"حماة الحمى يا حماة الحمى هلموا هلموا لمجد الزمــن.. لقد صرخت في عروقنا الدما نموت نموت ويحيا الوطن".. كان معجزة في الأدب العربي، لم ييأس من عجزه، حقق حلمه بإرادته وطموحه، لم يقف المرض عائقًا أمام استكمال طريقه بل والتألق فيه، رحل وما زالت ذكراه محفورة في عقول وقلوب الأدباء والشعراء، لا تخلوا أمسية ثقافية من كتاباته، اليوم، في العاشر من مايو ولد العلامة مصطفى صادق الرافعي.
نبذة عن حياة معجزة الأدب
ولد مصطفى صادق الرافعي، في 1 يناير عام 1880، ببيت جده لأمه في قرية بهتيم بمحافظة القليوبية وعاش حياته في طنطا، لأبويين سوريين، أب عمل في عدة مناصب بالقضاء الشرعي، وكان آخر عمل له في رئاسة محكمة طنطا الشرعية، التحق الرافعي بالمدرسة الابتدائية في دمنهور، حيث كان والده يعمل قاضيًا بها وحصل على الشهادة الابتدائية بتفوق، ثم أصيب بمرض يقال أنه التيفود أقعده عدة شهور في سريره وخرج من هذا المرض مصابا في أذنيه, واستفحل به المرض حتى فقد سمعه نهائيا في الثلاثين من عمره.
وبالرغم من الإنجازات العديدة التي حققها إلّا أنّ المفاجأة الكبرى أنّ الرافعي لم يحصل في تعليمه إلّا على الشهادة الإبتدائية، مثل العقاد في تعليمه، فكلاهما لم يحصل على شهادة غير الشهادة الابتدائية. كذلك كان الرافعى مثل طه حسين صاحب عاهة دائمة هي فقدان البصر عند طه حسين وفقدان السمع عند الرافعى، ومع ذلك فقد كان الرافعى مثل زميله من أصحاب الإرادة الحازمة القوية فلم يعبأ بالعقبات، وإنما اشتد عزمه وأخذ نفسه بالجد والاجتهاد، حتى صار معجزة الأدب العربي.
على الرغم من أن الرافعى لم يستمر طويلا في ميدان الشعر ، وقررّ الانصراف عنه لأنه وجدها أطوع، وعندما نتوقف أمام ظاهرة هذا الانصراف نجد أنه كان على حق في هذا الموقف فرغم ما أنجزه في هذا الميدان الأدبي من نجاح ورغم أنه استطاع أن يلفت الأنظار، إلا أنه في الواقع لم يكن يستطيع أن يتجاوز المكانة التي وصل إليها الشعراء الكبار في عصره وخاصة أحمد شوقي وحافظ إبراهيم فقد أعطى هذان الشاعران التعبير عن مشاعر الناس وهمومهم في هذا الجيل.قالوا عنهتحدّث الكثير من الكتاب والأدباء عن الرافعي، فكتب فيه الإمام محمد عبده عنه "ولدنا الأديب الفاضل مصطفى أفندي صادق الرافعي، زاده الله أدباً.. لله ما أثمر أدبك، ولله ما ضَمِن لي قلبُكَ، لا أقارضك ثناء بثناء؛ فليس ذلك شأن الآباء مع الأبناء، ولكني أَعُدك من خُلَّص الأولياء، وأُقدم صفك على صف الأقرباء.. وأسأل اللهَ أن يجعل للحق من لسانك سيفاً يمحق الباطل، وأن يُقيمَك في الأواخر مقامَ حَسَّانٍ في الأوائل، والسلام".
وقال الزعيم مصطفى كامل : "سيأتي يوم إذا ذُكر فيه الرافعيُّ قال الناس : هو الحكمة العالية مصوغة في أجمل قالب من البيان".
وقال واصفاً إياه السيدُ محمد رشيد رضا منشئُ مجلة "المنار": "الأديب الأروع، والشاعر الناثر المبدع، صاحب الذوقِ الرقيق، والفهمِ الدقيق، الغواص على جواهر المعاني، الضارب على أوتار مثالثها والمثاني".
وقال عنه الأديبُ عباس محمود العقاد بعد وفاة الرافعي بثلاث سنين: "إن للرافعي أسلوباً جزلاً، وإن له من بلاغة الإنشاء ما يسلكه في الطبقة الأولى من كُتَّاب العربية المنشئين".
مؤلفاته ومن أبرز مؤلفات "الرافعي" إعجاز القرآن والبلاغة النبوية (وهو الجزء الثاني من كتابه تاريخ آداب العرب)، وقد صدرت طبعته الأولى باسم إعجاز القرآن والبلاغة النبوية عام 1928 م، كتاب المساكين، السحاب الأحمر، حديث القمر، رسائل الرافعي، وحي القلم والذي اشتمل على (ثلاثة أجزاء) وهو مجموعة فصول ومقالات وقصص.
وفاته
اختلف الكثيرين حول وفاته فمنهم من ذكر أنّ العاشر من مايو يوم وفاة الأديب، وآخرين تحدّثوا عن وفاته في الرابع عشر من مايو، وتحديدًا يوم الإثنين، حينما استيقظ الرافعي لصلاة الفجر، ثم جلس يتلو القرآن، فشعر بحرقة في معدته، تناول لها دواء، ثم عاد إلى مصلاه، ومضت ساعة، ثم نهض وسار، فلما كان بالبهو سقط على الأرض، ولما هب له أهل الدار، وجدوه قد أسلم الروح ، وحُمل جثمانه ودفن بعد صلاة الظهر إلى جوار أبويه في مقبرة العائلة في طنطا.
مات مصطفى صادق الرافعي عن عمر يناهز 57 عاماً.