بعد التصعيد الأخير.. 3 سيناريوهات تحسم الصراع الإيراني الأمريكي

الخميس 16 مايو 2019 | 11:49 مساءً
كتب : أحمد نادي

"أهون على تجرع السم الزعاف من قبول القرار"، هذه الكلمات الشهيرة لمؤسس الجمهورية الايرانية آية الله روح الله الخمينى فى ثمانينات القرن الماضى، عندما اقترح مجلس الأمن هدنة لإنهاء الحرب العراقية الإيرانية التى امتدت لـ8 سنوات حقنا للدماء وقال جملته الشهيرة ،ولكنه تجرع هذا السم في نهاية المطاف .

يذكر أن مرشد إيران آية الله على خامنئي أعاد للاذهان الجملة الشهيرة لمؤسس الجمهورية قائلاً : "التفاوض مع الولايات المتحدة سم قاتل، طالما تتصرف الإدارة الأمريكية الحالية هكذا، فالتفاوض معها هو سم زعاف"؟

وأبدي المرشد الأعلى الإيرانى عدم رغبته فى تجرع السم الذى تجرعه الخمينى مع اختلاف أسبابه، لكنه قال إن الأسهل بالنسبة لطهران هو العودة لتخصيب اليورانيوم بمستويات أعلى مما حددها الاتفاق النووى دون قيود أى أعلى من 3.76% وربما لو أراد لبلوع نسبة الـ20% فستكون سهلة عليه وفقاً لخامنئى.

وبالنظر لتاريخ العلاقات الأمريكية الإيرانية، يتضح أن صانع القرار الإيرانى يرجح فى إدارة ملف واشنطن التحاور مع خصومه عبر قنوات خلف الأبواب المغلقة فالإتفاق النووى الذى وقع فى 2015 وضعت بذوره فى محادثات سرية استضافتها سلطنة عمان فى العام 2012 أى فى عهد الرئيس السابق أحمدى نجاد، لم تخرج إلى النور إلا بعد سنوات.

الصراعات وتبادل الهجوم وأجواء التوتر التى تظلل منطقة الخليج برعاية إيرانية أمريكية لم نشهد لها مثيلا منذ سنوات حادث اعتداء وتخريب غامض ضد الإمارات فى منطقة الفجيرة، وتعرض ناقلتى بترول سعوديتين لمحاولة تخريب وقرار أمريكى بتحريك قطع عسكرية ضخمة بشكل غير معتاد مصحوبا بتحذيرات واضحة وتهديدات مباشرة من الرئيس الأمريكى دونالد ترامب ووزير الخارجية الأمريكية ضد إيران، وهى التصريحات والتهديدات التى وجدت رد فعل فوريا من قبل الجمهورية الإسلامية الإيرانية التى خرجت منها أصوات تتحدث عن الرد الفورى وأصوات أخرى تتحدث عن حرب مفتوحة لن تنجو منها مصالح أمريكا فى المنطقة.

أصبح هناك العديد من السيناريوهات المفتوحة ما بين حرب كبرى تهدف لطحن إيران والإجهاز عليها كما يقول البعض، أو ضربات محدودة للتأديب أو حصار يهدف إلى تحقيق مكاسب على طاولة التفاوض والحوار، أو مناوشات معتادة بلا طائل ولكل سيناريو أسبابه، والتوتر يتضاعف مع مرور الوقت وله مبررات.

قبل طرح أى سيناريوهات للمواجهة بين أمريكا وإيران، لا بد أولا من إعادة توضيح أسباب التوتر وحالة التصعيد المسيطرة الآن على أجواء منطقة الخليج، عودة للخلف تخبرنا كيف وصلنا إلى نقطة انتظار الحرب الآن، فى 8 مايو 2018 انسحبت الولايات المتحدة من خطة العمل الشاملة المشترك أو ما عرف بالاتفاق النووى المبرم عام 2015 والذى يهدف إلى تحجيم أنشطة طهران النووية، وأعادت فرض عقوبات مشددة على إيران، واتهمت التصريحات الأمريكية إيران بأنها تتحدث عن استخدام سلمى للطاقة النووية بينما تشير الممارسات إلى سعى طهران لامتلاك قنابل نووية واعتبرت أن الأنشطة الإيرانية مثيرة للقلق.

