تواجه أوكرانيا موقفًا متأزمًا مع تزايد التقارب بين واشنطن وموسكو، حيث أثارت تحركات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الأخيرة، بما في ذلك محادثته مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والمطالبة بحقوق التعدين الأوكرانية، قلقًا بالغًا لدى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي. وفقًا لتقرير نيويورك تايمز
تصعيد ميداني وضغوط سياسية
في ساحة القتال، لا تزال أوكرانيا تكافح أمام التقدم الروسي، حيث أطلق جنود أوكرانيون النار على القوات الروسية المتقدمة في منطقة بوكروفسك بشرق أوكرانيا خلال نوفمبر الماضي. وعلى مدار أكثر من عام، بدا أن الزخم العسكري على الجبهة الرئيسية يميل لصالح موسكو.
أما على الصعيد السياسي، فقد واجه زيلينسكي أسبوعًا بالغ الصعوبة بينما اجتمع المسؤولون الدوليون في أوروبا لمناقشة مستقبل بلاده. إذ طالبت إدارة ترامب أوكرانيا بمنح الولايات المتحدة حقوقًا بقيمة 500 مليار دولار من معادنها، وألغت إعفاءها من الرسوم الجمركية الأمريكية على الصلب. وفي الوقت ذاته، كان نائب الرئيس الأمريكي جيه دي فانس، أحد أبرز المشككين في استمرار الدعم العسكري لكييف، في طريقه للقاء زيلينسكي.
مكالمة ترامب – بوتين: تغيير في قواعد اللعبة؟
يوم الأربعاء، تعقدت الأمور أكثر عندما صرح وزير دفاع ترامب بأن فرص أوكرانيا في الانتصار بالحرب "محدودة"، قبل أن يعلن ترامب أنه أجرى مكالمة هاتفية مع بوتين، واصفًا إياها بأنها بداية لمحادثات السلام – دون أي دور واضح لزيلينسكي. واعتُبرت هذه الخطوة بمثابة نهاية لمحاولات الولايات المتحدة لعزل روسيا دبلوماسيًا منذ بدء الغزو الشامل لأوكرانيا قبل ثلاث سنوات.
وقال كليف كوبشان، رئيس مجموعة أوراسيا، إن زيلينسكي بات في موقف ضعيف جيوسياسيًا، حيث تشير التطورات الأخيرة إلى تقارب أمريكي–روسي قد يعزز موقف بوتين في أي اتفاق سلام محتمل، بينما تبقى أوكرانيا على الهامش.
مستقبل أوكرانيا على المحك
من جانبه، لم يغفل زيلينسكي محاولات التأثير على مسار المفاوضات، حيث التقى بوزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو ونائب الرئيس فانس خلال مؤتمر ميونيخ الأمني. غير أن تصريحات وزير الدفاع الأمريكي الجديد، بيت هيجسيث، شكلت ضربة أخرى لأوكرانيا، إذ وصف استعادة كييف لكامل أراضيها المحتلة منذ 2014 بأنها "غير واقعية"، كما أشار إلى أن الولايات المتحدة لا تدعم انضمام أوكرانيا لحلف شمال الأطلسي كشرط لتسوية السلام.
صفقات وتنازلات محتملة
في المقابل، برزت بعض الإشارات الإيجابية لكييف، حيث اعتبر مسؤولون أوكرانيون أن مطالبة ترامب بحقوق المعادن قد تكون مدخلًا لاستمرار الدعم العسكري الأمريكي، لا سيما مع بدء محادثات بهذا الشأن أثناء زيارة وزير الخزانة الأمريكي إلى كييف.
وفي خطوة أخرى تعكس تغير الموقف الأمريكي، توجه ستيف ويتكوف، أحد المقربين من ترامب، إلى موسكو لاستعادة المعلم الأمريكي مارك فوجل ضمن صفقة تبادل أسرى، وهو ما اعتُبر بادرة تصالحية من الكرملين.
رهانات زيلينسكي.. بين المفاوضات والتحديات العسكرية
يدرك زيلينسكي أن أي تسوية سلمية محتملة قد تتطلب تقديم تنازلات، خاصة مع مطالب بوتين بإجراء انتخابات أوكرانية جديدة قبل توقيع أي اتفاق. وهو أمر يراه المسؤولون الأوكرانيون محاولة روسية لزعزعة الاستقرار الداخلي.
أما على الجبهة العسكرية، فتظل أوكرانيا تمتلك ورقة ضغط محدودة، حيث تسيطر على بضع مئات من الأميال المربعة داخل الأراضي الروسية بمنطقة كورسك، والتي قد تستخدمها كورقة تفاوضية لاستعادة أراضٍ محتلة. لكن أي تباطؤ في قبول وقف إطلاق النار قد يكلف كييف مزيدًا من الخسائر، خصوصًا مع استمرار الضغط العسكري الروسي.
ختام المفاوضات
بينما تتجه المفاوضات نحو مرحلة حاسمة، يبقى مصير أوكرانيا معلقًا بين محاولات زيلينسكي للحفاظ على الدعم الغربي، وضغوط ترامب المتزايدة لإعادة صياغة العلاقات مع روسيا وفق مصالح واشنطن. وفي ظل هذه التحولات، يبقى السؤال: هل سيتمكن زيلينسكي من قلب الموازين مرة أخرى، أم أن أوكرانيا ستضطر للقبول بصفقة لا تحقق أهدافها بالكامل.