البعد عن الدين وانتشار الجهل والخرافات من الأسباب الرئيسية
كريمة: زيارة أضرحة أولياء الله الصالحين والتبرك بهم مشروع
آمنة نصير: التبرك بأضرحة أولياء الله الصالحين عادة دميمة
بحري: يجب تكثيف حملات التوعية الإعلامية والدينية لهذا النوع من العادات
زيارة أضرحة أولياء الله الصالحين والتبرك بهم عادة مصرية أصيلة لا تقتصر على المسلمين فقط بل والمسيحين أيضاً، فهناك اعتقاد شبه سائد بين رواد هذه الأضرحة أن التبرك بهم يساعد على سرعة تحقيق الأماني فهي تشف العليل وتريح المسكين وتجبر المكسور.
فإذا كنت تعاني من تأخر الانجاب عليك بزيارة ضريح "الحسين" وإذا كنت تعاني من السحر والحسد فعليك بزيارة "السيدة نفيسة"، وإذا تأخر زواجك فعليك بزيارة "السيدة زينب"، وإذا زاد أصابك مرض فعليك بزيارة "السيد البدوي" و إذا أردت زيادة الرزق فعليك بزيارة "على زين العابدين".. كلها توجيهات وموروثات تسكن فى عقيدة الكثير من المصريين.
ولم يقتصر الأمر على زيارة أضرحة أولياء الله الصالحين من نسل نبينا الكريم محمد (ص)، بل أمتد أيضاً إلى أضرحة الأولياء والمشايخ أصحاب الكرامات المعروفة لدى أهل قريتهم، التي لا نعلم مدى حقيقتها- منهم ضريح "الفولي" و"سيدي أبو غنيمة" بالمنيا و "سيدي أبو الحجاج" بالأقصر، و"الشيخ زهار" بأسوان وضريح "الروبي" بالفيوم وغيرهم الكثير.
والجدير بالذكر أن مصر تمتلك أكثر من 6000 ضريح بحسب وزارة الثقافة، منهم 2850 ضريح يقام لها موالد واحتفالات كبيرة يشد لها الرحال.
فى ضريح "السيدة زينب" أو كما يطلق عليها بأم العواجز ستتفاجأ بالعدد الكبير من النساء والرجال، وتحدثنا مع بعضهم لمعرفة أسباب زيارتهم للضريح، قالت أم أحمد: "أنا أتربيت على كدا ومن وأنا صغيرة على طول كنت بأجي مع أمى وقرايبها عشان نقرأ الفاتحة وناخد بركة ستنا".
وقالت أمانى: "أنا بصراحة جاية أتفرج على الضريح والعمارة الاسلامية به فأنا طالبة بكلية الأثار، والأهم على اللى بيحصل هنا".
وهبة تلك السيدة التي استوقفتنا رؤيتها وهي مميلة برأسها على السور الحديدي المحيط بالضريح وتشعر إنها في عالم آخر، وبسؤالها قالت: "أننى هنا عشان أدعي وأتبرك بستنا يمكن ربنا يستجيب لي ويحقق حلمى أنا متجوزة بقالى كتير ولسة ربنا مرزقنيش بالذرية ونفسي أخلف أوي وا وألاقي سند ليا واترحم من كلام الناس، أنا بأجي هنا زي ما قرايبي نصحوني الغريق بيتعلق بقشاية، على حد وصفها".
بينما قال محمد: "أنا جاي مع أمي من محافظة بني سويف، هي بتحب تيجي هنا على فترات متباعدة عشان تدعي فهي بتحس براحة نفسية لما تتبرك بالسيدة زينب".
وقال الحاج سعيد: "أتي هنا للصلاة فمسجد السيدة زينب بنت النبي مكان طاهر، كل ما أحس أنى مخنوق أجي هنا أصلى وأقرألها الفاتحة بحس أني ارتحت".
التبرك بأضرحة أولياء الله عادة مصرية موروثة
وقال الدكتور هاشم بحري، أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر، "من أهم سمات الشخصية المصرية البحث عن قدوة يقدرونها يكون لها تميز خاص، وهنا يكون أولياء الله الصالحين هم القدوة الحسنة لبعض الأشخاص، لذلك فهم يحرصون على زيارتهم والحصول على بركتهم".
وأضاف: "أن عادة التبرك بالأضرحة عادة مصرية موروثة متأصلة في جينات المصريين، فالمجتمع المصري من أقدم المجتمعات التي تعتقد بالعالم الأخر والجنة والنار، وهم يعتقدون أن هؤلاء الأولياء الصالحين قد سبقوهم إلى الجنة لذا يظنون أن زيارتهم والتبرك بهم تأخذ بأيديهم إلى الله وتساعدهم على تخطى العقبات وتعجل من تحقيق الأمنيات".
وأشار أن السبب في انتشار ظاهرة التبرك بأضرحة أولياء الله الصالحين هو انتشار الجهل والخرافات، وأنه في بعض الأحيان تكون العادات والتقاليد أقوى من العلم فيكون من الصعب محاربتها، ممثلاً على ذلك بعادات أخرى غيرها مثل، هز المولود الجديد في السبوع رغم خطورة ذلك على صحته، وعادة ختان الإناث التي لا يوجد لها أصل ديني أو علمي، على حد وصفه.
وشدد بحري على ضرورة تكثيف حملات التوعية الإعلامية ضد هذا النوع من العادات، بمشاركة المؤسسات التعليمية والدينية كالأزهر والمساجد والكنائس.