الانسحاب الأمريكى الذى جاء مفاجئا وسريعا بقرار من ترامب رغم تحفظ مستشاريه وضغوط حلفائه الأوربيين، كان شرارة لاشتعال نار التوتر وعودة تصريحات التهديد والحصار والعقوبات بين إيران وأمريكا، وكانت أغلب الدراسات والأبحاث المتابعة للشأن الأمريكى الإيرانى تنتظر تلك اللحظة التى وصلنا إليها الآن، لحظة مناوشات السلاح والحرب.

وشهدت الأيام الماضية تصعيدا خطيرا فى تلك المواجهة الأمريكية الإيرانية حينما حركت واشنطن بعضا من المعدات العسكرية نحو منطقة الخليج مع إعلان القوات الأمريكية رفع حالة الاستعداد ردا على إعلان إيرانى مشابه، وبالنظر إلى نوعية المعدات العسكرية الأمريكية التى ظهرت على خريطة الأحداث والربط بينها وبين حالة الطوارئ والتعبئة فى القواعد العسكرية الأمريكية التى تحاصر إيران، تكتشف أن التصعيد الأمريكى فى هذه المرة مغاير تماما لما حدث سابقا ومعزز لفكرة وقوع الفعل أيا كان شكله سوا ء حربا أو ضربة محدودة أو حصارا.

واشنطن حركت حاملة الطائرات أبراهام لينكولن إلى الخليج، وهى تضم مجموعة هجومية مكونة من سفن ومدمرات عدة وعددًا من المقاتلات، وقاذفة تابعة لسلاح الجو الأمريكى فى منطقة الشرق الأوسط، كما حركت البارجة الحربية "يو إس إس آرلنجتون" والتى تنقل قوات مشاة البحرية الأمريكية والمعدات البرمائية والطائرات، وأرسلت بطارية الصواريخ باتريوت بعيدة المدى، وقاذفات من طراز "بى 52" وصلت إلى قاعدة أمريكية فى قطر كجزء من قوات إضافية بالشرق الأوسط.

هذا الحشد الأمريكى غير المسبوق فى المنطقة قابله استعراض قوى إيرانى كرد سريع ومباشر مع تصريحات من الجيش الإيرانى ورجال الدين بالانتقام من المنشآت العسكرية الأمريكية فى الشرق الأوسط فى حال حدوث أى هجوم على المصالح الإيرانية، وبجوار التعبئة العسكرية قامت طهران بحشد وتعبئة الشعب بتصريحات تطالبه بالوقوف فى وجه الحرب الاقتصادية من جانب أمريكا.

أنصار سيناريو الحرب سواء تشجيعا أو توقعا يدللون على ذلك بتصريحات ترامب نفسها التى حذر فيها إيران من الإقدام على أى تحرك ضد أمريكا، وقال ترامب للصحفيين فى البيت الأبيض، إن الولايات المتحدة سترى ما سيحدث مع إيران، لكن إن حاولت فعل أى شىء فسيكون ذلك خطأ كبيرا، بالإضافة إلى أن القائم بأعمال وزير الدفاع الأمريكى باتريك شاناهان، قدم خطة عسكرية مطورة إلى إدارة ترامب تشمل تصورات بإرسال ما يصل إلى 120 ألف جندى إلى الشرق الأوسط إذا هاجمت إيران قوات أمريكية أو سرعت العمل على إنتاج أسلحة نووية، وكشفت صحيفة نيويورك تايمز فى تقريرها أن من بين من حضروا اجتماع الخميس الماضى جون بولتون مستشار ترامب للأمن القومى، وجينا هاسبل مديرة وكالة المخابرات المركزية، ودان كوتس مدير المخابرات الوطنية، وجوزيف دنفورد رئيس هيئة الأركان المشتركة، وجون بولتون مستشار ترامب المتصدر لمشهد توتر الأجواء الآن هو نفسه «بولتون» الذى كتب فى صحيفة الـ"نيويورك تايمز" الأمريكية عام 2015 قائلا: "لتفادى هجوم إيرانى هاجموا إيران".

