"أنا أقوم بتسليتك بأقل تكلفة وأقل قدر من التنازلات .. لا أريدك أن تهرب مني .. هناك عبارة يقولها (ر. ل. شتاين) : أريد أن أكتب على قبري "جعل الأطفال يقرأون"، أما أنا فأريد أن يُكتب على قبري "جعل الشباب يقرأون".. أقول أنني لست آخر من يكتب.. هناك الكثيرين غيري وأنا لست النهاية أبدًا.. لكن الفكرة هي أنك صرت مدمن كتاب.. لأنك ستشعر في وقت من الأوقات أن هذه الروايات لم تعد تصلح لك، أي أنك ستزهدني مثلا على سن 25 ، 26.. وتبدأ دخول عالم آخر معقد تجد فيه نفسك وتجده متفقًا مع ميولك.. كل مرحلة عمرية ولها كتاباتها".
في الثاني من أبريل عام 2018، استيقظ الآلاف بل الملايين من عشاق الأدب، على خبر رحيل والدهم وأبيهم الروحي أحمد خالد توفيق، أو كما أطلقوا عليه "العراب"، كان الخبر بمثابة صدمة لهم خاصة وأنّ كتاباته كان لها تأثير قوي في نفوس آلاف الشباب من متابعيه، وبالرغم من رحيله إلّا واسمه ما زال خالدًا إلى الآن، وفي مثل هذا اليوم العاشر من يونيو نحتفل بذكرى ميلاد عراب الجيل.
"الحلم الذي تحقق بعد الرحيل"
"كانت السينما هى عشق أحمد خالد المُعذب، والحلم الذى لم يتمكن قط من تحقيقه، والغصة التي مات بها بعد سلسلة من النحس أدت إلى فشل كل مشاريعه السينمائية".
"كان خالد عاثر الحظ في السينما بشكل يصعب تفسيره، لقد باع بالفعل سيناريوهات أفلام عديدة، وقبض ثمنها، وتلقى وعودا كثيرة ثم لا شيء، وكان يندب حظه أنه منحوس بشكل خاص، لا يمكن أن يكون فلان وعلان الذين يُعتبرون من تلاميذه، كتاب سيناريو تُنتج لهم الأفلام بكل سهولة، ثم هو بعد كل هذه الشهرة يعجز عن إنجاز فيلم واحد.
نجل الدكتور أحمد خالد توفيق في حوار له معنا، تحدّث قائلًا: "كان أبي يؤكد لي أن ذلك سيحدث لا محالة، ولكن بعد موته للأسف، والآن أصدقه تماما، لا شك أن زخم وفاته وما تبين من حب القراء له سيجعل من إنتاج أي فيلم لأعماله عملا مضمون النجاح، وهذا ماحدث بالفعل، ولكن –وأسفاه- لم يعرف خالد بحدوثه ولن يسعد به، لن تتحقق أمنيته الكبرى التي عاش يحلم بها، لن يرى اسمه مكتوبًا على تترات الفيلم، كل هذا سيشاهده الجميع باستثناء صاحب الحلم: خالد نفسه، وبالفعل هذا ما حدث مع مسلسل "زودياك" الذي لاقى نجاحًا كبيرًا، وكان عملًا رائعًا تحدّث عن كتاب بنك الحظ للعراب.
جزء من مقال كتبه الدكتور أيمن الجندي بعد وفاة العراب، كان صديقه وكان يعلم جيدًا مدى عشقه للسينما لكنّه لم يستطع تحقيق هذا الحلم في حياته، فقدمه محبيه وعاشقيه هدية له بعد رحيله، ليتهافت الجميع من صناع السينما على أعمال العراب لأنّهم يعلمون جيدًا أنّ مجرد اسمه فقط سيزيد من أرباحهم.
قبره مزار القراء والكتاب
"قد مات قوم وما ماتت مكارمهم.. وعاش قوم وهم في الناس أموات".. خلال حديثي مع بعض من محبين العراب الراحل، ذكر لي أحدهم "قبره أصبح بمثابة مزار لنا نجتمع عنده بين الحين والآخر، بعض الكتاب والأدباء من تلامذة الراحل أيضًا يأتون إلى قبره يتجمعون لديه يتشاورون ويقصون أدبهم في حضرته وكأنّه ينصت إليهم، ولذا أحمد خالد توفيق بحسب حديث أحد تلامذته رحل جسدًا فقط، وبالرغم من مرور عام على الرحيل إلّا أنّ أثره وتأثيره فيما حوله ما زال كبيرًا كما كان متواجدًا على قيد الحياه .
هدايا المحبين خالدة
لم يكن تخليد إسم العراب في وطنه فقط بل أيضًا كان له محبين بالخارج، ففي دولة بنجلاديش تم حفر بئر من قبل مؤسسة الشيخ العلامة أحمد الله الخيرية في مدينة شيتاغونغ ببنجلادش، كصدقة جارية على روح الراحل.
" لو انفتحت الأبواب من أول مرة ومع طرقة واحدة فعلى الأرجح لايوجد وراءها سوى الخواء.. الغرف التي تحوي الكنوز تحتاج لمحاولات شاقة طويلة" إحدى اقتباسات العراب الراحل من روايته "مثل إيكاروس"، هذا الاقتباس الذي اتخذه إحدى باحثين الدكتوراة المصريين في أسبانيا في مقدمة بحثه، كتقديرًا وتعبيرًا عن حبه للراحل بعد وفاته.
ولأنّ الوفاء لا يشترى، قام طبيب شاب من تلامذة العراب الراحل بطب طنطا ومقيم بألمانيا، بإقامة معرض صور لآثار المتحف المصري، وأهدى المعرض لروح أستاذه الراحل، ليكون بمثابة رد الجميل على مافعله معه ومع غيره الكثيرين من قبل.
"وداعا أيها الغريب كانت إقامتك قصيرة، لكنها كانت رائعة عسى أن تجد جنتك التي فتشت عنها كثيرا.. وداعا أيها الغريب.. كانت زيارتك رقصة من رقصات الظل.. قطرة من قطرات الندى قبل شروق الشمس.. لحناً سمعناه لثوان من الدغل.. ثم هززنا رؤوسنا وقلنا أننا توهمناه.. وداعا أيها الغريب..لكن كل شيء ينتهي!".