رغم ولادته وترعرعه في فرنسا، لم يخبو حب مصر في قلب الطفل علي منصور، الذي وُلد من أب مصري وأُم سورية، فكان والده حلقة الوصل بينه وبين وطنه الأم ومعالمها، فنسج من الحكايا الفرعونية قصة عشق كانت نواة لمبادرته التي أطلقها العام الماضي بعنوان "مبادرة إظهار معالم وجمال مصر".
"الفكرة جوايا منذ الصغر، فكان الدافع لية أحاديث والدي، وفخري بهويتي المصرية، لما كان بيلبسوني الزي الفرعوني في المدرسة، والإحساس إلي كان بيوصلني من كل زمايلي وأساتذتي، في شغفهم بمعرفة إعجازات وأسرار أجدادنا"، بحسب منصور لـ"بلدنا اليوم".
وظلّ حلم تنفيذ المبادرة يجول بخاطره، حتى جاء إلى مصر مستقرًا فيها، فبدأ بتوسيع مداركه بالقراءة عن معالمها القديمة، وحضارتها الأسطورية، فزاد انبهاره ووصل شغفه عنان السماء، " لما جيت مصر، قولت لازم استغل حبي لبلدي في حاجة تنفذ على أرض الواقع"، واعتبره وجوده فرصة ثمينة عليه استغلالها في خدمة فكرته القديمة.
بهمة مُحب وإلهام متّقد الفكر، نصب علي منصور، نفسه كمرشد لأقربائه الذين قدموا من فرنسا لزيارة مصر، " كان لية قرايب بيزورو مصر من فرنسا واليونان، فكنت مرشدهم في زيارة الأماكن السياحية، وتعريفهم عن تاريخ كل معلم بيشوفوه، وقتها حبيت الموضوع أكثر، وقررت أنقل المعلومات دي على نطاق أوسع وبشكل أكبر".
دشن علي منصور، صفحة رسمية على موقع التواصل الإجتماعي "الفيس بوك"، لتوثيق مبادرته بشكل رسمي وبجهد شخصي منه دون دعم مقدم من أي جهة رسمية أو خاصة في مصر أو خارجها، ونشر مساعيه الحثيثة في هذا الصدد، وسلاحه لاب توب خاص وكاميرا يسجل بها ما يشاهده، "بدأت أحدد الأماكن إلي هنزل أزورها وأجمع معلومات عنها، وأصورها علشان أظهر معالم مصر وجمالها للمصريين قبل الأجانب، بهدف دعم وتنشيط السياحة المصرية، وتعريف المصريين ببلدهم وتشجعيهم على السياحة الداخلية، و بدأت الرحلة من الإسكندرية إلى القاهرة، الواحات البحرية، الفرافرة، الأقصر، أسوان، مرسي علم، شرم الشيخ، دهب".
لم يداعب علي منصور، بمبادرته وجدان الأجانب فقط، بل ألقى على عاتقه تعزيز الإنتماء لدى المصريين بوطنهم الأم، بتعريفهم بها عن طريق مبادرته، "مشاغل الحياة خلت ناس كتير مش عارفين مصر، ولا أهم أماكنها السياحية، فبدأت الأجيال الجديدة تفقد إحساسها بجمال البلد، وعلشان كدة بدأت أنشر المبادرة علشان يعرفوا حضارتها وتاريخها، ويدركوا إن فيه حجات كتيرة جوه البلد، فيكونو فخورين إن دي بلدهم".
"اللايك والشير"، كانا المحفزان لعلي على الإستمرار في مبادرته، واللغة التي عبّر بها رواد صفحته عن انبهارهم بالمعروض فيها، لدرجة أن بعضهم أبدى تعجبه من وجود مناطق أثرية قريبة من أماكن سكنهم ولم يعلموا عنها شيء، "بدأت أحط صور، والناس بدأت تنبهر بها وكأنها أول مرة تشوفها، فكان لية صورة في منطقة ما بمحافظة الإسكندرية، أهل الاسكندرية نفسهم قالوا دي اول مرة نشوفها، وبدؤا يسألوني عن مكان الصورة، وكمان مسجد في شرم الشيخ، اعتقدوا إنه في الهند".