يبدو واضحا أن واشنطن تريد أن تكون رسالتها إلى طهران واضحة، رسالة تؤكد لطهران بأن مخططات الاحتكاك غير المباشر عبر الوكلاء فقدت جدواها، ويعزز ذلك تصريحات مساعد وزير الدفاع الأمريكى الأسبق الجنرال مارك كيميت من أن الولايات المتحدة الأمريكية ليست بصدد إعلان حرب ضد إيران، والهدف هو الردع، والرد على أى تهور إيرانى، خاصة أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية تمتلك قوة عسكرية كبيرة وجيشا يقدر تعداده بحوالى 550 ألف جندى، وترسانة صاروخية ضخمة، وعشرات السفن الصغيرة، التى تمثل واحدة من أكبر التهديدات العسكرية للقوات الأمريكية فى الخليج، بخلاف مسارات النفوذ الإيرانية التى تمتد من بغداد إلى دمشق واليمن وبيروت.

وزير الدفاع الأمريكى الأسبق الجنرال مارك كيميت

سيناريو الحرب وإن كانت له دلالات واضحة ولكن يبقى سيناريو سيحتاج إلى مزيد من التدقيق، فلا المنطقة ولا إيران ولا أمريكا ولا ترامب نفسه الذى انتقد كثيرا من قبل حروب الشرق الأوسط لديهم القدرة على تحمل كلفة هذه الحرب الضخمة، التى سيكون الخليج العربى أول من يتضرر منها، لذا تبدو تصريحات وزير الخارجية الأمريكى مايك بومبيو متوازنة حيث يقول: "لن نخطئ فى التقدير، هدفنا ليس الحرب، هدفنا هو تغيير سلوك القيادة الإيرانية، نأمل أن يحصل الشعب الإيرانى على ما يريد وما يستحقه"، والقوات التى تستخدمها واشنطن فى المنطقة ضرورية لتكون جاهزة للرد فى حال حدوث أمر ما.

بومبيو

في المقابل سيناريو عدم وقوع الحرب يعززه كل هذه الأسباب السابقة، كما تدعمه أيضا الحالة الأمريكية التى تعلم جيدا أن فاتورة الحرب مع إيران ستكون باهظة عسكريا واقتصاديا وبتروليا، ولن يتحمل حلفاء واشنطن فى الخليج توابعها، أى مواجهة عسكرية فى منطقة الخليج ستعنى اشتعال أسعار النفط إلى مستويات قياسية، كما أن الحرب المفتوحة مع إيران تعنى تهديدا مباشرا ومناطق مشتعلة فى دول كثيرة داخل المنطقة وهو الأمر الذى لن يقبله أحد ولن يتحمله أحد، وطهران تعلم جيدا أن المواجهة المفتوحة مع واشنطن فى ظل قواعدها القريبة من الأراضى الإيرانية ستحتاج إلى ما هو أكثر من التصريحات والتهديدات والشحن والتعبئة.

الأسطول الخامس هو القوة البحرية الرئيسية فى القيادة المركزية للولايات المتحدة، داخل الخليج يقع المقر الرئيسى للبحرية فى البحرين بتمركز 7000 جندى أمريكى، وفى الكويت 13000 جندى أمريكى، بينما تعد الإمارات العربية المتحدة أكبر ميناء للبحرية الأمريكية، خارج الولايات المتحدة، وهناك 5000 من الأفراد العسكريين الأمريكيين، معظمهم فى قاعدة الدفرة الجوية فى أبو ظبى، حيث توجد طائرات مقاتلة بدون طيار وطائرات F-35.

وتعتبر قطر أيضا موطنا لمقر القيادة المركزية الأمريكية، فقاعدة العريض، يتمركز بها 10000 من الأفراد العسكريين، بجانب وجود القوات الأمريكية الخاصة فى اليمن.

وهذا يعنى أن نقاط الاحتكاك المتوقعة بين البلدين القواعد الأمريكية طبقا لتهديد إيران التى حددت 30 قاعدة أمريكية وأدرجتها فى لائحة أهدافها فى حال حدوث هجوم أمريكى، كما ستكون المياه الخليجية إحدى مناطق الاحتكاك المباشر بين واشنطن وطهران، وفى مواجهات قد تكون غير مباشرة وربما بواسطة قوات موالية لإيران فى مناطق مختلفة فى كل من العراق وسوريا وأفغانستان ومضيق هرمز وحيث يوجد الحوثيون عند مضيق باب المندب.