التبرك بالأضرحة يحدث حالة من الأمان النفسي والروحاني
واتفقت معه في الرأي الدكتورة هند البنا استشاري الصحة النفسية ومدير مركز مرآة للاستشارات النفسية والأسرية، قائلة "أن طبيعة الشعب المصري نفسه منذ القدم هي ما تدفع بعض الأشخاص للتبرك بالأضرحة فالإرتباط بالجوانب الدينية يعتمد على الجانب الروحاني بشكل أكثر، ولذلك فالمصريين يشعرون بحالة من الأمان النفسي والروحي في التبرك بالأولياء أو بالاضرحة، والدليل على ذلك فكرة أن في كل حاره مقام ففي القاهرة الإسلامية سنجد ذلك بوضوح فالمسلمون يتباركون بالسيدة العذراء وينيرون الشموع.. والمسيحيين على المستوى الشعبي يتباركون أيضاً بالسيدة زينب والسيد الحسين في بعض الأحيان".
وأكملت البنا: "التبرك لا يمكننا أن نعتبره دليل على جهل أو عدم وعي، إلا اذا تحول الأمر من جانب روحاني إلى اعتمادية أو اتكالية في أن صاحب المقام سوف يحقق ما نريد دون أن نعمل أو نجتهد، وأن ننسى أن الفاعل الحقيقي هو الله الذي يفعل ما يريد".
وشددت على أهمية الدور التوعوي الذي لابد من أن تقوم به مؤسسات عديدة في الدولة كالمؤسسات الدينية والتعليمة والإعلامية.
النافع والضار.. هو الله
وحدثنا عن الحكم الشرعي لزيارة الأضرحة الاستاذ الدكتور أحمد محمود كريمة أستاذ الفقه المقارن والشريعة بجامعة الأزهر قائلاً : "ان زيارة مراقب الصالحين المعروفة بالأضرحة سواء كانت أنبياء كقبر الخليل بفلسطين وبقبر النبي محمد (ص) بالمدينة المنورة أو بآل بيت النبي كالإمام الحسين والحسن وزينب، أو قبور الصحابة كشهداء الصحابة بالبهنسا بصعيد مصر، أو زيارة الأولياء كالشافعي والرفاعي والبدوي، هي زيارة مشروعة لأنهم موتى مسلمين وذلك تأسيساً على قول الله تعالى في كتابه (ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر) ، وقول النبي محمد (كنت قد نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها).
وأشار أنه قد ورد في السنة التطبيقية للنبي صلى الله عليه وسلم أنه زار قبر أمه السيدة آمنة رضي الله عنها وبكى عند قبرها، كما أن الرسول كان يزور قبور المسلمين في البقيع، وكذلك كانت السيدة فاطمة أبنة النبي تزور قبر عمها سيدنا حمزة وشهداء غزوة أحد.
وأشار أن ما يفعله بعد العوام والجهلاء من التمسح والتقبيل بالأضرحة هو أمر غير صحيح رغم أنه لا يخرج عن الملة، ولذلك يجب تعليمهم برفق وإرشادهم بموعظة حسنة بأن النافع والضار هو "الله"، فهو وحده القادر على حل الأمور لقوله تعالى (وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله يصيب به من يشاء من عباده وهو الغفور الرحيم).
وأكمل: "تأسيساً على ذلك فأنه لا بأس بالتبرك المشروع عندهم مع التأكد بأن النافع والضار هو الله وأن هؤلاء لا واسطة ولا شفعاء ولكن ترجي بركاتهم لجاههم عند ربهم".
أفعال توقع بصاحبها في دائرة الشرك بالله
وأعلنت الدكتورة أمنة نصير أستاذ العقيدة الإسلامية والفلسفة بجامعة الأزهر: "أن التبرك بالأضرحة مرفوض دينياً فهو أحد الموروثات الثقافية الدميمة التي لا ترقى إلى مستوى الايمان بأن الله سبحانه وتعالى هو وحده المانح وهو المانع وهو حده الذي يعطى ما يشاء ويمنع ما يريد، ومن في الاضرحة هم موتى لن يقدموا أي نفع لهم".
أوضحت نصير" أن البعد عن الدين وانتشار الجهل والخرفات هو أهم الاسباب التي أدت إلى انتشار مثل تلك المعتقدات وغيرها كاللجوء إلى الدجالين والمشعوذين، مشيرة أن هناك بعض المعتقدات والأفعال التي يفعلها صاحبها أثناء زيارة تلك الأضرحة والتي قد توقع بصاحبها في دائرة الشرك بالله فهناك من يقومون بتقديم النذور لهم ومن يقومون برمي الأوراق المكتوب عليها الأمانى والصور وإشعال الشموع وإلقاء الماء".
موروثات أقوى من العلم والقانون.
ومن جانبها أوضحت الأستاذ الدكتور إنشاد عز الدين، أستاذ علم الاجتماع بجامعة المنوفية أن هذه الظاهرة هي لحالات فردية ولا تعدو لأن تكون ظاهرة اجتماعية لأن القلة القليلة من الأشخاص في المجتمع هم من يقومون بذلك، مؤكدة على أن حالة الازدواجية وقلة الوعي التي يعيشها المجتمع المصري هي ما دفعت إلى انتشار مثل تلك العادات والموروثات والتي تصبح في بعض الأحيان أقوى من القانون والعلم فهي تأخذ صفة الجبر.
وناشدت "عز الدين" مؤسسات الدولة الدينية وعلماء الدين والدعاة بضرورة توعية الناس بأمور دينيهم وتثقيفهم من خلال استخدام وسائل الإعلام أو نشر القوافل الدينية في القرى واستخدام المساجد ودروس العلم.