ومع نبرات التشجيع، وعلامات الاستفهام التي طالت كل صورة ينشرها علي منصور من متابعيه، زادت عزيمته في إثبات أن "مصر جميلة"، "المبادرة شكلت مسؤولية كبيرة عليّ، حسيت لما كشفت عن مصر والناس شافت أماكن كتير حلوة، بقت منتظرة مني اكتر، فحسيت إنها مسئولية إني ابحث عن أماكن مش متشافة، وقتها بشعر بسعادة غامرة إني بشارك في تصحيح صورة مصر للناس الي داخل مصر وخارجها، وإظهار وجهها الجميل، وأنها بلد الأمن والأمان".
وعن أكثر الأماكن التي زارها علي منصور، ولم يكن يعلم عنها المصريون شيئًا هي "الصحراء البيضاء والسوداء"، والتي تتجسد فيها جمال الظواهر الجغرافية الفريدة والطبيعة الخلابة التي نادرًا ما نجدها في مكان آخر، "جمال ساحر وهواء نقي، إلى جانب الكثبان التي تبدو كرداء حريري ذهبي اللون، مع غروب الشمس يأخذك إلى عالم الخيال في لوحة فنية من إبداع الخالق، فهذا هو ما يتخيله عقلك عندما تقرر الذهاب إلى جولة داخل الصحراء الغربية، حينما انفجرت البراكين المصرية منذ 180 مليون سنة، وهو المكان الذي لن ترى مثله في أي مكان آخر".
كما لم يغب عن بال الرحالة المصري، زيارته لـ"أقصر وأسوان"، والتي كانت من أكثر الأماكن ابهارًا له، لما تحتويه من كمية كبيرة من الأثار في العالم، علاوة على الأعمدة المرتفعة التي تنتصب وسط المدينة، ورائحة الزمن المعتّفة بها نحو7 آلاف سنة، "لما أمر من أماكن مر فيها أجدادنا بحس بعظمة المكان وقدسيته، من بناء وتشييد، بخلاف المعالم الطبيعية التي تخلد عندي شعور كبير بالراحة النفسية".
ولكي تؤدي المبادرة الغرض الأسمى منها، خاطب علي منصور، الأجانب لجذبهم إلى مصر، فعمد إلى إقران كل صور ينشرها على صفحة المبادرة بمعلومات باللغة الإنجليزية، وهو ما ترك صدى كبير، "فيه كتير استجابوا للبوستات والصور إلي بنشرها، وأعربوا عن حبهم لمصر، وحلمهم في زيارتها، قبعضهم أرسل لي رسائل خاصة حتى أرشح لهم أماكن يزوروها أول ما ينزلوا مصر، وآخرين شاركوا تجربتهم وتمنوا زيارتها مرة تانية".
ويرى علي منصور، أن مبادرة وزارة الهجرة "مفيش زي مصر"، والتي تضارع مبادرته، في هدفها، أنها تعزز الانتماء لدى أبناء الجيل التاني والتالت من أبناء المصريين في الخارج، خاصة أنه كان أحدهم، " الي برة مصر بتبقى مصر وحشاه وكل لما بيشوفها ويسمع اخبارها بيحس بالدفء والأمان، خصوصا انه بعيد ومتغرب فشيء جميل انه يشارك في شيء يخص بلده وهو بعيد عنها".
وكما السهم، يهدف علي منصور، لاستكمال ما بدأه في مبادرته وصولًا إلى العالمية، "أهم حاجة الإستمرار والبحث عن أماكن جديدة في مصر، والاتجاه إلى تغيير طريقتي النمطية في التصوير بأًخرى أكثر تأثيراً بتسجيل فيديوهات توثق المعالم السياحية والثقافية والحضارية لعمل موسوعة إلكترونية، ونشرها عبر حساباته الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة لما لها من تأثيرات قوية في التسويق للسياحة".
وبسلكه درب طويل في مبادرته، أضحت كلمات الإشادة المغلفة بالحب، صك موثّق لتكريمه، "بشوف نتيجة مجهودي بالحب إلي بيوصلني من المتابعين، ومنهم طلاب بيدرسوا آثار لما راسلوني وقالولي حبيبتنا في المجال إلي بندرسه، علشان كدة كل كلمة حلوة بتشكل دعم كبير لية".
أما الداعم الأكبر لعلي، فتمثّل في والده المصري الذي عزّز لديه الانتماء منذ الصغر، ووالدته السورية التي تشبّعت بحب مصر، فكان الدافع لها للاستقرار معه في ربوعها، "أي كلمة تشجيع من والديّ بفرح بها جداً، وتعبيرهم الدائم إنهم فخورين بمبادرتي ومبسوطين بلي بعمله، فتشجيع الاهل بيبقى عامل اساسي في تشكيل قوة خفية للانطلاق نحو الأفضل دائما".