لذا سيبقى سيناريو الحرب هو الأصعب والأخطر حتى لو كان مطروحا بنسبة ضئيلة، بينما تبقى كفة سيناريو الضغط أقرب السيناريوهات التى يمكن أن تشرح هذا التصعيد الأمريكى تجاه طهران، جنبا إلى جنب مع التفسير الاقتصادى الذى يعتبر دوما المحرك الأساسى لعقل ترامب وخطواته.

سيناريو إستمرار حالة "حرب ما قبل الحرب"

يقوم هذا السيناريو على تخيل استمرار حالة التصعيد الكلامية من جانب الطرفين مع إجراءات عقابية أحادية متتالية تقوم بها الولايات المتحدة الأمريكية ضد إيران غير أن حالة التصعيد تلك لن تتطور إلى حرب مسلحة، حتى لو كانت محدودة؛ وذلك لعدد من الاعتبارات الحيوية.

على رأس تلك الاعتبارات عدم الرغبة الأمريكية الراهنة في فتح جبهة قتال جديدة في الشرق الأوسط وفقا لاستراتيجية "الاستدارة شرقا" أو "استراتيجية محور أسيا" تلك التي تقضي بانسحاب القوات الأمريكية تدريجيا من الشرق الأوسط والتوجه إلى إقليم جنوب شرقي أسيا؛ لمواجهة النفوذ الصيني المتعاظم في تلك المنطقة.

يعزز هذا السيناريو اتجاه في بعض الدوائر الإيرانية مفاده أن الرئيس دونالد ترامب تلقى تقديرا للموقف من قبل الجهات الأمريكية نصح بعدم خوض أية معركة مع إيران .

سيناريو الحرب الغير مرغوب فيها.. وخلق لغة حوار عبر قطر والعراق

أصبح السيناريو الأقرب للخروج من حالة التصعيد للتهدئة هو اللجوء لقنوات حوار سرية يرجحها اللاعب الإيرانى.

وانتقل دور الوساطة من عمان إلى حليفين يعدان الأقرب إلى طهران وواشنطن وهما العراق وقطر، ورجحت تقارير إلى أن زيارة وزير الخارجية الأمريكى مايك بومبيو إلى العراق الأسبوع الماضى لبحث مخاوف الإدارة الأمريكية على مصالحها التى تهدده طهران فى هذا البلد، لم تعد زيارة عادية، بل حاولت طهران من خلالها إيصال رسائل عبر مسئولى العراق لتهدئة الوضع والتحاور مجددا مع طهران.

يذكر أن قطر أيضا التى تحتفظ بعلاقات وثيقة مع صانع القرار الإيرانى، دخلت على خط الوساطة.

سيناريو التصعيد واستهداف المصالح الأمريكية

لا يخفي تخوف الإدارة الأمريكية من سيناريو استهداف مصالحها فى العراق نظرا للنفوذ الذى تتمتع به إيران وتغلغلها فى هذا البلد.

وأطلقت السفارة الأمريكية فى بغداد، بيانا قالت فيه إن وزارة الخارجية أمرت "موظفى الحكومة غير الضروريين" فى العراق بالرحيل.

وفى إشارة للسفارة والقنصلية الأمريكية فى أربيل، قالت "خدمات التأشيرات العادية فيهما ستصبح معلقة مؤقتا. إن الحكومة الأمريكية لديها قدرة محدودة على تقديم الخدمات الطارئة للمواطنين الأمريكيين فى العراق".

وأوصى البيان من شملهم القرار "بالرحيل بوسائل النقل التجارية فى أسرع وقت ممكن"، كما دخل الجيش الأمريكى فى حالة تأهب قصوى، مؤكدا المخاوف من قوات تدعمها إيران فى المنطقة.

وقال الكابتن بيل أوربان، وهو متحدث باسم القيادة المركزية للجيش الأمريكى أثناء توضيحه لتصريحات مناقضة لجنرال بريطانى، إن البعثة الأمريكية "فى حالة تأهب قصوى الآن ونواصل المراقبة عن كثب لأى تهديدات حقيقية أو محتملة وشيكة للقوات الأمريكية فى العراق".

وبات السيناريو الأقرب الآن هو التصعيد لكنه التصعيد المعتاد بين طهران وواشنطن الذى لا يؤدى بالضرورة للاشتباك العسكرى، شعاره تشديد العقوبات مجددا على طهران لمنع تدفع أموال خزينتها إلى وكلاءها فى لبنان وسوريا والعراق وتضيق الخناق على النظام فى الداخل.