديد من السياح، على حد وصفه.
وأضاف أن السياحة العلاجية في مصر مهمة جداً، فهي أفضل استغلال لمواردها الطبيعية من البحار والرمال الاستشفائية والعيون والآبار الكبريتية، وبما أن السياحة لا زالت من أهم مصادر الدخل القومي قامتا هيئة تنشيط السياحة ووزارة السياحة بالعمل على تنشيطها والدعاية لها عالمياً، من خلال المؤتمرات العالمية التي يتم عقدها في المناطق السياحية وكذلك المساهمة مع القطاع الصحي في إنشاء الهيئات والمشافي الطبية والعمل على تطوير هذا القطاع، و إنشاء هيئة خاصة وهي المؤسسة المصرية للسياحة العلاجية والاستشفاء البيئي والتي تعمل على التعريف بالسياحة العلاجية والاستشفاء البيئي في مصر وتدريب العاملين بها.
سوء الدعاية سبب تراجع السياحة العلاجية
وأكد الطيب عبدالله مرشد سياحي، أن سوء الدعاية والتسويق الإعلامي للسياحة العلاجية في مصر هو أهم الأسباب التي أدت إلى بعض التراجع فيها، فضلاً عن الإهمال في الاهتمام بهذه الأماكن الناتج عن الظروف السياسية التي مرت بها مصر مؤخراً والتي أدت إلى تراجع السياحة بشكل عامة في بعض الفترات.
وقال عبدالله إلى أن مصر لازالت تحظى بإقبال كبير من السياح بهدف العلاج خاصة في أماكن الواحات الخارجة والداخلة، وسيوة ،وسفاجا، وعيون المياه الكبريتية، موضحاً أن مصر تمتلك الكثير من المواقع السياحية التي تقدم خدمات مختلفة ومتنوعة للمرضى من السائحين فهي فيها أماكن وكهوف للدفن بالرمال وينابيع المياه الكبريتية الساخنه والكهوف التي تعتبر بمثابة ساونا طبيعية.
وأكد عبدالله أن الدعاية مهمة جداً لإعادة تنشيط السياحة العلاجية في مصر، فضلاً عن الاهتمام بإنشاء منتجعات سياحية طبية بالقرب من أماكن الاستشفاء، مثل المنتجع السياحي الذي يتم إنشاؤه حالياً في أسوان في منطقة غرب الأغاخان بهدف العلاج من خلال الدفن بالرمال.
فوائد أماكن الاستشفاء الطبيعية مثبتة طبية
وفيما يخص الجانب الصحي أكدت دكتور وفاء علم الدين استشاري الأمراض الجلدية، على أهمية موارد مصر الطبيعية من العيون الكبريتية والمياه المالحة والرمال والكهوف في علاج الكثير من الأمراض، والتي أثبتت الأبحاث العلمية فائدتها الطبية ويأتي في مقدمتها الأمراض الجلدية، كالالتهابات والصدفية والاكزيما وحب الشباب، وكذلك أمراض العظام كالروماتويد والتهابات المفاصل وآلام العضلات.
وقالت علم الدين أيضاً إلى أن السياحة العلاجية تعتمد كذلك على المستشفيات والمراكز الطبية وخاصة تلك المتخصصة في جراحات التجميل، والتي تعد أحد أهم أهداف المرضى من السياح، مؤكدة على ضرورة تطوير هذه الأماكن من خلال تطوير الأجهزة وتدريب الكوارد البشرية العاملة فيها.
وأوضحت أن التعاون بين العاملين في القطاع الصحي مع العاملين في قطاع السياحة من أجل الترويج لهذه المراكز وتنظيم العمل بها، وتنسيقه لكي يصل إلى مستوى فائق من الخدمة، هو في حد ذاته أسلوب رائع للدعاية للسياحة العلاجية فعندما يحصل السائح المريض على ما يريده سينقل تجربته إلى أهله وأصدقائه والذين سيأتون لتكرار هذا التجربة، وكلما زاد السياح زاد الدخل فأثر إيجابياً على الاقتصاد.